باستر كيتون رفيق شارلي


سوسن سلامة

فيما يبدو الحديث عن “شابلن” متكررًا؛ فإن الحديث عن رفيقه “باستر كيتون” لن يكون أقل أهمية ومتعة، بالنظر إلى حياته وإنتاجه السينمائي الاستثنائي.

هي مقارنة تُعدّ انعكاسًا تقليديًا لواقع كثير من الأحاديث السينمائية بمتابعيها ونقادها، منذ زمن النجمَين “شابلن، وكيتون”، بالرغم من كون “شابلن” الأشهر والأقوى بصمة، لكن فترة ظهورهما كانت في الوقت نفسه؛ حيث ظهر “شابلن” في بريطانيا و”باستر كيتون” في أميركا، وتشابُه أسلوبَيهما، ومحورية الشخصية لدى كل منهما، واستحواذُهما على الانتباه الأكبر فترة السينما الصامتة، هو ما يجعلهما في مجال المقارنة بشكل دائم.

باستر كيتون (الملقب بالوجه الحجري العظيم 1920-1929)، هو أحد أعظم المُمثلين الكوميديين، وأكبر المُخرجين السينمائيين والكتاب والمنتجين في العالم، في عهد أيام السينما الصامِتة.

ولِدَ في الولايات المُتحدة، كنساس عام 1895، لأسرة تعمل بالتمثيل المسرحي الكوميدي؛ فنَمَت موهبته من خِلال اشتراكه مع أفراد أسرته في أعمالهم المسرحيّة.

بدأ كيتون 1917 ممثلًا جانبيًا مع “فاتي أربكل”؛ وسرعان ما أصبح مساعدَ المخرج والمسؤول عن قسم الكوميديا في أفلامه. ثم بعد النجاح الذي قدمه كيتون مع أربكل، استحق الأستوديو الخاص به “كوميديا باستر كيتون” الكوميديا التي بدأ العمل فيها بشكل مستقل بإخراج أفلامه الخاصة.

بعد أن افتتح الأستوديو الخاص به، قدّمَ ما يُقارب 12 فيلمًا طويلًا و19 فيلمًا قصيرًا، لا تزيد مدتها عن 20 دقيقة، بين مُخرج ومُنتج ومُمثل، وهكذا توالى إنتاج تحفه السينمائية، ومن أهمّها (أسبوع واحد One Week) و(رجال الشرطة Cops) والـ (جيران Neighbors).

في حين أن أول فيلم طويل له يُدعى (ثلاثة عصور Three Ages) ويحكي عن ثلاث قصص من ثلاثة عصور أو أزمنة مُختلفة، وهي العصر الحجري، العصر الروماني، والعصر الحديث. وسبب تقسيم الفيلم إلى ثلاثة عصور هو خوفه من فشل الفيلم تجاريًا باعتباره مُعتادًا على إنتاج الأفلام القصيرة، ففكّرَ أنّهُ في حال فشل الفيلم تجاريًا فيُمكنه تقطيعه وتقديمه على شكل ثلاثة أفلام قصيرة.

في 1924 قام باستر كيتون بإخراج اثنين من أهم تحفه الفنية التي قدّمها في تاريخه، ولعب فيهما دورَ البطولة، وهُما (شيرلوك جي أر/ Sherlock JR) (والاستضافة/ Our Hospitality) الذي لعب فيه دور الشخص الساذج البسيط، وسط مجموعة من أطرف الكوميديا الجسدية الساخرة وأشهرها، بعد أن وجد نفسه في بيت عائلة كانت قد أقسمت على قتله لانتقام عائلي قديم، وحين يلاحظ كيتون هذا الأمر، يسعى للاستمتاع بضيافتهم رافضًا المغادرة. أشهر مشاهد الفيلم هو مشهد الشلال الذي تدلى فيه كيتون من جذع شجرة لينقذ الفتاة التي يحبها، قبل أن تقع في الشلال، وممّا يذكر صناع الفيلم أن حبل الأمان قد انقطع في تلك اللحظة، وكاد هذا أن يودي بحياته.

كانت أفلامه تقودنا إلى التميز الفريد الذي لا يجاريه فيه أحد؛ فقد أورثته المشاهد الخطرة التي يؤديها بنفسه دائمًا، الكثيرَ من الإصابات والكسور. تلك المشاهد، وعلى الرغم من خطورتها، كان يقدمها ضمن قوالب كوميدية مضحكة، معتمدًا على دقة الإخراج والتوقيت والاستعداد، وهو ما لا تجده عند ممثل ومخرج آخر، حتى هذا اليوم.

أما فيلم (The General) في عام 1926، الذي تدور أحداثه إبان الحرب الأهلية الأمريكية، فقد لاقى فشلًا نقديًا وتجاريًا حين عرضه؛ ثم صار يُعدّ اليومَ أحدَ أعظم الأفلام عالميًا في تاريخ السينما، بينما وصفه نقاد ذاك الزمن بأنه ممل ومخيب للآمال، إضافة إلى أنه لم يلق إقبالًا جماهيريًّا، إذ حقق أرباحًا ضئيلة مقارنة بميزانيته العالية. (الفيلم يحتوي على أغلى مشهد تم تصويره). كل هذا أدى إلى خسارة كيتون لاستقلاليته كصانع أفلام، وأجبِر لاحقًا على توقيع عقد مقيد مع MGM مما أدى إلى تدني مستوى أفلامه اللاحقة نسبيًا. لكن ما يجدر ذكره الآن هو أن الفيلم يُعدّ حاليًا أحد أفضل الأعمال عالميًا، وضمن قوائم النقاد في تاريخ السينما. إذ قال عنه المخرج الأميركي الشهير أورسون ويلز صاحب تحفة (المواطن كين): “إنه أعظم كوميديا صُنعت في التاريخ، وأعظم فيلم صُنع عن الحرب الأهلية، وربما أعظم فيلم صُنع في التاريخ”، وعده الناقد الأميركي الراحل روجر إيبرت، ضمن أفضل عشرة أفلام في التاريخ، واعتُبر أفضل الأفلام في تاريخ السينما ثلاث مرات.

في أواخر الحقبة الصامتة، وقبل أن يوقع مع MGM نجد لهذا الفنان الاستثنائي تحفتين سينمائيتين الأولى Steamboat Bill”r” والثانية “Cameraman” وكان أكثر أفلام كيتون عمقًا وذكاءً، باعتبار أن كيتون لطالما اعتمد القصة البسيطة القائمة على المفارقة المضحكة، وسلسلة الأحداث العفوية المتتالية.

نصل بعد ذلك إلى المرحلة الأسوأ في حياة كيتون، المرحلة التي يصطف فيها ضمن طابور النجوم المبدعين، فترة السينما الصامتة، مشكلين بذلك مسيرة الخفوت والإخفاق، كضحايا لدخول الصوت في السينما، وصناعة الأفلام والتحول لإنتاج الأفلام الناطقة.

حيث أراد “كيتون” أن يواكب هذا التحول في فيلمه القادم، لكن الأستوديو لم يسمح له بذلك، وأجبره على أن يكون الفيلم صامتًا؛ مما أدى إلى الفشل التجاري، ومُنع كيتون من إخراج أيِّ فيلم في المستقبل بحرية؛ ما أضر بعمله، وسرعان ما طُرد من MGM ليعيش عاطلًا بقية حياته؛ حتى توفي في عام 1966 كأحد شواهد سلطة الاستبداد التجاري الرأسمالي تجاه روح الفن، وكينونة الفنان واستقلاله!




المصدر