خطة ترامب لوقف إطلاق النار في سوريا محكومة بالفشل


قد تظهر هذه الخطة دور روسيا ولكنها لا تكاد تعترف بدور إيران في الحرب

وقف إطلاق النار الجديد في سوريا الذي تم التفاوض عليه بين روسيا والولايات المتحدة والأردن قد دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 9 تموز/يوليو. وكما جرت العادة استغل الرئيس “دونالد ترامب” وسائل التواصل الاجتماعي من أجل مدح الاتفاقية، مصرّحاً في تغريدة على تويتر أنه “الآن هو الوقت للمضي قدماً في العمل البنّاء مع روسيا”.

أعضاء آخرون في إدارته كانوا أقلّ تفاؤلاً؛ ففي جلسةٍ سابقة، في السابع من تموز/يوليو، أكد مسؤولٌ رفيع المستوى في وزارة الخارجية أن الاتفاق سيقتصر على جنوب غرب سوريا، وأن مثل هذه المحاولات قد تبوء بالفشل كما المحاولات السابقة. البنتاغون بحسب “بازفيد”، وهي شركةٌ إعلامية أمريكية، تُرك خارج الخطة، والكثير من التفاصيل الرئيسية لم تعلن بعد، هذا ما ذكره موقع “فورين بوليسي “هذا الأسبوع.

على الرغم من المزايا التي تمنحها هذه الخطة إلا أنها تثير بعض التحفّظات، ويتطلب الأمر من القوات الموالية للحكومة السورية وأولئك الذين ينتمون إلى المعارضة غير الجهادية، والمقاتلين عموماً في الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر وقف الهجمات بشكلٍ تام. ولا يسمح بدخول مقاتلين أجانب إلى سوريا، بمن في ذلك المقاتلون الذين ترسلهم إيران. وستتدفق المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، وسيسمح للاجئين بالعودة إلى ديارهم.

ولكن من أجل تأمين هذه الأمور يعتمد ترامب على بوتين للحدّ من سفك الدماء في سوريا والتوصل لتسويةٍ سياسية. هذه الاتفاقية تتحايل بشكل ما على إيران متجاهلةً الحقائق على أرض الواقع. وهذه استراتيجيةٌ قد تكون مفيدةً على المدى القريب، ولكنها لن تعالج مشكلة سوريا الكبرى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

كيف ستبدو الصفقة الدائمة جنوب غرب سوريا؟ قد توفّر مكاسب إنسانيةً فورية، وقد تساعد على تقليل عدد اللاجئين النازحين إلى الأردن، بل قد تمكن بعض اللاجئين السوريين المسجلين في البلاد، الذين وصل عددهم إلى أكثر من 600.000 لاجئٍ، من المناطق التي تغطّيها الصفقة من العودة إلى ديارهم. كما أن وقف إطلاق نارٍ دائماً قد يساعد على الحدّ من انتشار “تنظيم الدولة”.

فثمة مجموعةٌ صغيرةٌ من قوات “تنظيم الدولة” المقاتلة بالقرب من مرتفعات الجولان، تتنازع بين الحين والآخر مع الجبهة الجنوبية المعتدلة، فإذا توقف القتال بين الجبهة الجنوبية والحكومة السورية، تمكنت الجبهة الجنوبية من التركيز على القضاء على “تنظيم الدولة”، وهي النتيجة التي يسعى إليها الأمريكيون والأردنيون. وفي هذه الحالة تستطيع الحكومة السورية أن تنقل قواتها بعيداً عن جنوب غرب سوريا، وتوجهها ضدّ “تنظيم الدولة”.

ومن المحتمل بالطبع أن تقوم الحكومة السورية بنقل قواتها إلى ضواحي دمشق، حيث تقاتل بحزمٍ من أجل إعادة الاستيلاء على البلدات القليلة المتبقية التي تحتفظ بها المعارضة. والخطة الجديدة لا تشمل تلك الضواحي؛ ممَّا قد يؤدي إلى مزيدٍ من القتال هناك، وتهجير آلاف المدنيين الآخرين وقتلهم.

