الثانوية العامة في سورية… أجيالٌ مغبونة


آلاء عوض

كنتُ في الثانوية العامة في عام 2005، عندما جمعتني الصدفة بابنة مسؤول في وزارة التربية والتعليم السورية؛ لتصبح خلال العام الدراسي صديقتي المقرّبة، نُمضي أوقاتنا سوية وندرس مع بعضنا ونتبادل القصص والأسرار.

في أثناء الانقطاع الدراسي للتحضير للامتحان النهائي، كانت صديقتي تطلب مني أن أحضر إلى منزلها لندرس معًا، وبالفعل كان السائق الخاص بوالدها يأتي صباحًا ليأخذني بسيارة فارهة، وكانت والدتها -وهي أستاذة جامعية في كلية التربية- تُشرف على تنظيم أوقاتنا ونظامنا الغذائي، وأحيانًا تستدعي لنا صديقتَها، وهي مُدرّسة جغرافيا، لتعطينا بعض دروس التقوية فيها، كونها من المواد الصعبة.

مرت أيام الانقطاع الدراسي، وجاء الامتحان الأخير الذي يحدّد المستقبل ويرسم ملامحه النهائية، وكنتُ أنا وصديقتي نوّد دخول قسم الصحافة في كلية الآداب وقتذاك، وكان القسمَ الأعلى بالنسبة للفرع الأدبي ويحتاج إلى مجموعٍ عالٍ.

اقترب موعدُ مادة الجغرافيا التي كانت الأصعب بالنسبة لي ولها، وقتها مكثت في منزلي أحاول تنظيم الوقت، لأتمكن من مراجعة المادة بالكامل، لتتصل بي صديقتي وتقول لي: “لقد تمكّنت من إحضار الأسئلة المتوقعة، تعالي إلى منزلي لِأُطلعك عليها”، لم أتوان أبدًا، إذ كانت المادة صعبة بالنسبة إلي، وكنتُ أخشى أن أخسر فيها درجاتٍ كثيرة، ومن ثمّ أُمنع من دخول قسم الصحافة الذي أريد؛ ارتديت ملابسي على عجل وغادرت إليها.

وصلتُ المنزل، فاستقبلتني الخادمة الإثيوبية كالعادة، أعقب ذلك خروجٌ مباغتٌ لوالدة صديقتي لتخبرني بطريقة فيها نبرة غاضبة أنه: “لا يوجد توقعات لأسئلة الامتحان، والمادة كلها مهمة”، وذكرتْ لي أسماء بعض الفصول التي ينبغي التركيز عليها، ما يزيد عن ثلثَي الكتاب، وعندما سألت صديقتي عن التوقعات أجابت بتلكؤ: “وصلتنا مجموعة من التوقعات، لكن علمنا للتو أنها خاطئة، لذا لا تشغلي نفسك بهذا الموضوع، وركّزي على كل الكتاب”.

أذكر أنني عدتُ إلى المنزل حزينة ومحبطة، ولا سيما أنني أضعت نصف يوم في الذهاب إلى بيتها الذي كان خارج مركز المدينة؛ وبالتالي أضعت الفرصة لمراجعة جزء من المادة.

انقضى اليوم المشؤوم (يوم امتحان الجغرافيا)، وأجبتُ عن أسئلة المادة بشكلٍ معقول، لتتبع مادة الجغرافيا مادة التاريخ التي كانت بالنسبة لي أسهل وأجمل، وبعد مغادرتنا قاعة الامتحان خرجت مُسرعةً لأطمئن على صديقتي، وإذ بها لم تُجبْ بشكلٍ جيد عن أحد الأسئلة، ونسيتْ قسمًا من الإجابة، حاولت مواساتها، وعدت إلى المنزل. ليأتي اتصالٌ، على هاتفي الخليوي، من والدتها وهي متعجّلة وملهوفة: “آلاء، لا ترسلي سلالم التصحيح، نريد إجراء تعديل، ضعي السؤال س (يُكتفى بـ 2 من التعدادات عوضًا عن 4)”، والمقصود بهذه العملية تحويل وتعديل سلّم تصحيح العلامات، بما يتناسب مع ما كتبته ابنتها، قلت لها: “خالة ماذا تقصدين؟ أنا آلاء عوض صديقة ابنتك”، أجابت: “آه آلاء.. كيفك بنتي؟ كيف قدمتِ بالامتحان؟ على ما أعتقد أنني أخطأت أنا أتصل بآلاء أخرى صديقة لي تعمل في التربية”.

كانت هذه الحادثة مُفجعة وصادمة بالنسبة إلي، وقتها كنت أسمع من الأصدقاء والمعارف، أن العملية التعليمية ليست نزيهة، وأنّ أولاد المسؤولين تأتيهم أسئلة الامتحان، ويحصلون على أعلى العلامات، دون بذل أي جهد دراسي، لكن أهلي كانوا يتجنبون الاعتراف بهذه الحقيقة أمامي، كي لا أتساهل في بذل الجهد ولا أكوّن انطباعًا بشعًا عن الواقع والمستقبل.

استحضرتني هذه القصة عندما قرأتُ اليوم في صفحة (فيسبوك) موالية أن “تصحيح الأوراق لطلاب الشهادة الثانوية العامة لهذا العام لم يكن على ما يرام، وأن طلاب قاعة كاملة رسبوا وحصلوا على علامات متشابهة”، في حين أكدّ آخرون “أنهم حصلوا على علامات في بعض المواد، لا تتناسب وتوقعاتهم”.

قلت بيني وبين نفسي: “ربما لا يوجد في القاعة التي رسب طلابُها دفعة واحدة أبناءُ مسؤولين، وفي الكثير من القاعات الأخرى، لأنهم أرسلوا أبناءهم ليُكملوا تعليمهم في دولٍ أخرى، تحترم العلم وتضع ثقتها بأهله، فيما تتابع الأجهزة التعليمية التابعة للنظام دورَها في نشر المزيد من الفساد إلى هذا القطاع، وغبن مزيد من الشباب حقهم في وضع حجر الأساس لمستقبلهم المبتور”.




المصدر