جنيف السوري بلا قيمة سياسية… والنظام يستغل الوضع ميدانياً


لم تحقق الجولة السابعة من مفاوضات جنيف حول الصراع السوري أي انفراج حقيقي يدفع باتجاه حل سياسي للأزمة، وبدا أسلوب إدارة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا للمفاوضات يخدم النظام السوري، والذي واصل تكرار السيناريو نفسه الذي اعتمده في جولات المفاوضات السابقة. فقد ترافقت هذه الجولة مع عمليات عسكرية للنظام، امتدت من محيط العاصمة دمشق إلى البادية السورية، سعى خلالها لخلق وقائع ميدانية لا يمكن تجاوزها في أي حل سياسي. في المقابل، وعلى الرغم من اعتراف دي ميستورا بأن النظام لم يعطِ أي مؤشر على استعداده لمناقشة الانتقال السياسي، لكن بدا واضحاً أن الضغوط كانت منصبّة على المعارضة، وإظهارها على أنها منقسمة والحديث عن ضرورة توحيد وفد المعارضة عبر دمج منصتي موسكو والقاهرة فيه.

ولم يستطع دي ميستورا إخفاء فشله في تحقيق انفراج حقيقي في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، ولكنه حاول التلطي وراء مفردات توحي بأنه يسير في اتجاه يمكن أن يصل إلى نهاية نفق طويل وضع النظام سورية فيه منذ سنوات عدة. وقال دي ميستورا، خلال مؤتمر صحافي، ليل الجمعة-السبت، بعد إفادة لمجلس الأمن الدولي، إن “جولة جنيف الأخيرة حققت تقدّماً مرحلياً من دون اختراقات مفصلية”، مشيراً إلى أن المجتمعين في الجولة السابعة التي انتهت الجمعة “تطرقوا إلى القضايا الدستورية”، معتبراً أن الجولة “شهدت ثقة متبادلة”، مضيفاً أن ذلك “إنجاز لم يكن متوقعاً”.

واعترف دي ميستورا أن مفاوضي النظام “لم يعطوا أي مؤشر على أنهم مستعدون لمناقشة الانتقال السياسي”، والذي تعتبره المعارضة السورية جوهر العملية السياسية المستندة إلى قرارات دولية أبرزها بيان جنيف 1، والقراران 2218 و2254، والتي يحاول النظام وحلفاؤه القفز فوقها، والتركيز فقط على موضوع الإرهاب. وأضاف “أعتقد أن الخطوات التالية تتمثل برغبة المجتمع الدولي في تسريع إنهاء هذا النزاع، وهو ما يساهم بدفع الحكومة (النظام) للانخراط بالعملية، وطلبت منهم أن يكونوا مستعدين في الجولة المقبلة لمناقشة السلال الأربع (الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، مكافحة الإرهاب)، وتحديداً منها الانتقال السياسي”. وأوضح أن رئيس وفد النظام بشار الجعفري “أعلمه أنه مستعد للتعامل ومناقشة السلال الأربع في الجولة المقبلة”.

وانساق الموفد الأممي وراء المساعي الروسية والإيرانية الرامية إلى “تمييع” مفاوضات جنيف، وغيّب الجانب السياسي من المفاوضات، مقدّماً جوانب تقنية وفنية ليست من صلب العملية التفاوضية، فحوّل المفاوضات إلى “ورشات عمل”، وفق مصدر في وفد المعارضة المفاوض.
ولم تعد المعارضة السورية تخفي امتعاضها من الأسلوب الذي يدير فيه دي ميستورا المفاوضات. وقال دبلوماسي سوري معارض إن الموفد الأممي “توغّل أكثر في الاستهتار بالوفد التفاوضي المعارض”. وأشار إلى أن دي ميستورا “لم يقدّم حتى جدول أعمال لهذه الجولة”، مضيفاً: “حوّل التفاوض إلى اجتماعات للتقنيين لتحويل الاهتمام من تفاوض سياسي مع ممثلين عن المعارضة إلى تفاوض تقني مع أشخاص من خارجها ليتفاوضوا على سلال اخترعها”.
وحاول الموفد الأممي إظهار المعارضة أمام المجتمع الدولي على أنها منقسمة، من خلال اشتراطه توحيد وفد المعارضة عبر دمج منصتي موسكو، والقاهرة فيه، على الرغم من إدراكه أن المنصّتين بلا تأثير كبير.

