حين تصبح سورية (سربرنيتشا) جديدة

13 يوليو، 2017

حافظ قرقوط

أحيت البوسنة والهرسك الذكرى 22 على مجزرة (سربرنيتشا)، بإعادة دفن نحو 71 جثة جديدة، حُدّدت هوياتهم، بعد أن عُثر عليهم في وقت سابق في مقابر جماعية، بحسب (فرانس 24).

ودُفنت الجثث الجديدة، أول أمس (الثلاثاء)، في مقبرة (بوتوكاري) وهي مقبرة تقع شرق البلاد، وقد أعدت لضحايا الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك، لتخليد ذكراهم.

وعدّت الأمم المتحدة -حينئذ- تلك المجازر التي ارتكبها الصرب بحق المسلمين البوسنيين، أبشعَ عملية قتل جماعي في أوروبا، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

قدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فيما بعد، عددَ الضحايا الذين سقطوا في تلك المجزرة، بنحو 8000 شخص، ووصفت عملية القتل تلك بأنها كانت “ممنهجة”، إذ قامت القوات الصربية، في شهر تموز/ يوليو عام 1995، بعزل الرجال والفتيان، عن النساء والأطفال والمسنين، في سياق التخطيط للجريمة وقتلهم، فضلًا عن معسكرات الاعتقال التي جعلت الناس تموت جوعًا وعطشًا.

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت، خلال الحرب البوسنية التي دارت رحاها من عام 1992 إلى عام 1995، أن مدينة (سربرنيتشا) مكان آمن للاجئين الفارين من الحرب، إلا أن القوات الصربية داهمت المدينة واجتاحتها، في 11 تموز/ يوليو عام 1995؛ ففر آلاف الرجال والشبان إلى الغابات، وفرّ جزء آخر منهم نحو تواجد النساء والأطفال، قرب الكتيبة الهولندية التابعة لقوات الأمم المتحدة المكلفة بحفظ السلام في جوار المدينة؛ لكن القوات الصربية لاحقتهم وأكملت مجزرتها -أمام أعين قوات الأمم المتحدة- وتابعت ملاحقة الآخرين في الغابات، واغتصبت عددًا كبيرًا من النساء، دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكنًا.

وبعد إكمال الجريمة، دفنت القوات الصربية الجثثَ في مقابر جماعية كبيرة، لكن المطالبات الدولية بمحاكمة المسؤولين عن المجزرة جعلت تلك القوات تقوم بنبش تلك المقابر الجماعية، وتوزيع الجثث على مقابر صغيرة متفرقة، في محاولة منها لإخفاء معالم الجريمة وتشتيتها.

وكان القائد الصربي الملقب بـ (سفاح البوسنة) رادوفان كراديتش الذي اعتُقل عام 2008، حرض على قتل المسلمين البوسنيين، خلال الحرب، وقد حكمت المحكمة الجنائية الدولية (الخاصة بيوغوسلافيا سابقًا) عليه عام 2016، بالسجن 40 عامًا لقيامه بعمليات إبادة جماعية، وما زال الجنرال راتكو ملاديتش، قائد القوات الصربية التي ارتكبت تلك المجازر، والملقب بـ “جزار البلقان”، يخضع للمحاكمة في لاهاي، بعد أن اعتُقل عام 2011، ومن المفترض أن تُصدر المحكمة الخاصة حكمَها النهائي بحقه، في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.

يشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية (الخاصة بيوغوسلافيا سابقًا) أُنشئت عام 1993، ويتوقع أن تُنهي أعمالها، وتُغلَق مع نهاية العام الجاري 2017.

تحيي البوسنة والهرسك سنويًا ذكرى تلك المجزرة في (سربرنيتشا)، بحضور عائلات الضحايا، بالإضافة إلى عدد كبير من الأهالي، وكذلك شخصيات مختلفة من أنحاء العالم.

وكانت الحرب قد بدأت، بعد الاستفتاء الذي نظمته البوسنة والهرسك عام 1992، وإعلانها الاستقلال، إثر انقسام يوغوسلافيا، وقُدر عدد ضحاياها بنحو 100 ألف قتيل، كما تعرضت نحو 50 ألف امرأة للاغتصاب، فيما نزح نحو 2 مليون شخص.

الأمم المتحدة التي وصفت مجازر البوسنة بأنها الأبشع منذ الحرب العالمية الثانية، هي نفسها تكرر وصفَ ما يجري في سورية، بأنه أسوء كارثة من صنع الإنسان، منذ الحرب العالمية الثانية.

لقد أظهرت الثورة السورية أن المجتمع الدولي، للأسف، لم يتعلم من التجارب المأسوية التي مرت بها الشعوب، ولم يطوّر أدوات الحماية للمدنيين من جرائم الحروب والديكتاتوريات، فالجرائم التي ارتكبها نظام الأسد وداعموه في سورية، بعد أن تتكشف فصول الجريمة كاملة، ستفوق كل ما ارتكبه مجرمو التاريخ الإنساني، بما ارتكبه من فظائع، فيما تستمر الدول صاحبة القرار بمجلس الأمن الدولي بالمراوغة للإبقاء عليه، تمامًا كما فعلت القوات الدولية، أثناء مجازر البوسنة، لتصبح سورية كلها (سربرنيتشا).

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]