بين تأكيد إعلام النظام ونفيه .. شطب إعفاءات الخدمة العسكرية محاولةٌ روسيّة لضبط الفساد


طوال عقود لم تكن علاقة الشباب السوري بالخدمة العسكرية الإجبارية سوى علاقة قهرية، إذا ما ستثنينا بعض الفترات من التاريخ السوري، وليس ذلك سوى نتيجة لاختلاف واقع هذه المؤسسة عن الصورة التي كان النظام يتحدث عنها ويحاول أن يسوقها، فالجيش “العقائدي” لم يكن حقيقةً سوى بؤرة من بؤر الفساد والإذلال، لذلك فقد أصبح الشغل الشاغل للشباب السوري هو التخلص من هذه الخدمة ولو اضطرهم الأمر لدفع أموال طائلة كرشاوى، سواء بهدف “التفييش” أو الإعفاء بشكل كامل خصوصاً عبر افتعال أسباب صحية.

وككثير من القوانين التي يسنها النظام هناك دائماً بنود تُترك ليعتاش عليها الفاسدون ومنها قانون الخدمة الإلزامية، الذي سمح للّجان بالإتجار بالشباب السوري وابتزازهم مقابل تخليصهم من هذه الخدمة سواء كانت إلزامية أم احتياطية.

استدعاء “من ترى القيادة استبعاده”

ضجّ الشارع السوري مؤخراً بأخبار تناقلتها وسائل إعلامية تفيد بإلغاء الفقرة (ح) من المادة 25 من المرسوم التشريعي رقم 30 للعام 2007 من قانون خدمة العلم والتي تنص على شطب اسم “من ترى القيادة استبعاده” من أداء خدمة العلم.

وذكرت مصادر إعلامية أن هذا التعديل يُلزِم كل من تم شطب اسمه أو تأجيله بالالتحاق بالخدمة في قوات النظام، وعرض كل من أُعفي طبياً مرةً أخرى على لجنة طبية متخصصة.

وأشارت المصادر إلى أن أسماء هؤلاء ستعمم على المنافذ الحدودية إلى حين التحاقهم، لافتاً إلى أنه “من الآن وصاعداً” سيكون الإعفاء مقتصراً على الحالات المعروفة فقط كالابن الوحيد أو من أصبح وحيداً لأهله، أي كل من ليس له علاقة بالفقرة (ح) السابقة الملغاة.

وتنص المادة 25 من المرسوم 30 لعام 2007 على أن يستبعد من الخدمة الاحتياطية المكلفون الآتي ذكرهم، وهم: الطلاب الذين يتابعون دراستهم في غير زمن الحرب وفق الشروط المحددة في النظام، وأحد الأولاد لوالدين أو لأب أو لأم إذا كان لهما ولدان أو اكثر في خدمة العلم الفعلية على ألا يتجاوز عدد الموجودين فيها الثلاثة أولاد، بالإضافة لمن يعانون من عدم اللياقة الصحية المؤقتة للخدمة العسكرية حتى زوال الأسباب، والمحكوم عليهم طوال مدة تنفيذ عقوبتهم والموقوفين رهن التحقيق طوال مدة توقيفهم، والمغتربين والمقيمين إقامة دائمة أو مؤقتة للعمل خارج الجمهورية العربية السورية حتى عودتهم، والمعارين خارج الجمهورية العربية السورية.

كما تستبعد المادة 25 العاملين المدنيين في القوات المسلحة ووزارة الدفاع والجهات المرتبطة بها والعاملين في الدولة من رجال الإطفاء والمسلحون الذين يرتدون الزي الخاص بهم من رجال الضابطة الجمركية والمكافحة لدى إدارة التبغ والتنباك ومراقبي الحراج وفق تعليمات القيادة العامة، ومن ترى القيادة العامة استبعاده.

لا يوجد أثر رجعي

رغم سيل الأخبار التي تؤكد التعديل الأخير في قانون الخدمة العسكرية، وتناقلها على نطاق واسع، فإن مصدراً متابعًا، طلب عدم الكشف عن اسمه، استبعد أن يكون لهذا التعديل أي أثر رجعي “إن كان قد أقر بالفعل”، لأن معظم من استفاد من هذه الفقرة سابقاً هم من أبناء المتنفذين ورجال الأعمال.

وقال المصدر لـ “صدى الشام”، إن إعادة فتح هذا الملف قد يثير فضائح ليس النظام اليوم في واقع يسمح له بإثارتها، وخاصة أنه يطال شبكة معقدة تضم مناصب رفيعة.

وبيّن أن “المعلومات تفيد بأن تكلفة الإعفاء من الخدمة الاحتياطية بلغت أسعاراً غير مسبوقة، قد تصل لنحو 10 مليون ليرة سورية، في حين أن التجنيد الاجباري قد يزيد عن 15 مليونًا، فيما يكلف التأجيل لعام إداري أي 9 أشهر أكثر من 500 ألف ليرة، وفي الغالب لا يتم التعامل بالليرة السورية بل يتم تحويل تلك الأموال للدولار الأمريكي ومن ثم تسلم، وذلك رغم أن هذه المبالغ تعتبر مرتفعة جداً بالنسبة لغالبية المواطنين السوريين”.

ورأى المصدر أن “هذا التعديل قد يكون في سياق محاولة الروس ضبط واقع الفساد الذي يغرق به النظام، بعد أن اعتمد في السنوات السابقة على غض النظر عن فساد أزلامه ومرتزقته مقابل الولاء له والدفاع عنه، إلا أن ذلك انعكس سلباً على المؤسسات وخاصة العسكرية والأمنية، وعجزها عن قيامها بمهماتها، لولا اعتمادها على ميليشيات المرتزقة”.

مصادر تنفي

رغم نفي مصدر رسمي في حكومة النظام لما تردد عن قرار إلغاء الفقرة (ح) إلا أنه يبقى ثابتاً أنه “لا دخان بلا نار”، فلقد عوّد النظام جمهور الموالين على هذا الأسلوب من جس النبض قبيل صدور أي قرارات حساسة.

وقد تولت عملية النفي هذه المرة قناة (شامنا) الموالية التي نقلت عن المصدر قوله: “إنّ وزير الدفاع لديه الصلاحية لإعفاء أي شخص من واجب الخدمة الإلزامية دون الحاجة لأسباب موجبة لو أراد ذلك، كما أنّ برقيات شطب الاحتياط الصادرة عن وزير الدفاع لا يمكن العودة عنها ولا تحتاج تبريراً، والموضوع هو مزاودة لا أكثر ومن السهل تتبع القصة عن طريق التنظيم والإدارة السياسية”، وأضاف المصدر: “المرسوم لا يُلغى إلاّ بمرسوم فقط ولا يعتبر نافذاً حتى تاريخ نشره في الجريدة الرسمية”.



صدى الشام