لقاء ترامب-بوتين كما يراه الأميركيون


روشان بوظو

ما إن تمّ الإعلان عن ترتيب لقاء بين الرئيسين ترامب وبوتين، على هامش قمّة العشرين؛ حتى انطلقت التساؤلات والتوقّعات عمّا سيدور في هذا اللقاء، وعن النتائج الّتي سيتمخّض عنها. في العاصمة واشنطن، حيث يتحكّم الليبراليّون في أغلب وسائل الإعلام.

لفت الإعلام نظر الجمهور الأميركي إلى أنّ الخبرة السياسيّة لدى بوتين تتجاوز العشرين عامًا، كان في آخر 18 عامًا منها الحاكم الأوحد لروسيا، وخبرة لافروف الديبلوماسية تتجاوز23 عامًا، منها 13 عامًا كان فيها وزيرًا للخارجيّة. بالمقابل، تبلغ الخبرة السياسيّة والديبلوماسيّة لترامب وتيليرسون نحو خمسة أشهر فقط.

في يوم الجمعة 7 تمّوز/ يوليو، بدأ هذا الاجتماع في الغرفة رقم 14 في مقر عقد القمّة، وكانت المدّة المخصّصة لهذا اللقاء، بحسب الجدول المزدحم للرئيسين، هي 35 دقيقة، واستعدّ عشرات الصحافيين ووكالات الأنباء العالميّة لانتظار انتهاء الاجتماع، لنقلِ ما سيقوله الرئيسان وانطباعاتهم الشخصيّة عن نتائج هذا اللقاء.

مضى وقت طويل تجاوز كلّ التوقّعات، ولم يخرج أحدٌ من الغرفة، ووصل الـتأخير إلى درجة أن الوفد الأميركي أرسلَ “ميلانيا” زوجة الرئيس ترامب، لاستدعائه دون جدوى، واستمرّ الاجتماع ساعة كاملة بعد ذلك، لتبلغ مدّته 136 دقيقة تمامًا؛ ما تسبّب بخلل كبير في جدول أعمال الرئيسين وبرنامج القمّة.

أظهرت صور الاجتماع أنّه اقتصر على الرئيسين ووزيري الخارجيّة ومترجم واحد من كل طرف فقط، وقارنها الإعلام الأميركي بصور لقاء الرئيس ترامب مع الوفد الصيني، وتبدو فيها طاولة الاجتماعات مزدحمة بالمسؤولين السياسيّين والاقتصاديّين من الطرفين؛ وقد أرجعت بعض وسائل الإعلام اقتصارَ اللقاء الروسي الأميركي على أربعة أشخاص فقط إلى حوادث تسريب المعلومات الّتي تكرّرت كثيرًا، خلال أغلب اجتماعات ولقاءات الرئيس ترامب منذ دخوله إلى البيت الأبيض، كما أنّ ذهاب السيّدة ميلانيا ترامب إلى مكان الاجتماع لتذكيره بتأخّره عن جدول أعماله، بدلًا من إرسال أي عضو رسمي في الوفد، يدلّ على تعليمات من الرئيس ترامب بأن يكون لقاؤه مع بوتين ضمن هذا الإطار الضيّق، إضافة إلى أنّ مشاركة وزيرَي الخارجيّة فقط مع الرئيسين يدلّ على أنّ الموضوعات الّتي بُحِثت كانت سياسيّة بدرجةٍ أولى، ولا علاقة لها بالنواحي الاقتصاديّة الّتي تُعدُّ أهم أهداف قمّة العشرين.

تضمّن جدول الأعمال المعلن لهذا اللقاء أربع قضايا، هي التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركيّة وسورية وأوكرانيا وكوريا الشماليّة. أما موضوع الانتخابات الأميركيّة، وما يمكن استنتاجه ممّا قاله تيليرسون ولافروف، فيبدو أنّ الرئيس ترامب قد سأل الرئيس بوتين عن هذه النقطة، فنفى بوتين وجود أيّ تدخّل روسي في الانتخابات الأميركيّة، وطالب بتقديم الدليل، فأجابه الرئيس ترامب إنّه سيطلب من مجمّع الاستخبارات في الولايات المتّحدة تقديم هذه الأدلّة، وأنّه من الأفضل المضي قدمًا في مناقشة القضايا الأخرى، أي لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد أنّ هذا الموضوع قد أخذ كثيرًا من مدّة اللقاء، وحول الموضوع الأوكراني ليس لدى الروس حاليًّا ما يقدّمونه، وتسويته في حاجة إلى ترتيبات معقّدة تشترك فيها أوروبا، وخلال هذا اللقاء أشار الرئيس ترامب إلى أنّه عيّن مبعوثًا خاصًا للمساعدة في حلحلة الأزمة الأوكرانيّة؛ ومن ثمّ فهذه النقطة أيضًا لم تأخذ وقتًا طويلًا.

أمّا صواريخ كوريا الشماليّة، فالدور الروسي فيها أقل أهميّة من الدور الصيني وجرى الاتفاق في هذا اللقاء، على التنسيق بين وزارتي الخارجيّة في روسيا والولايات المتّحدة، حول كيفيّة متابعة هذه القضيّة من خلال مجلس الأمن والمجالات الدوليّة الأخرى. هذا كله يعني أنّ الموضوع السوري قد أخذ حصّة كبيرة من وقت هذا الاجتماع، والنتيجة الوحيدة التي أُعلن عنها بعده كانت اتّفاق وقف إطلاق النار في جنوبي غربي سورية، وبالطبع هناك قضيّة العقوبات الأميركية على روسيا، ويُتوقّع أنّها تقاسمت مع موضوع سورية أغلب مدّة اللقاء.

