نادي فالدي للحوار: استفتاء كردستان: تحديات وعواقب


محمد شمدين

يعدّ الاستفتاء على استقلال كردستان، والمزمع إجراؤه في 25 أيلول/ سبتمبر المقبل، تطورًا مهمًّا جدًا، يضيف المزيد من التعقيدات إلى المشهد المأزوم في الشرق الأوسط. المسألة الكردية ليست قضية عراقية فحسب؛ فهي تؤثر في أمن تركيا وإيران وسورية، حيث توجد الغالبية من الأكراد. وعلى الرغم من أن الدول الأربعة تختلف في مواقفها تجاه الأكراد، فهم يُعدّون إرهابيين في تركيا، ومحاربين للإرهابين في سورية، ويتقاسمون السلطة في العراق، والأقلية المسببة للمشكلات في إيران؛ فهم مهددون بالاستفتاء.

المزاج السياسي في أربيل يتجه نحو الاستقلال بشكل واضح؛ بعد الدور الكردي البارز في هزيمة (داعش) في العراق وسورية، والآن هم ينتظرون حصاد كفاحهم. لقرن من الزمن، كان حلم الدولة الكردية يسيطر على فكر جميع الأكراد، وهم يعتقدون أن الوقت مناسب لتحقيقه.

ولكن يبدو أن الأمرَ ليس بهذه السهولة؛ فالاستفتاء المتوقع بـ “نعم” من أجل الاستقلال، من غير المحتمل أن يترجم على الفور إلى الانفصال كما حدث في كوسوفو. من المحتمل أن يكون الاستفتاء خطوة أولى لتحسين الوضع التفاوضي للأكراد مع بغداد، وأن يأخذ شرعية المطلب بالاستقلال. والخطوات اللاحقة تتوقف على المواقف الدولية والإقليمية التي يبدو أنها تمانع الاستقلال الكامل للمنطقة. وهناك العديد من العوامل التي تدفع نحو هذا السيناريو.

أولًا، الخلاف الكردستاني حول ما بعد الاستفتاء؛ ففي وقتٍ يرى فيه الحزبُ الديمقراطي الكردستاني، بزعامة البرزاني، وهو الذي يقود الحكومة في أربيل، أن الاستفتاء خطوة إلى الأمام باتجاه الاستقلال؛ فإن الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة (التغيير/ كوران) في السليمانية لا يرونه كذلك. حتى إن هوشيار زيباري، الحليف القوي لمسعود البرزاني، أشار في 9 حزيران/ يونيو الماضي، إلى أن التصويت المتوقع بـ “نعم” على استفتاء استقلال كردستان، سوف يعزز من موقف كردستان في مفاوضاتها مع بغداد، ولكن لن يؤدي إلى الانفصال التلقائي عن العراق. وقال: “إننا لا نتحدث عن الاستقلال، إنما نتحدث عن الاستفتاء”.

ثانيًا، ترفض الحكومة العراقية استفتاء استقلال كردستان، وتعدّه خطوةً أولى نحو تفكك العراق. ولن تكون بغداد متسامحة أبدًا في فقدان هذه المنطقة المهمّة باحتياطات ضخمة من النفط، تقدر بنحو 40-45 مليار برميل. لكن ليس من السهل على بغداد استخدام القوة ضد أربيل بالنظر إلى كفاءة وقوة القوات الكردية وتسليحها العالي ومواردها المالية الكافية، فضلًا عن الانتقادات الغربية المتوقعة ضد بغداد لاستخدامها القوة ضد الأكراد.