إن التحدي الأساسي الذي يواجه الاتفاقَ هو أهميةُ التزام اللاعبين واحترامهم لأبسط قواعد الخطة. ففي أماكن مثل حلب

فشل وقف إطلاق النار الذي أعلنت عنه روسيا والولايات المتحدة في شباط/فبراير وأيلول/سبتمبر 2016. وفي أعقاب مثل هذه الإخفاقات تبادلت الحكومة السورية والمعارضة الاتهامات، وكل جانبٍ يتّهم الجانب الآخر بكسر الاتفاق، وكل جانبٍ كان لديه حجةٌ قوية. إن وجود قوة رصدٍ ذات مصداقيةٍ أمرٌ بالغ الأهمية لضمان وقف الأعمال القتالية، ولكن بالرغم من تصريح وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” يوم 6 يوليو/تموز، أن الشرطة العسكرية الروسية سيعملون كمراقبين، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاقٍ حول هذا الأمر بعد (ومن المتوقع أن يتم ذلك خلال أيام).

طبيعة هذه الصفقة لا تتعامل مع أهداف الأطراف المعنية بالصورة الصحيحة. وقال وزير الخارجية الأمريكي “ريكس تيلرسون” إن موسكو وواشنطن لهما الهدف نفسه في سوريا، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الظاهر. فبالنسبة لواشنطن كان الهدف الرئيسي في سوريا، منذ منتصف عام 2014، هو القضاء على “تنظيم الدولة”، وقال فريق ترامب إن الأسد يجب أن يرحل، ولكن هذه ليست الأولوية العاجلة حالياً.

على عكس ذلك تسعى موسكو إلى تعزيز قوة الأسد ضدّ الضغوط المحلية والدولية، ورفض محاسبة نظامه على استخدام الأسلحة الكيميائية، ورفض أي إدانةٍ لجرائم الحرب، مثل الهجمات العشوائية على المدنيين واستهداف المستشفيات وقوافل المساعدات. فبالنسبة للروس جميع الطرق إلى الاستقرار في سوريا تمر عبر الأسد. ولذلك فحتى لو عرفت موسكو أن الحكومة السورية انتهكت وقف إطلاق النار فإنها لن تعاقب دمشق بما فيه الكفاية لتغيير سلوكها؛ فهي لا تريد زعزعة استقرار دمشق، أو إيذاء سمعتها كحليفٍ موثوقٍ به. وعلاوةً على ذلك فإن الإيقاف المؤقت للقتال يقوي الحكومة السورية، التي يمكن أن تحوّل قواتها من جبهةٍ أكثر هدوءً إلى جبهةٍ أكثر نشاطاً، ومع تحسن موقف الحكومة السورية يتراجع نفوذ روسيا.

من الجدير بالذكر أنه دون نوعٍ من الضغوط الجديدة لن تغيّر الحكومة السورية موقفها تجاه وقف إطلاق النار، وفي كثير من الأحيان تقوم بالتصعيد في قريةٍ صغيرةٍ واحدة بهدف تحسين موقفها التكتيكي. قادة سوريا عنيفون ولكنهم صبورون فهم يدركون أن إعادة البلاد إلى سيطرتهم ستستغرق سنوات.

ولكن ربما كان السؤال الأكبر الذي لم تتم الإجابة عنه إلى الآن هو إيران. فإذا ما استمرت هذه الصفقة فإنها ستساعد على معالجة المخاوف الأمنية لإسرائيل والأردن؛ أي بمعنى آخر حليفا الولايات المتحدة الرئيسيان. وكان العاهل الأردني الملك “عبد الله” أحد أوائل القادة العرب الذين حذروا من الهلال الشيعي الناشئ الذي تسيطر عليه إيران، والذي يمتد من إيران مروراً بالعراق وسوريا إلى لبنان.

