اللجوء السوري واقتصاد الأردن.. رُبّ ضارة نافعة


علاء كيلاني

يتهكم رسّام الكاريكاتير الأردني ناصر الجعفري في معظم لوحاته، بجرأة، على طبيعة الحياة الاقتصادية التي تسود في الأردن، كجزء من معاناة أكبر، تشمل معظم مناحي المعيشة، في دولة ما زال اقتصادها الهش يتعرض لصدمات خارجية، منذ عشر سنوات تقريبًا، زادت من حدتها الحروبُ الدائرة في دول الجوار الإقليمي (العراق وسورية)، وتدفق أعداد ضخمة للاجئين منهما إلى أراضيه.

في إحدى رسوماته، يصوّر الجعفري ابن البلد، مواطنًا فقيرًا بثياب رثة، يلهث وراء راتب شهري، ما تزال مسافة كبيرة تفصله عنه. في إشارة إلى وجود هوة بين الأجور والنفقات، تستنفد المدخول خلال أيام قليلة، وتدفع العاملين في القطاعين الحكومي والخاص إلى تجرع مرارة الأمل بوعود إصلاحية، فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيقها.

يفتقر الأردن إلى تنوع مصادر الدخل، ويتميز اقتصاده بكونه خدميًا، أكثر منه إنتاجيًا، وقد عانى في السنوات الخمس الأخيرة -بخلاف توقعات الحكومة التي رفعت شعار النمو المتوازن وعدالة توزيع الدخل القومي- من نموّ بطيء، انعكست تداعياته على الحياة المعيشية لمختلف شرائح المجتمع؛ فازداد صعود طبقة، لا تشكل وفق دائرة الإحصاءات العامة أكثر من 8.1 بالمئة من مجموع الأسر الأردنية، وانحدرت طبقات أخرى، فشلت في أن تحافظ على وضعها، إلى الطبقة الفقيرة؛ لتشكل -حسب تقدير مصادر غير رسمية- نسبةَ 60 بالمئة من مجموع سكان المملكة.

يقول المواطن محمد الشريف: “مع صدور كل مشروع موازنة عامة، نتوقع أن تخصص الحكومة مبالغ من أجل تحسين أوضاعنا المعيشية، سواء عبر زيادة الرواتب التي لم تعد بوضعها الحالي تكفي لسداد فاتورة الخدمات الحكومية وتكاليف المواصلات وأجور المساكن، أو عبر رفع مخصصات الأسر الفقيرة من صندوق المعونة الوطنية، على أقل احتمال، أو عبر الحد من ظاهرة الغلاء وارتفاع الأسعار التي تجاوز صعودها مدخول الأسرة بشكل عام”. وأضاف لـ (جيرون): “هذا بالإضافة إلى أن سوق العمل في المملكة يعاني من قلة الفرص الناجمة عن عدم وجود مشاريع إنتاجية تخفف وطأة البطالة وترفد الاقتصاد بعائدات مجزية. فيما يشكل اللجوء السوري والعراقي ضغوطًا أخرى، تأثرت المجتمعات المحلية بها قبل غيرها”.

منذ عامين، بدأ الأردن في تنفيذ حزمة من التدابير، تهدف إلى الاستفادة من الطاقات المحلية، وتخفيف الاعتماد على الاستيراد المكلف، بهدف خلق فرص عمل لائقة، داخل بلد يعاني من ازدياد حجم البطالة وتدني معدل النمو الاقتصادي الذي قد لا يتجاوز 2.3 بالمئة، خلال العام الحالي 2017.

وأطلقت الحكومة خطة للنمو الاقتصادي، تهدف إلى مضاعفة معدل النمو خلال الفترة 2018-2022. كما أطلقت مؤخرًا خطة وطنية للنمو الأخضر، تركز على قطاعات الطاقة والمياه والنفايات والنقل والسياحة والزراعة. غير أن جهات مالية دولية تنظر إلى الخطتَين بتفاؤل حذر، وترى أن من السابق لأوانه الحديثَ عن فرص نجاحهما، إذا ما استمر توتر الوضع الإقليمي، وتصاعد العنف الذي تهدد مخاطره حدود المملكة الشمالية والشرقية، إلى جانب استمرار إغلاق المنافذ البرية مع الدولتين الجارتين، سورية والعراق، وتوقف الحركة التجارية معهما.