ثالثًا، القوة الإقليمية الرئيسية ضد استقلال كردستان. على الرغم من العلاقات القوية مع أربيل والبرزاني، تظهر تركيا معارضة شديدة لاستقلال كردستان، وتعدّه “خطًأ مميتًا”. ومن شأن استقلال كردستان أن يشجع أكراد تركيا -ويُقدّر عددهم 14 إلى 20 مليون- على تكثيف عملياتهم وكفاحهم المسلح من أجل الاستقلال. وعلى الرغم من أن تركيا تدخلت من قبل إلى إقليم كردستان لملاحقة (حزب العمال الكردستاني/ PKK)، فإنه من غير المرجح أن تقمع الاستقلال بالقوة، وسيكون الضغط الاقتصادي القوي الإجراء المناسب الذي سوف تستخدمه تركيا لمنع الاستقلال. هناك أكثر من 500 شركة تركية عاملة في كردستان، وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين تركيا وكردستان نحو 10 مليارات دولار. كما أن ميناء جيهان التركي هو المنفذ الرئيس لصادرات كردستان النفطية التي تصل إلى مليون برميل يوميًا؛ لذلك، فإن أي ضغط اقتصادي من قبل تركيا سوف يكون مؤلمًا لكردستان. واستخدام تركيا للقوة سيظل الخيار الأخير لها.

إيران أيضًا تعارض استقلال كردستان، وتعتقد أن الاستفتاء سوف يخلق أزمات جديدة في المنطقة. إذ تشعر طهران بالقلق من صدى استقلال كردستان في إيران، وتدعو أقليتها الكردية (عددهم نحو 8 مليون) إلى الاستقلال. وعلى الرغم من التهديدات الإيرانية ضد كلٍّ من كردستان والمعارضة الكردية الإيرانية الموجودة هناك، إلا أن طهران ليست في موقع يمكنها القيام بتدخل عسكري في المنطقة.

من شأن ذلك أن يعزز من التفاهم والتنسيق الاستراتيجي بين طهران وبغداد، وأيضًا بين البلدين وتركيا، نظرًا إلى التهديد المشترك الذي يشكله استقلال كردستان تجاه البلدان الثلاثة. في حين أن (إسرائيل) وبعض الدول العربية، في مواجهتها مع إيران، قد تقوم بدعم استقلال كردستان، من دون اعتراف رسمي.

رابعًا، لا يبدو أن القوى الغربية مستعدة للاعتراف الفوري باستقلال كردستان كقضية كوسوفو. ويبقى الموقف الأميركي من أكثر المواقف إثارةً للجدل؛ إذ تدعم واشنطن الأكرادَ وتسلحهم في سورية والعراق في سياق الحرب ضد الإرهاب، وهي تعترف بـ “الحق المشروع” للأكراد في تقرير المصير. ويُعدّ الاستفتاء خطوة مهمة للخطط الأميركية في العراق والمنطقة. وترغب واشنطن أن تكون كردستان قاعدة عسكرية للقوات الأميركية وشوكة، تضغط بها على الحكومة العراقية والتركية، إذا لزم الأمر. بالطبع سوف يُغضب هذا تركيا الحليف التقليدي لأميركا؛ ومن شأن اعتراف واشنطن باستقلال كردستان أن يلحق ضررًا بالغًا بالتحالف التركي الأميركي الذي كان في أزمة، منذ محاولة الانقلاب في تركيا.

كما عبّر وزير الخارجية الألماني عن مخاوفه إزاء نتائج الاستفتاء، وحذر من “اتخاذ خطوات انفرادية، يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع الصعب بين أربيل وبغداد”. وتعدّ ألمانيا شريكًا رئيسًا للأكراد في العراق، حيث مدتهم بالسلاح والتدريب وشارك نحو 130 جنديًا ألمانيًا في أربيل، لتدريب قوات البيشمركة الكردية.

في ما يتعلق بروسيا، فكما حافظت موسكو على حق تقرير المصير في شبه جزيرة القرم، فإنها لا تستطيع أن تنكر الحق نفسه لكردستان. وفي هذا السياق، يبدو أن دفع الحوار والمفاوضات إلى الأمام بين كردستان والحكومة العراقية، حول الحكم الذاتي الموسع لكردستان العراق، هو البديل الأفضل. ومن الضروري أيضًا وضع مقترح ملموس بشأن أكراد سورية، بالتنسيق مع تركيا وإيران وبغداد.

العنوان الأصلي KURDISTAN REFERENDUM: CHALLENGES AND CONSEQUENCES الكاتب نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية، جامعة القاهرة، مصر الرابط http://valdaiclub.com/a/highlights/kurdistan-referendum-challenges/ المصدر Valdai Discussion Club- نادي فالدي للحوار المترجم محمد شمدين




المصدر