روسيا تكرِّس المكاسب المادية سلاحاً فعالاً في الحرب السورية.


موسكو – أفادت مصادر إخبارية روسية بأن الكرملين يقوم باستخدام سلاح جديد في الحرب ضد ميليشيا الدولة الإسلامية في سوريا، ألا وهو تقديم حوافز تسويقية وامتيازات متعلقة بالنفط وحقوق التنقيب كنوعٍ من المكافأة لشركاتٍ أمنية خاصة تتعهد بحماية مناطق معينة من المتطرفين.
وفقاً لهذه المصادر، فقد تأكد حصول شركتين روسيتين على عقودٍ نتيجةَ تطبيق السياسة الجديدة وهما: “ايفرو بوليز”، والتي يفترض أن تحقق أرباحاً من حقول النفط والغاز التي ستستحوذ عليها من تنظيم الدولة الإسلامية عن طريق مقاتلين متعاقدين، و”ستروي ترانز غاز”، التي وقعت عقداً للتنقيب عن الفوسفات في مواقع كانت لا تزال تحت سيطرة الدولة الإسلامية حين توقيع العقد.

يُنظر لهذه الاتفاقيات التي تم عقدها مع الحكومة السورية على أنها بمثابة عوامل محفزة للشركات المرتبطة بالجهات الروسية المختصة بتعهد المسائل الأمنية، والتي تقوم بتشغيل حوالي 2500 جندي في سوريا لمحاربة الدولة الإسلامية المعروفة بداعش، ودفعها خارج المناطق المحيطة بمدينة تدمر في وسط سوريا.
أغلب الظن أن معظم الحروب الدائرة في الشرق الأوسط  تتضمن عقوداً مشابهة، لكنه من النادر أن تكون علنيةً بالشكل الذي يقوم به الروس.

يقول ايفان كونوفالوف، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في موسكو، بأن الموضوع بسيط للغاية، وأوضح هاتفياً بأن هذه الاتفاقيات قد تم إبرامها فعلياً في شهر كانون الأول، ولكنها خرجت مؤخراً إلى العلن، واستكمل قائلاً “إنْ قامت شركةٌ ما بتوفير الحماية لبلدٍ معين، ينبغي لهذا البلد أن يدفع مقابل هذه الخدمات، ولا يهم شكل هذا المقابل وآلية دفعه”.
في اتفاقية آبار النفط، ستتحصل شركة ايفرو بوليز، والتي تأسست في الصيف الماضي، على حصة تبلغ 25% من النفط والغاز الطبيعي المستخرج من أي منطقة تقوم بالاستيلاء عليها من تنظيم الدولة الإسلامية، كما أفاد موقع Fontanka.ru الاخباري.
يمتلك الموقع تاريخاً جيداً في تقديم التقارير الدقيقة المتعلقة بالشركات الأمنية الخاصة الروسية. في الشهر الماضي مثلاً، قامت واشنطن بتأكيد صحة أحد تقارير الموقع السابقة والتي ذكر فيها إقرار بعض العقوبات على الروس الذين تورطوا بنشاطات غير قانونية كشفت على الملأ.
في آخر مقالات الموقع المرتبطة بالموضوع والذي نشر الأسبوع الماضي، ذُكرت تفاصيل عن تعامل شركة “ايفرو بوليز” مع مجموعة أمنية روسية خاصة تعمل من خلف الكواليس، تدعى فاغنر Wagner، والتي ترزخ أيضاً تحت العقوبات الأمريكية لقيامها بإرسال مقاتلين متعاقدين للمشاركة في الحرب الأوكرانية.
طبيعة هذه الصفقات مختلفة عن الممارسات التقليدية للشركات النفطية الكبيرة، أو سياسات الشركات التي تسعى لتوفير الأمن في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. فوفقاً لهذه الصفقات، لن يتم حماية وتأمين الآبار فحسب، إنما وبشكلٍ أدق سيتم الاستيلاء عليها، كما ذكرت المقالة.
تعود تفاصيل الاتفاقية إلى بنودٍ مشابهة تم وضعها أيام فرانسيس دريك و سيسل رودز، كما أوضحت المقالة، مشيرةً إلى الاسمين المعروفين في التاريخ البريطاني اللذين اشتهرت حياتهما المهنية بالمزج بين شؤون الحروب والنزاعات وبين تحقيق المرابح الخاصة.

