وهم “الانتصار”


بهنان يامين

وقف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي -بصفاقة- في مدينة الموصل “المحررة” من (داعش)، مُدّعيًا أنه انتصر، ناسبًا هذا الانتصار إلى القوات المسلحة العراقية، ناسيًا أو متناسيًا أن القوة الضاربة للتحالف الدولي هي التي طردت (داعش) من الموصل، وأكمل تدميرها (الحشد الشعبي) المذهبي الطائفي.

مشكلة بعض “القادة” العرب -سواء المعيّنين من قبل الدوائر الاستعمارية أو الواصلين إلى الحكم عن طريق الدبابة- أنهم يتوهمون أنهم منتصرون بينما هم في الحقيقة مهزومون، ومثل هذا “الانتصار” رأيناه في أثناء حرب حزيران/ يونيو 1967، حيث استيقظت الأمة العربية على كابوس الهزيمة التي أدت إلى ضياع باقي فلسطين، بما فيها عروسها مدينة القدس، وأسقطت سيناء وقناة السويس، وأضاعت هضبة الجولان دون أي قتال.

في عام 1973 أعلن كلٌّ من أنور السادات وحافظ الأسد، عن “انتصاراتهما” في حرب تشرين/ أكتوبر، فيما هم في واقع الأمر مهزومون، فقد حوصرت القوات المصرية في “الدفرسوار”، ووصل أرئيل شارون إلى سعسع في سورية، ولو أراد الدخول إلى دمشق لفعلَ دون مقاومة من أهل النظام، واكتفت “إسرائيل” بذلك وقبضت ثمنًا غاليًا مقابل عدم فعلها، وهو صمت الجبهة السورية منذ أكثر من أربعين عامًا، ولقد خرج علينا يومها الطاغية حافظ الأسد، بمسرحية تحرير القنيطرة التي سلّمها حافظ الأسد للإسرائيليين عام 1967؛ ليستلمها منهم عام 1974 مدينة أشباح، وبحسب اتفاقية فصل القوات، هي مدينة يمنع إعادة بنائها ومنزوعة السلاح.

في عام 1991 أعلن صدام حسين “النصر” على إيران، وهو يعرف جيدًا أنه لولا مساعدة الولايات المتحدة لما استطاع أن يوقف الزحف الإيراني الذي كان قد وصل إلى مواقع متقدمة من العراق، ليكلل “نصره” الموهوم بغزو الكويت؛ الأمر الذي قاد إلى حرب الخليج الثانية، وأسقط العراقَ من الداخل قبل الخارج، وصولًا إلى نهايته عام 2003، ليأتي “المنتصرون” الجدد على ظهر الدبابة الأميركية من الجلبي إلى المالكي، الذي انهزم في الموصل، حيث سلّمها إلى “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” التنظيم ذاته الذي يُعلن اليوم العبادي “الانتصارَ” عليه، وقد استغرق إخراجه من الأنبار أكثر من سنة، ومن الموصل أكثر من سنتين.

منذ أن أسقط المالكي الموصل، بدّلته الإدارة الأميركية والإيرانية بحيدر العبادي الذي لم يكن أفضل منه، فنشّط الحشد الشعبي الذي مارس التمييز المذهبي في كلٍّ من العراق وسورية، وكان أهم ما قام به هذا الحشد طرد المواطنين العراقيين والسوريين من بيوتهم بحجة “محاربة الإرهاب” الواهية.

المنتصر هو مَن يعيد الناس إلى بيوتهم، لا من يُخرجهم منها، فالذين شرّدتهم (داعش) في العراق وسورية، في الأنبار والموصل ودير الزور والرقة وتدمر، أكملت القوى المذهبية المرتهنة لإيران تشريدهم، وهذا التشريد هو مسؤولية الأنظمة الديكتاتورية المذهبية والطائفية، قبل أن يكون مسؤولية (داعش)؛ لأنها ساهمت في تقوية نفوذ هذا التنظيم من خلال تسليمه الأراضي العراقية والسورية دون أي مقاومة تُذكر، ليبقى جزء كبير من شعب العراق وسورية تحت رحمة القوى الظلامية، سواء (الداعشية) منها أو (الحشدية)، فمن لم يستطع الهروب من سلطة الدولة الداعشية، هرب خوفًا من سلطة الحشد الشعبي، إذ لا فرق بين الطرفَين، وكلاهما جاء ليخدم من أوجدهما.

يكون النصر بإعادة بناء العراق وسورية، وعودة كل المهجّرين واللاجئين إلى بيوتهم، ولا يكون بإعلان نصر وهمي، بينما كلا الشعبين مشرّد في المهاجر، وفي الخيام، وفي العراء، لصالح التغيير الديموغرافي في كلا البلدين، لصالح المتمذهبين من القوى الشيعية، ومنها اتفاقية البلدات الأربعة التي اقتلعت أهل الزبداني ومضايا، وكفريا والفوعة، من جذورهم، لصالح القوى الإيرانية المتمثلة في الحزب الإلهي الذي ما زال يهدد الشعب السوري، وما يُقال عن البلدات الأربعة يُقال عن حلب وحمص والريف الدمشقي وغيرها من المناطق التي سقطت بفضل همجية “المنتصرين” من المقاتلين المذهبيين الذين جاءوا للانتقام لجريمة عفا عليها الزمن ولا ذنب لشعوب المنطقة بها.

كم هم مثيرون للشفقة هؤلاء “القادة” وهم يُعلنون “الانتصارات” الكاذبة والموهومة، بينما هم في الحقيقة لم ينتصروا إلا على شعوبهم.




المصدر