في نهاية الاجتماع، خرج الوزير لافروف وأدلى بتصريح مقتضب، أعلن فيه عن الاتّفاق الروسي الأميركي الأردني على وقف إطلاق النار في جنوبي غربي سورية، ابتداءً من يوم الأحد 9 تموز/ يوليو 2017، ورأى أنّ هذا يمهّد للانطلاق بالعمليّة السياسيّة.

بعد بعض الوقت، في تسجيل صوتي غير مصوّر، أدلى وزير الخارجيّة الأميركي بتصريح عن مجريات اللقاء، وبما أنّه حديث العهد بالعمل الديبلوماسي -كما قال الإعلام الأميركي- فقد كان كلامه مباشرًا وواضحًا لا يقبل التأويل: “لقد صرّحنا بوضوح خلال مباحثاتنا مع روسيا بأنّ المجتمع الدولي لن يقبل بسورية يقودها نظام الأسد، ونحن لا نرى دورًا على المدى البعيد للأسد ونظامه، وسيحدث انتقال في مرحلة ما من العمليّة السياسيّة لا يشمل الأسد ولا أسرته، وإذا كانت سورية تسعى للحصول على مستقبل واقتصاد آمن؛ فعليها البحث عن قيادة جديدة، لأنّنا لا نتصور أن يكون هناك إعادة إعمار أو تدفّق مساعدات إنسانيّة، مع بقاء الأسد”.

رحّب كثيرٌ من خبراء الشرق الأوسط، أميركيون ومسؤولون أوروبيون، بما تمخّضت عنه قمّة الرئيسين ترامب وبوتين، حول اتّفاق وقف إطلاق النار جنوبي غربي سورية، وعدّ بعضهم الاتفاقَ انتصارًا لترامب في لقائه الأوّل مع بوتين، على الرغم من تشكّكهم بالالتزام الروسي في التنفيذ، اعتمادًا على فشل اتّفاقات سابقة خلال السنوات الماضية، لكنّهم رأوا أنّ الظروف الحاليّة مختلفة تمامًا، نتيجة حرص الرئيسين على بناء علاقة جيّدة بينهما تخدمهما معًا، وسورية هي الموضوع الوحيد حاليًا الّذي يمكن استخدامه للترويج لأهميّة التنسيق الأميركي الروسي لحل المشكلات الدوليّة، وإذا ما تحقّق تقدّم حقيقي فيه يمكن بعده المطالبة بإعادة النظر في العقوبات على روسيا. وما قاله الرئيس بوتين، في مؤتمره الصحفي في اليوم التالي 8 تموز/ يوليو2017، بشأن أنّ الولايات المتّحدة لم تغيّر موقفها حول سورية، ولكنّها أصبحت أكثر براغماتيّة، ليس سوى مؤشّر إلى السعي بين البلدين لإيجاد أرضيّة مشتركة للعمل.

في 9 تموز/ يوليو 2017، غرّد الرئيس ترامب على (تويتر) قائلًا إنّه ناقش مع الرئيس بوتين تشكيل وحدة مشتركة للأمن الإلكتروني أميركيّة-روسيّة، لضبط قرصنة المعلومات. وتراجع عن هذه الفكرة بعد ساعة واحدة، قائلًا: “إنّ مناقشة الفكرة لا تعني أنّني أعتقد أنّها قد تحدث، فهذا لن يحدث”؛ وفورًا لاقت الفكرة انتقادات حادّة من الجمهوريّين، إذ قال السيناتور البارز ليندسي غراهام تعقيبًا على هذه الفكرة: “ليست أغبى فكرة سمعتها في حياتي، لكنّها أقرب ما تكون من ذلك”، وتابع: “إنّ استعداد الرئيس ترامب للتسامح والنسيان مع الروس قد قوّى العزم على إقرار تشريع بفرض عقوبات على روسيا”.

وقال السيناتور جون ماكّين، رئيس لجنة القوّات المسلّحة في مجلس الشيوخ: “لم تكن هناك عقوبة.. فلاديمير بوتين أفلت من العقاب، بمعنى الكلمة، بعد أن حاول تغيير نتيجة انتخاباتنا. نعم حان الوقت للمضي قدمًا، لكن هناك ثمن يجب أن يُدفع”، بينما قال السيناتور ماركو روبيو: “على الرغم من أنّ الواقعيّة والعمليّة تتطلّبان أن نتعامل مع فلاديمير بوتين، لكنّه لن يكون أبدًا حليفًا موثوقًا أو شريكًا يعتمد عليه. إن الدخول في شراكة مع بوتين، بشأن وحدة أمن الإنترنت، مثل مشاركة الأسد في وحدة للأسلحة الكيماويّة”.

إن أمام طريق الرئيس ترامب لتنفيذ وعوده الانتخابيّة، حول التعاون مع روسيا لحل القضايا الدوليّة المعقّدة، عقبات كبيرة تتعلّق بسياسات ومواقف غير ودّية، اتّخذها بوتين طوال العقد الماضي، استهدفت مناطق متفرّقة من العالم وأميركا نفسها، ومن دون تغيير ملموس في هذه السياسات، لن يستطيع ترامب الدفاع عن علاقة إيجابيّة وبنّاءة مع روسيا.




المصدر