بحسب موقع فونتانكا وسجلات الشركات العامة في روسيا،  فإن ايفرو بوليز جزءٌ من مجموعة شركات مملوكة من ايفيني بريغوزين، وهو رجل أعمالٍ من سان بطرسبورغ مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعروفٌ باسم “طباخ الكرملين”، لإبرامه عقودَ تزويد طعامٍ حصرية مع الإدارة الروسية. وتقوم شركته المسماة “أغذية كونكورد” بتزويد العديد من المدارس الحكومية في موسكو بالطعام، وفقاً لتقارير إخبارية روسية.
وأفاد صحفيون بأن السيد بريغوزين منخرطٌ أيضاً في مشروع روسيا لاستعادة نفوذها العالمي دون تكبد مصاريف كبيرة، فقام بإنشاء مصنع لما يسمى “السخرية الالكترونية” في سان بطرسبورغ، وهو عبارة عن مكتب يضم عاملين منخفضي الأجور يقومون بنشر تغريدات ومنشورات الكترونية  تحت أسماء مستعارة للتأثير بالرأي العام في دولٍ أجنبية، من ضمنها الولايات المتحدة.

في الشهر الماضي قامت وزارة المالية الأمريكية بفرض عقوبات على ديميتري أوتكين، مؤسس مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة والتي ذكر التقرير أنها ستقوم بالاستيلاء على حقول النفط والغاز السورية لصالح شركة ايفرو بوليز. يُذكر بأن موقع فونتانكا قد نوه سابقاً للارتباط بين السيد أوتكين ومجموعة فاغنر في مقالةٍ تعود لعام 2015.
في الصفقة الأخرى، حازت شركة الطاقة الروسية “ستروي ترانز غاز” على حق التنقيب عن الفوسفات في وسط سوريا بشرط تأمين وحماية المناطق المحيطة بالحقل، كما أفادت وكالة الأنباء الروسية RBC.
قامت ستروي ترانز غاز والتي يملك أغلب أسهمها رجل أعمالٍ روسيٍ آخر يخضع للعقوبات الأمريكية وهو جينادي تيمشينكو، بتوقيع صفقة مع الحكومة السورية لاستكمال التنقيب عن الفوسفات في حقول المنطقة الشرقية، والتي كانت خاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية عند إبرام الصفقة، وأفادت وكالة RBC أيضاً بأن بنود الصفقة تنص على أن مجموعة عسكرية روسية خاصة لم تحددها ستتعهد تأمين وحماية الحقل.
ولكن RBC ذكرت أنه برغم هذا كله، فإن الجنود الروس والإيرانيين والسوريين هم من قاموا بقيادة العمليات العسكرية التي انتهت بطرد مسلحي الدولة الإسلامية من مواقع التنقيب، عوضاً عن قيام الشركات المتعهدة الخاصة بذلك.
وفي استباقٍ للصفقة التجارية، ذكر التقرير أن سفينة روسية محملة بمعدات تنقيب رست في ميناء طرطوس السوري، حيث تمتلك روسيا قاعدة عسكرية بحرية، وهذا كله قبل حتى أن تبدأ العملية العسكرية.
ولم يقم أيٌ من المسؤولين الروس بالتعليق علناً على أي من الصفقتين.

ولم تقم وزارة الطاقة الروسية بالرد على أسئلة تم توجيهها لها متعلقة بصفقة النفط والغاز المذكورة. ولم يجب مالك شركة ايفرو بوليز على بريد الكتروني تم إرساله إلى أحد العناوين المذكورة في سجلات الشركة.
وفي مكالمة هاتفية جماعية مع عددٍ من الصحفيين سُئِلَ المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف عن الصفقات النفطية في سوريا، وأجاب قائلاً “نحن لا نقوم بإدارة النشاطات التجارية الحرة التي تنفذها الشركات الروسية في الخارج”.
وقال الخبير العسكري كونوفالوف إن الحكومة السورية كانت على أتم الاستعداد لإبرام صفقاتٍ مشابهة، مقايضةً الموارد الطبيعية بالأمن.
“سيكونون المستفيد الأكبر من الصفقة، سيكسبون مشاركتنا في توفير الأمان في سوريا، وهو شيءٌ قيمٌ للغاية”، قال كونوفالوف.
وبحسب التقرير الصادر عن موقع فونتانكا، فإن الشركات الروسية الخاصة المتعهدة قد باشرت بتنفيذ بنود الاتفاقية، وشرعت بقتال تنظيم الدولة وطرده من المواقع المجاورة لحقول الغاز الطبيعي قرب تدمر.
يقوم الروس بالتدريب والقتال جنباً إلى جنب مع وحدة من الجيش السوري تدعى “صيادو داعش”، وهي مجموعةُ يتناول الإعلام الرسمي الروسي إنجازاتها بكثرة هذه الأيام. وتحدث تقرير موقع فونتانكا عن فيديو تم تصويره باستخدام كاميرا مربوطة إلى جسد جنديٍ يتحدث الروسية إلى جانب مقاتلي “صيادو داعش” أثناء تبادلٍ لإطلاق النار في الصحراء.
“إنهم أصدقاء، لا تطلقوا النار!” صاح الجندي بالروسية، مخاطباً جنوداً روس بجواره على ما يبدو.

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام