ذي أتلانتيك: اتفاقية ترامب لوقف إطلاق النار في سورية محكومة بالفشل


مروان زكريا

قد تجلب الاتفاقية روسيا إلى طاولة التعاون، إلا أنها بالكاد تعترف بدور إيران في الحرب.

رجل يمشي بين الأنقاض، في محافظة درعا السورية، في 11 تموز/ يوليو 2017.

يبدو أن المحادثات حول الخطة الجديدة لوقف إطلاق النار التي تم التفاوض عليها بين الولايات المتحدة وروسيا والأردن، استمرت حتى يوم الأحد. وكالعادة لجأ الرئيس دونالد ترامب إلى وسائل التواصل الاجتماعية للثناء على الصفقة، حيث غرد في حسابه على (تويتر): “لقد آن الأوان للمضي قدمًا في العمل بشكل بنّاء مع روسيا”.

إلا أن أعضاء آخرين في إدارته كانوا أقل تفاؤلًا، إذ أشار مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأميركية، في 7 تموز/ يوليو إبان لقاء صحفي، إلى أن الاتفاق سيقتصر على جنوب غرب سورية، وأنه قد ينهار كما المحاولات السابقة. وكشفت صحيفة (فورين بوليسي)، هذا الأسبوع في تقرير لها، نقلًا عن موقع (BuzzFeed) أن البنتاغون لم يشارك في الخطة التي لم يخرج كثير من تفاصيلها الرئيسة إلى العلن.

بالفعل، هناك بعض المزايا في الخطة الجديدة، لكنها قاصرة من نواح عديدة، إذ يتطلب الاتفاق من القوات الموالية للحكومة السورية وأولئك الذين ينتمون إلى المعارضة المعتدلة، المقاتلين عمومًا في الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر، وقفَ الهجمات، وعدم السماح بوجود المقاتلين الأجانب، بما في ذلك القوات التي تديرها إيران في المناطق القريبة من الحدود السورية، وإرسال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة والسماح للاجئين بالعودة إلى ديارهم. لكن ترامب راهن كثيرًا على بوتين، لضمان تحقيق هذه الأمور، بالاعتماد عليه في إنهاء سفك الدماء الذي يحصل في جميع أنحاء سورية، والتوسط لتسوية سياسية لا يمكنها الاستمرار من تلقاء نفسها. وقد تجنب الاتفاق إيران كذلك، متجاهلًا الحقائق على الأرض ومعارضة طهران لهذه الصفقة على الرغم من محدوديتها. ولتلك الاستراتيجية فوائد على المدى القصير، لكنها لن تعالج النزيف السوري الكبير الذي يهدد الاستقرار في الشرق الأوسط.

ما الذي قد يبدو عليه اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية؟

عليه أن يوفر مكاسب إنسانية فورية، ويساعد على منع تشريد وتدفق المزيد من اللاجئين إلى الأردن؛ بل إنه قد يمكّن بعض اللاجئين السوريين المسجلين، والبالغ عددهم 600 ألف في الأردن، من العودة إلى ديارهم في المناطق التي تغطيها الصفقة. كما أن وقف إطلاق النار الدائم قد يؤثر أيضًا على (داعش)، فهناك مجموعة صغيرة من مقاتلي (داعش) بالقرب من مرتفعات الجولان، تتنازع أحيانًا مع الجبهة الجنوبية للمعارضة المعتدلة، فإذا توقف القتال بين الجبهة الجنوبية والحكومة السورية، يمكن للجبهة الجنوبية أن تركز على قوات (داعش) هناك، وهي النتيجة التي يسعى إليها الأميركيون والأردنيون.

في تلك الحالة، يمكن للحكومة السورية أن تسحب قواتها بعيدًا عن جنوب غرب سورية وأن توجهها ضد (داعش). ومن المحتمل، إلى حد كبير، أن تقوم الحكومة السورية بنقل قواتها إلى ضواحي دمشق، حيث يحتدم الصراع هناك مع قوات المعارضة المسلحة لاستعادة بقية الأحياء والبلدات الخاضعة لسيطرتها. لا تشمل الخطة الجديدة تلك الضواحي، وقد يؤدي المزيد من القتال هناك إلى تهجير آلاف المدنيين الآخرين وقتلهم.

يكمن التحدي الأساسي الذي يواجه الاتفاق في إجبار الأطراف المشاركة فيه على احترام أبسط بنوده، ففي أماكن مثل حلب، أعلنت الولايات المتحدة وروسيا عن وقف إطلاق النار في شباط/ فبراير، وأيلول/ سبتمبر 2016، وأخفق كلاهما. وأعقب تلك الإخفاقات تبادلُ التهم بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة، بأن الجانب الآخر هو من قام بالخروقات، وكان لدى كل من الطرفين حجج قوية لصالحه. إن وجود قوة مراقبة ذات صدقية أمرٌ بالغ الأهمية، لضمان وقف الأعمال القتالية. فى تلك الأثناء، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 6 تموز/ يوليو، إن الشرطة العسكرية الروسية ستعمل كمراقبين، إلا أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حول هذا الأمر بعد (ومن المتوقع أن يتم ذلك خلال أيام).

لا تحقق هذه الصفقة بطبيعتها أهداف الأطراف المعنية. قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إن موسكو وواشنطن لهما الهدف نفسه في سورية، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الواقع، فبالنسبة لواشنطن، كان الهدف الرئيس في سورية، منذ منتصف عام 2014، تدمير (داعش). وقال فريق ترامب إن الأسد يجب أن يذهب، ولكن هذا ليس أولوية في الوقت الراهن. وعلى النقيض من ذلك، سعت موسكو إلى تعزيز الأسد ضد الضغوط المحلية والدولية، ورفض محاسبة نظامه على استخدام الأسلحة الكيماوية، ورفض أي إدانة لجرائم الحرب، مثل الهجمات العشوائية على المدنيين واستهداف المستشفيات وقوافل المساعدات. يرى التحليل الروسي لمجريات الأحداث أن جميع الطرق المؤدية إلى الاستقرار في سورية تمر عبر الأسد.

وهكذا، حتى لو عرفت موسكو أن الحكومة السورية قد انتهكت وقف إطلاق النار، فإنها لن تعاقب دمشق بما يكفي لتغيير سلوكها، فهي لا تريد زعزعة استقرار دمشق أو إيذاء سمعتها كحليف موثوق به، إضافة إلى أن الإيقاف المؤقت للقتال يقوي الحكومة السورية، ويمكنها من توجيه قواتها من جبهة هادئة إلى جبهة أكثر نشاطًا، ومع تحسن موقف الحكومة السورية يتراجع نفوذ روسيا.

لن تغير الحكومة السورية سلوكها تجاه عملية وقف إطلاق النار القائمة على الاختبار، وجس النبض، والدفع في كثير من الأحيان ضد قرية واحدة من أجل تحسين موقفها التكتيكي، دون ممارسة ضغوطات جديدة عليها. وإذ يتصف قادة سورية بالوحشية إلا أنهم صبورون، فهم يدركون أن الأمر سيستغرق سنوات لإعادة البلاد إلى سيطرتهم.

لكن ربما كان السؤال الأكبر الذي لم يتم الرد عليه هو إيران. إذا استمرت هذه الصفقة، فإنها ستساعد على معالجة القضايا الأمنية لـ “إسرائيل” والأردن (حليفا الولايات المتحدة الرئيسين) المتعلقة بإيران. كان العاهل الأردني الملك عبد الله أحد أول القادة العرب الذين حذروا من الهلال الشيعي الناشئ الذي تسيطر عليه إيران، ويمتد من إيران مرورًا بالعراق وسورية وصولًا إلى لبنان. في آذار/ مارس، أعلنت ميليشيا حركة (النجباء) المدعومة من إيران أنها ستتحول إلى محاربة (إسرائيل) بمجرد هزيمة المعارضة السورية. في الشهور والسنوات المقبلة، قد تضطر (إسرائيل) إلى الدخول في صراع مع الميليشيات العراقية-الشيعية الكبيرة، فضلًا عن العدو القديم لـ (إسرائيل) “حزب الله”. من شأن الاتفاق الروسي-الأمريكي-الأردني الجديد، إذا ما استمر، أن يحول دون اقتراب الميليشيات المدعومة من إيران تجاه (إسرائيل) والأردن.

