ترامب وبوتين.. وبينهما إيران


الاتحاد

لم يسفر اللقاء الذي كان منتظراً بين الرئيسين ترامب وبوتين، على هامش قمة «العشرين» في هامبورج، عن نتائج ملموسة على صعيد العلاقات الأميركية- الروسية. ربما تكون أجواء اللقاء الودية هي الأهم فيه، خاصة بعد التوتر الذي ترتب على إنذار البيت الأبيض للجيش السوري بدفع ثمن فادح إذا نفذ هجوماً كيماوياً ثانياً، وإعلان موسكو أنها سترد بخطوات مناسبة إذا اتخذت واشنطن إجراءات استباقية استفزازية. وهذا مؤشر جديد على أن تحسين العلاقات مع موسكو ليس بالسهولة التي تصورها الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية.
فقد تعامل ترامب المرشح مع المسألة الروسية ببساطة وتلقائية، وتصور فيما يبدو أن في إمكانه إبرام صفقة يربح فيها الطرفان، كما يحدث كثيراً في عالم «البيزنس» الذي أمضى حياته فيه. ولكن ترامب الرئيس اصطدم بواقع معقد. فالقرارات الاستراتيجية تمر عبر مؤسسات تكونت خبراتها عبر صراعات متعددة الأشكال مع الاتحاد السوفييتي ثم روسيا منذ نهاية الحرب الثانية. وأدى ذلك إلى إرث طويل من عدم الثقة المتبادلة. وازداد هذا الإرث تعقيداً بسبب تداعيات سياسة إدارة أوباما الانسحابية التي أتاحت لروسيا التمدد في الشرق الأوسط، حيث تشتعل أهم الصراعات المؤثرة في العالم اليوم. ولكن هذا التمدد ليس إلا واحداً من عوامل عدة تُقلق مؤسسات الأمن القومي في واشنطن. فقد انتزعت روسيا أهم موقع استراتيجي في أوكرانيا باستيلائها على شبه جزيرة القرم. وأصبحت أنظمتها المضادة للسفن الحربية تغطي الجزء الأكبر من البحر الأسود. كما جدَّدت أسطولها في هذا البحر، وزودته بفرقاطات وطرادات وغواصات جديدة.
وفي أطراف الحلف الأطلسي الجنوبية، تنشر روسيا سفناً جديدة مزودة بصواريخ قادرة على بلوغ معظم مناطق أوروبا والشرق الأوسط. وربما يؤدي ذلك إلى تآكل الهيمنة الأميركية في أعماق البحار، وتحول الغواصات الروسية إلى مصدر تهديد لها.
وعندما يتعلق الأمر بدولة بحجم الولايات المتحدة، يصعب موضوعياً الاتجاه إلى تقارب مع دولة منافسة تزهو قيادتها بأنها صارت أكثر تأثيراً في النظام العالمي قبل تصحيح الاختلالات التي أدت إلى هذا الوضع. ويبدو أن غلبة الخطاب الودي تجاه روسيا في حملة ترامب غطى على تصريح بالغ الأهمية خلالها، وهو أن «أوباما ركع أمام موسكو». فعندما يتهم ترامب سلفه بالركوع، يصبح ملتزماً أمام شعبه تصحيح السياسات التي ترتبت على ذلك.
ولذا تتسم سياسته حتى الآن بالحذر، وإعطاء الأولوية لتصحيح ما يرى أن أوباما أخطأ فيه. فقد ركز مثلاً على دعم الحضور الأميركي في سوريا، وأرجأ بلورة استراتيجية متكاملة تجاهها، لعدم رغبته في التفاوض مع موسكو حولها إلا بعد أن يُعيد التوازن المفقود، لكي لا يكون دور واشنطن مجرد مساعدة روسيا التي تبقى صاحبة اليد العليا في تقرير مستقبل هذا البلد.
وبعد أن أكدت واشنطن دورها في قيادة الحرب على «داعش» في مركزه الرئيس شمال سوريا، ودعّمت حضورها العسكري في هذه المنطقة، الأمر الذي أتاح لقوات سوريا «الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية إطلاق معركة تحرير الرقة، سعت إلى تعزيز دورها في الجنوب السوري أيضاً، من خلال رفع مستوى التعاون مع وحدات الجيش الحر التي حافظ «البنتاجون» على علاقة وثيقة معها في هذه المنطقة حتى في ذروة الانكفاء الذي فرضته سياسة أوباما. كما يستثمر الأميركيون دورهم في عملية تحرير الموصل لدعم وجودهم في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا.
ووجهت إدارة ترامب، في الوقت نفسه، رسائل تفيد ضرورة إخراج إيران ووكلائها من سوريا، وحملت في طياتها معنى أن هذا أحد شروط التعاون مع روسيا. وخلقت أمراً واقعاً يهدف إلى منع وصول ميليشيات تابعة لإيران إلى منطقة المثلث الحدودي السوري- العراقي- الأردني، حيث يمر الطريق السريع الذي يربط بين دمشق وبغداد.
وعلى الرغم من أن التوازن بين روسيا وإيران في سوريا، والاعتماد المتبادل بينهما، يمثلان قيداً على روسيا حتى إذا قررت التعاون مع الولايات المتحدة لتحجيم تمدد الميليشيات التابعة لطهران في سوريا، يبدو أن الكرملين استوعب الرسالة عندما طرح اتفاقاً لوقف التصعيد في أربع مناطق خلال اجتماع آستانة الرابع أول مايو الماضي لتحقيق أهداف من بينها وضع حد لتمدد النفوذ الإيراني. ولكن الإخفاق في تفعيله في الاجتماع الخامس الأسبوع الماضي حال من دون ذلك.
وهكذا يبدو، بعد أن أمضى ترامب نحو ستة أشهر في البيت الأبيض، أن تحقيق نقلة في العلاقات الأميركية- الروسية يبقى متوقفاً على استعداد موسكو لإجراء مراجعة جوهرية لسياستها تجاه إيران.




المصدر