في آذار/مارس أعلنت مليشيا حركة النجباء المدعومة من إيران أنها ستنتقل إلى محاربة إسرائيل بمجرد هزيمة المعارضة السورية؛ ممَّا يعني أنه في الشهور والسنوات المقبلة، قد تضطر إسرائيل إلى التعامل مع المليشيات العراقية الشيعية المسلحة، بالإضافة إلى العدوّ الإسرائيلي القديم “حزب الله”. لذلك فإن الاتفاق الروسي الأمريكي-الأردني الجديد، إذا ما نجح، سيحول دون إحراز المليشيات المدعومة من إيران التقدم إلى الأمام إلى إسرائيل والأردن.

إن ما اكتسبته إيران من هذه الخطة غير واضحٍ؛ فطهران، مثل الحكومة السورية نفسها، لم تكن طرفاً في هذه المفاوضات، وقد ردّت بحذر. إيران، وليست روسيا، هي مصدر الدعم الأكبر للأسد، وهذا الدعم يحدّ من نفوذ بوتين. كما أن إيران تريد أن يستعيد الأسد كل سوريا، وبالنظر إلى تهديدات الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، فهناك عددٌ أكبر من المقاتلين العراقيين الشيعة المستعدين لدخول المعركة في سوريا.

يبدو أن احترام الصفقة لا يتناسب مع هذا المخطط. ودور إيران الحاسم في سوريا يسلّط الضوء على عدم كفايةٍ في المفاوضات التي أدت إلى الصفقة الجديدة. فمثلاً في فترة الحرب الباردة كان بإمكان أمريكا والاتحاد السوفييتي أن تحددا إلى حدٍّ كبير نتيجة “حروب التحرير” في البلدان النامية، ولكن 2017 الأمر مختلف في سوريا: إما أن الروس كانوا غير صادقين، أو أنهم يفتقرون إلى القوة الكافية لإجبار إيران وسوريا على احترام وقف إطلاق النار.

إذا ما تم الموافقة على الخطة الجديدة فإن إدارة ترامب تريد البناء عليها للتفاوض على اتفاقاتٍ أخرى، مثل إنشاء مناطق حظر الطيران في أجزاءٍ أخرى من سوريا. ولكن دون الحصول على قبولٍ من إيران وعشرات الآلاف من القوات في سوريا الخاضعة لسيطرتها، فإن هذه الخطة لن تنجح. جلب الروس إيران إلى الحوارات بشأن الأزمة السورية التي اتخذت من كازاخستان مقراً لها، في حين اقتصر الأمريكيون على المراقبة لا التفاوض؛ لذلك إلى أن تقبل واشنطن أن المفاوضات الدبلوماسية مع إيران ضرورية لإنهاء الصراع السوري، ستنحّى الأخيرة من الصورة، منفصلةً عن أي دور في بناء سلامٍ دائم، وبذلك تكون أمريكا قد خاطرت بدورها في تشكيل معالم سوريا المستقبلية.

تيلرسون صرّح أن البلاد يجب أن تكون مستقرةً من أجل منع “تنظيم الدولة” من الصعود من جديد. ولكن إذا ما تم فعلاً العمل باتفاقية وقف إطلاق النار وتوسيعها لتشمل مناطق أكبر في سوريا فهذا سيؤدي إلى نشوء سوريا جديدة تهيمن عليها فصائل مختلفة: حكومة الأسد، وأكراد سوريا، والسوريون العرب. وسوريا كهذه، والمحاطة بجيران مضطربين، ستكون غير مستقرة، وغارقة في محادثات السلام التي لا نهاية لها، مثل محادثات السلام التي جرت في جنيف. وسيواصل نظام الأسد، المدعوم من إيران، المحاربة في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.

في سيناريو كهذا فإن الاستياء المنتشر بين مواطني الدول العربية السنية، والذي سهل انتشار تنظيماتٍ إرهابية مثل “تنظيم الدولة” و”القاعدة” في سوريا منذ 2011، سيستمر لتغذية وتقوية المجندين للدورات القادمة. إن وقف إطلاق النار له أبعادٌ إيجابية، ولكن إذا ما تم النظر إلى الأمر من وجهة نظرٍ أخرى فإن وقف إطلاق النار ليس لديه الكثير ليقدّمه من أجل منع مزيدٍ من الانقسامات في الشرق الأوسط.

Share this:


المصدر