من جهتها، أعلنت الهيئة العليا للمفاوضات في بيان أصدرته الجمعة، أن المفاوضات “لا تتقدّم كما نريد ونرغب، وتستمر دون ثمرة تذكر”. وقالت الهيئة إن النظام وحلفاءه وداعميه يعرقلون استمرار المفاوضات، ونجاحها، لأنهم لا يريدون الحل السياسي، مبدية الأسف لأن “المجتمع الدولي والأمم المتحدة لا يقومان بالضغط اللازم على النظام للانخراط بجدية في العملية السياسية، وهذا جزء من الخذلان الذي تعرض له شعبنا ووطننا ولا يزال”، وفق البيان.

وأكدت الهيئة “أن الثورة بجناحيها السياسي والعسكري ستبقى على خط المواجهة من أجل تحرير الوطن من الاحتلال وتحرير الشعب من رقبة نظام التسلط والقمع والإجرام لبناء دولة المواطنة والحرية والعدالة والمساواة وسيادة القانون”. وأشارت إلى أن المرجعية السياسية لها في التفاوض “هي بيان الرياض، والإطار التنفيذي للحل السياسي وفق بيان جنيف لعام 2012 والقرارات الدولية ذات العلاقة، وتحت رعاية الأمم المتحدة”، موضحة أن اللقاءات التقنية “تستمر بالتوازي مع المفاوضات السياسية، من خلال اجتماعات فنية تشاورية وغير رسمية يقوم بها مختصون من الأمم المتحدة مع نظرائهم من وفدنا وبحضور عضو من منصة موسكو، وآخر من منصة القاهرة، في محاولة للوصول إلى توافقات مشتركة حول قضايا مثل الانتقال السياسي والدستور والانتخابات”. وأكدت أن “نتائج هذه اللقاءات تتوقف على التوافق على القضايا الأخرى موضوع التفاوض، وعلى الموافقة عليها من قبل الهيئة العليا للمفاوضات كمرجعية للوفد التفاوضي”، موضحة أن “الحوار مع زملائنا السوريين في منصتي القاهرة وموسكو سيجري بعيداً عن الأمم المتحدة وخارج جولات التفاوض الرسمية بهدف استكشاف إمكانية العمل المشترك في وفد موحد مستقبلاً”.
كذلك أكدت إصرارها “على رحيل بشار الأسد وزمرته”، ورفضها أن يكون له أي دور في المرحلة الانتقالية وفي مستقبل البلاد، مرحبة “بأي مساعٍ لتخفيض التصعيد ووقف إطلاق النار”، داعية إلى شمولها كل أنحاء البلاد، وأن تكون “متوافقة ومتزامنة مع العملية السياسية وتخدم أهدافها وتساعد على أن تكون المفاوضات جادة ومثمرة”.

وتدرك المعارضة السورية أنها باتت في وضع سياسي وعسكري أوهن من ذي قبل، خصوصاً أن تفاهمات روسية أميركية تتبلور تتجه نحو تأجيل الحسم السياسي في سورية حتى القضاء على تنظيم “داعش” في شرقي سورية. وجاء الموقف الفرنسي الجديد بأن إبعاد الأسد لم يعد أولوية، دليلاً آخر على أن الحل السياسي في سورية “بات بعيد المنال”، وفق مصدر في الائتلاف الوطني السوري، أعرب عن اعتقاده في حديث مع “العربي الجديد” بأن المفاوضات في جنيف لم يعد لها أي قيمة سياسية، مضيفاً: “لن تكون الجولة الثامنة في سبتمبر/ أيلول المقبل أفضل من سابقتها”.

ونجحت موسكو إلى حد بعيد في تحويل الاهتمام السياسي من مسار جنيف إلى مسار أستانة في محاولة لتثبيت رؤيتها للحل في سورية القائم على حماية رأس النظام بشار الأسد كونه الضامن لمصالحها في سورية، خصوصاً أنها تخطط لوجود طويل الأمد في الساحل السوري. كما أسهم التفاهم الروسي الأميركي حول جنوب سورية في إفراغ مسار جنيف من أهميته السياسية، إذ بدأت تتبلور تفاهمات تكتيكية بين موسكو وواشنطن في مؤشر على عدم وجود إرادة لديهما في دفع طرفي الصراع في سورية إلى التوصل لحل قريب.

وسعى النظام للاستفادة ميدانياً من هذه المعطيات، فواصل التقدّم في البادية السورية محاولاً السيطرة عليها بشكل كامل. كما يواصل محاولات إخضاع حي جوبر الدمشقي، من خلال عزله عن الغوطة الشرقية في خطوة تسبق محاولات للسيطرة على الغوطة الشرقية، أبرز معاقل المعارضة شرقي العاصمة دمشق.



صدى الشام