ولكن مكاسب إيران من هذه الخطة ليست واضحة؛ فطهران، كالحكومة السورية، لم تكن طرفًا في هذه المفاوضات، وقد ردت بحذر بأن إيران، وليس روسيا، هي مصدر الدعم الأكبر للأسد، وأن الدعم يحد من نفوذ بوتين. كما تريد إيران أن يستعيد الأسد سورية كلها. بالنظر إلى تهديدات الميليشيات العراقية المدعومة من إيران، هناك عدد أكبر من المقاتلين العراقيين الشيعة المستعدين لدخول المعركة في سورية، ويبدو أن احترام الصفقة لا يتناسب مع مخططات هؤلاء. ويسلط دور إيران الحاسم في سورية الضوءَ على القصور في المفاوضات التي أدت إلى الصفقة الجديدة. في فترة الحرب الباردة، تمكنت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، بدعم من قواتهما العسكرية، من تحديد مسار “حروب التحرير” في البلدان النامية إلى حد كبير، لكن ذلك لم ينجح في سورية عام 2017. فإما أن الروس لم يكونوا صادقين، أو أنهم يفتقرون إلى النفوذ الكافي للضغط على إيران وسورية، لإرغامهم على احترام وقف إطلاق النار. إذا ما استمرت الخطة الجديدة؛ فإن إدارة ترامب ترغب في الإنطلاق منها كقاعدة للتفاوض من أجل اتفاقات أخرى، بما فيها تلك التي تدعم إنشاء مناطق حظر للطيران في أجزاء أخرى من سورية.

ولكن لن تثمر هذه الخطة على المدى البعيد، دون الحصول على موافقة إيران وعشرات الآلاف من القوات الخاضعة لسيطرتها في سورية. وقد أدخل الروس إيرانَ في محادثاتهم التي تتخذ من كازاخستان مقرًا لها لهذا السبب، في حين اكتفى الأميركيون بالمراقبة وامتنعوا عن التفاوض. إن لم تقبل واشنطن بأن الدبلوماسية مع إيران ضرورية لإنهاء الصراع السوري، فستترك خارجًا، منفصلة عن أي دور في بناء سلام دائم.

كما تخاطر أميركا بخسارة دورها في تشكيل معالم سورية المستقبلية. وقد قال تيلرسون إن البلاد يجب أن تكون مستقرة من أجل منع (داعش) من النهوض من جديد. لكن إذا سرت اتفاقية وقف إطلاق النار بالفعل، فسينتج عنها سورية تسيطر فيها فصائل مختلفة: حكومة الأسد، الأكراد السوريون، والعرب السوريون، مما سيؤدي إلى تقسيم سورية فعليًا (والتقسيم كلمة مكروهة في الشرق الأوسط). فهذه سورية، المحاطة بجيران مزعجين، ستكون غير مستقرة، وستغرق في محادثات السلام التي لا نهاية لها، مثل محادثات السلام التي تجري في جنيف، وسيواصل نظام الأسد، المدعوم من إيران، الإمساكَ بالأراضي التي تسيطر عليها المعارضة واحدة تلو الأخرى.

في مثل هذا السيناريو، سيبقى الاستياء بين المجتمعات السنية العربية التي سهلت انتشار (داعش) وتنظيم القاعدة في سورية منذ عام 2011، مستمرًا في تغذية المقاتلين في المرات المقبلة. ولوقف إطلاق النار أبعاد إيجابية، إلا أنه تجاه القضايا الكبرى -التي تحول دون المزيد من تفكك الشرق الأوسط- ليس لديه الكثير ليقدمه.

اسم المقالة الأصلي Trump’s Syria Ceasefire Is Doomed الكاتب Robert Ford روبرت فورد مكان النشر وتاريخه The Atlantic, 13/07/2017 رابط المقال https://www.theatlantic.com/international/archive/2017/07/syria-russia-ceasefire-iran-trump-putin/533388/ ترجمة مروان زكريا


المصدر