بعد جنيف.. محاباة رأس الإرهاب


نزار السهلي

لم يكتفِ المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، بالإقرار بعدم استعداد النظام السوري لبحث عملية الانتقال السياسي للسلطة، في ختام الجولة السابعة من المفاوضات السورية في جنيف، بل ألمح إلى جولة ثامنة، في مطلع أيلول/ سبتمبر المقبل، لمناقشة سلاله الأربع التي يُقر دي ميستورا برفض النظام التباحث حولها.

ما من شك أن جولات جنيف السورية ومقترحات المبعوث الدولي التي يحملها في كل جولة، تتعرض لهجوم فظ من قبل النظام ومبعوثه بشار الجعفري. على الأرض هناك نسف مستمر لاتفاق “خفض التوتر”، واستمرار لفرض واقع التدمير والتهجير والقتل بذرائع مختلفة، من دون بذل المجتمع الدولي أي جهد لكبح إجرام النظام.

مفاوضات جنيف -وفقًا للأطر المطروحة- لن تقرب السلام المنشود للسوريين سنتيمترا واحدًا، بل إنها أصبحت وسيلة ضغط مستمر على المعارضة السورية، من قبل الأطراف الدولية والإقليمية التي شهدت مواقفها تراجعًا حادًا لجهة دعم الموقف السياسي للمعارضة، في المقابل تتسم بعض التصريحات السياسية للأطراف الدولية بانحدار الموقف وباستدارة إلى الخلف أمام جرائم النظام؛ إذ شكّلت التصريحات الفرنسية والأميركية تناغمًا “مُرضيًا” لسلوك النظام السوري، وإشارة مطمئنة لموقعه في الوقت الحالي بأن ما ينتج عن جنيف لن يتضمن أي صلة برحيله عن السلطة.

تبنّي “الأهمية البالغة” لبقاء رأس النظام، وعدم حسم رحيله من مستقبل سورية، يحمل الكثير من سياسة تشويه سمعة وصورة وحضارة السوريين وثورتهم وتضحياتهم الكبرى؛ لذلك تقود تفاهمات واشنطن وموسكو، بعد قمة ترامب-بوتين، إلى تغيير زاوية الاهتمام بقضية التحرر من الطاغية والتصميم على “تأديب” السوريين، من خلال التركيز على مكافحة “الإرهاب” دون النظر إلى رأسه وذراعه المتضخمين على كامل مساحة سورية.

على الرغم من توجه غالبية المحللين السياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا، خلال الأعوام الستة الماضية، إلى تحميل نظام الأسد مسؤولية الجرائم وحرب الإبادة المنتهجة، وتحميل البعض الآخر إدارة الرئيس الأسبق أوباما مسؤولية التقصير، وتركِ الهامش الأكبر لنظام الأسد وموسكو وطهران للمضي قدمًا بالمجازر والدمار؛ فإن مسيرة المفاوضات والحديث عن عملية سلام في سورية، لا تقطع يد إرهاب النظام أولًا، ولا تأخذ تطلعات السوريين وحقوقهم بالحرية والعدالة والديمقراطية ثانيًا؛ ستبقى كلها مناورات تخدم أجندة مشتركة للنظام وللغرب.

يتصاعد إرهاب نظام الأسد، بين جولة مفاوضات وأخرى، والوقائع كثيرة منذ جنيف واحد؛ وبالتالي تراجعت القدرة العربية والدولية على ممارسة الضغط عليه، إلى الثناء على “محاربة النظام للإرهاب”. إن تحوّل بعض المواقف الضاغطة، والتضييق على المعارضة السورية وعلى السوريين، جعل الأجندةَ الرسمية للنظام السوري مع الإيراني والروسي تحتلّ صدارة واهتمامًا غربيين، بل إن نصيب تضحيات السوريين لا يكاد يُذكر في أجندات بعض الدول التي يُفترض أنها “داعمة” لحقوق السوريين، ولا يتجاوز سطرًا واحدًا في نشراتها الرسمية، فضلًا عن المواقف الانعزالية وسياسة الدسائس العربية بالقضية السورية التي تتماشى مع نظام الأسد، وتقف حائلًا دون تقدم ملموس في ملف المفاوضات.

بعد سبع جولات في جنيف، يستخلص من مواقف النظام والقوى الدولية والإقليمية الداعمة له، أنها مقتنعة تمامًا بضرورة استمرار “وظيفة النظام”، وفرضِ خطته التي ستؤول إلى إجهاض الثورة السورية، بعد دمار وتحطيم كبيرين للجغرافيا والديموغرافيا، وأنّ سير التفاهمات الدولية على الأراضي السورية يخدم كل الأطراف، بعد نجاح استبدال مصطلح “مكافحة الإرهاب” بكل الشعارات، وبعد العمل على محاباة رأس الإرهاب، والتدليس والنفاق له.




المصدر