ويرى الخبير الاقتصادي مسعف ياغي أن “التحديات الإقليمية ما زالت قوية، وقد أثّرت تأثيرًا مباشرًا على اقتصاد البلاد الذي يعاني، في الأصل، من مشكلات هيكلية، لتنعكس تداعياتها لاحقًا على حياة المواطنين. وأضاف ياغي لـ (جيرون): صحيح أن البطالة متفشية، منذ مرحلة ما قبل الأزمة السورية، لكنها ازدادت متأثرة بدخول الآلاف من اللاجئين سوق العمل، وظلّت واحدة من المشكلات المزمنة التي تقلق المجتمع؛ إذ إنّ معظم الأسر الأردنية تعيش اليوم على دخل واحد، أو اثنين في بعض الحالات، وهذا من شأنه أن يفاقم تردي الوضع المعيشي”.

وأشار ياغي إلى أن “المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة التي ثبت أنها أفضل محرك لخلق الوظائف، خاصة في المدن الفقيرة التي تستضيف أكبر عدد من السوريين، وتعاني من نقص في الخدمات والتمويل المركزي، وكان من المتوقع أن ترفد سوق العمل بوظائف جديدة، بقيَت هي الأخرى تعاني من عقبات حالت دون نموها؛ وبقي معدل تأسيسها أقل بكثير من المتوقع، بسبب العوائق”.

لكن الأردن الذي يتمتع ببيئة أعمال متطورة نسبيًا يحاول، في ظل استجابة مجموعة الدول المانحة للأزمة السورية، أن يستفيد من التمويل الدولي في تنفيذ مشاريع تنموية جديدة، ودعم بيئة الأعمال الحرة والشركات الناشئة لتدعم اقتصاده وتقلص حجم البطالة التي وصلت نسبتها بين الذكور والإناث -بحسب تقديرات الحكومة- إلى نحو 18.2 بالمئة، فيما تزيد عن ذلك بكثير، وفق تقديرات مراكز بحثية واستقصائية مستقلة.

وقد باشرت الحكومة مع مجموعة الدول المانحة ومؤسسات البنك الدولي تنفيذَ عدة مشاريع تنموية، تخفف من حجم الضغوط التي تواجهها المجتمعات المحلية المضيفة للسوريين، عبر إحداث فرص عمل جديدة، ذات دخل دائم لكلا الطرفين. كما باشرت، مطلع العام الحالي مع البنك الدولي، بتنفيذ مشروع جديد لتشجيع ريادة الأعمال، من خلال توفير دعم مالي حيوي لمراحل النمو الأولى للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، حيث تم تأسيس صندوق تمويلي، يستثمر البنك الدولي فيه نحو 50 مليون دولار، والبنك المركزي الأردني نحو 49 مليون دولار؛ لدعم أكثر من 200 شركة ناشئة، في مختلف أنحاء البلاد.

وعلاوة على توفير التمويل الأولي للشركات والمؤسسات، سيعمل الصندوق على تشجيع ريادة الأعمال الحرة عبر التركيز على أصحاب المشاريع في المناطق المتأخرة، وعلى الصناعات التي لا تحظى بالدعم الكافي، وكذلك على الفئات السكانية التي تعاني من نقص في الخدمات والتمويل كالنساء صاحبات المشاريع.

كما سيسعى المشروع في استثماراته إلى استغلال الفرص المتاحة في كافة القطاعات، ولا سيما قطاعات التكنولوجيا، والإعلام، والاتصالات السلكية واللاسلكية، وقطاع الخدمات، مع التركيز على الصناعات الزراعية، وصناعة الدواء، وقطاع المياه، وقطاع الطاقة الخضراء المراعية للبيئة، وفق بيان البنك.




المصدر