الزواج العرفي في سوريا.. أرقام كبيرة تُنذر بكارثة اجتماعية


تفاقمت ظاهرة “الزواج العرفي” في سوريا، ضمن مناطق النظام والمعارضة على حدٍّ سواء، حتى باتت تكاد تخرج عن السيطرة، ومع أن هذه الظاهرة ليست الوحيدة التي باتت تؤرق المجتمع السوري، إلا أنها تظل أكثر وطأة من غيرها كونها تؤدي لنتائج سلبية على أكثر من صعيد.

والزواج العرفي، هو زواج يشهد عليه الشهود، ولكنه لا يكتب في الوثيقة الرسمية ولا يتم تثبيته في المحكمة ويُكتفى بإبرام العقد بالطريقة الشرعية بشكلٍ بسيط عبر شيخٍ يقوم بهذه المهمّة مع شاهدين، وذلك ضمن اتفاق مكتوب بين طرفي العقد “الرجل والمرأة” على الزواج دون إطار قانوني، وهو ما يجعل أمر ثبيت هذا الزواج صعباً بالنسبة للمحكمة لاحقاً، ولا سيما أنّه يتطلّب وثائق قد لا يملكها طرفا العقد.

وتتعدد التبعات التي يخلفها انتشار هذا النوع من الزواج، ولعل أسوأ ما فيه هو الجانب القانوني كونه لا يترتب عليه أي حق لأي من الزوجين تجاه الآخر فمثلاً لا يحق للمتزوجة عرفياً أن تطالب بنفقة من زوجها، كذلك لا يحق لأي من الطرفين المتزوجين عرفياً أن يرث الطرف الآخر عند وفاته، كما يثير الزواج العرفي عدداً من المشكلات الاجتماعية حيث إن هناك من يستغله للتغرير بالإناث لرغبات طارئة ثم يتبرأ ويتنصل من ذلك العقد.

هل هي طبيعية؟

في السابق كان يتم اللجوء إلى “الزواج العرفي” في سوريا في حالاتٍ استثنائية لحلِّ مشاكل معيّنة تحيط بإتمام الزواج، غير أنه ومنذ أعوام راحت أرقام “الزواج العرفي” تزداد بشكلٍ ملحوظ.

وبحسب البيانات التي نشرتها صحيفة “الوطن” المقرّبة من نظام الأسد مطلع العام الحالي، فإن إحصاءات عام 2016 كانت ضخمة جداً، حيث بلغت مجمل حالات الزواج نحو 150 ألف حالة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة داخل القصر العدلي بدمشق قولها: “إن الحالات موزّعة على 70 ألف عقد مُثبّت، و60 ألف حالة زواج عرفي و20 ألف حالة من أحكام الزواج الصادرة بناءً على دعاوى مرفوعة لتثبيت الزواج”.

ورغم الرقم الكبير لعدد حالات الزواج العرفي فقد اعتبرت المصادر أن الأمر “مازالت ضمن الحدود الطبيعية”، مستندةً إلى القول بأنه “من الطبيعي أن يلجأ الناس أولاً إلى الزواج العرفي عبر الشيخ وبحضور ولي الشاب وولي أمر الفتاة وشاهدين ويتم من خلاله تحديد المهر، وبعد عقد الزواج عرفياً يتم تثبيته بالمحكمة، لكن المصادر لم توضّح نسبة الأشخاص الذين قدموا إلى المحكمة وهم “متزوّجون عرفياً وتم الدخول بينهما”، حيث يعالج التحقيق هذه النقطة.

طريق وحيد

محبس، وشيخ يعقد القران مع شاهدين، كانوا كافيين لإتمام زواج “تمّام” وزوجته في ريف حمص الشمالي مطلع العام الحالي، واليوم ينتظران طفلهما الأول.

وتعتبر المنطقة التي يقطن فيها هذان الزوجان مُحاصرة تماماً من قبل قوات النظام وذلك مُنذ أكثر من ثلاثة سنوات، فلا محاكم شرعية أو غير شرعية، كما لا يُوجد أي قناة قانونية لعقد قرانٍ مثبّت.

يقول تمّام لـ “صدى الشام” إنّه أقدم على هذه الخطوة بعد أن قام بها الكثير من الشباب الراغبين بالزواج، ويوضّح أنه كحال معظم سكّان المنطقة ليس في ظرف يسمح له بالاختيار وإنما أُجبر على هذه ذلك لأنه الخيار الوحيد.

وقد أدّى الحصار الذي فرضه النظام والميليشيات الموالية له إلى اضطرار السكّان في تلك المناطق، للزواج بشكلٍ عرفي، رغم المصاعب والمشكلات المحتلمة لهذا النوع من الزواج.

وقدّرت منظمة الأمم المتحدة في أواخر تشرين الثاني من عام 2016 الماضي، عدد السوريين القابعين تحت الحصار بحوالي مليون سوري، تُحاصر قوات النظام العدد الأكبر منهم.

وعلى الرغم من أن هذا الرقم انخفض، بسبب عمليات التهجير الواسعة، إلّا أن المشكلة لا تزال قائمة في عدد كبير من مناطق سوريا.

بلا وثائق

تطلب حكومة النظام لتثبيت عملية الزواج وثائق كثيرة، يأتي على رأسها ورقة “غير محكوم” والتي لا تتوفّر لشريحة كبيرة من السوريين، ولا سيما المطلوبين للخدمتين الإلزامية والاحتياطية في جيش النظام، يُضاف إليها فحوصات طبية وتحاليل وإخراج قيد وغيرها، وأمام كل ذلك يصبح الأسهل للشاب والفتاة هو الزواج العرفي، غير أن هذا الحل نفسه لم يعد بهذه البساطة، إذ يؤكّد الشاب السوري مروان، أن الزواج العرفي ليس سهلاً بالنسبة للشاب ولا سيما المطلوب، فهو استغرق أكثر من عامٍ وأربعة أشهر حتّى قبلت أسرة سوريّة أن تزوجه ابنتها عرفياً في العاصمة دمشق. ولا يستطيع مروان إطلاقاً تثبيت الزواج عبر القنوات القانونية لأن النظام كان قد رفع به بطاقة بحث.

وعن تجربته هذه يتحدث مروان موضحاً لـ “صدى الشام” أنه كان أمام خيارين؛ إلغاء فكرة الزواج أو الزواج عرفياً، فاختار الحل الثاني لأنه يتوقّع أن “يستمرَّ الوضع على هذه الحال طويلاً”، ويضيف أن معظم العائلات تخشى على مستقبل بناتها نظراً لأن الزواج العرفي بلا ضمانات فعلية.

ويضرب مروان مثالاً من إحدى العائلات التي تقدم للخطبة من إحدى بناتها، حينها سألته العائلة عن الدليل الذي يؤكّد استمراره بالزواج وعدم هربه خارج سوريا أو ترك الفتاة لغايةٍ ما دون دفع المهر.

وتُعتبر مشكلة المهر من أكثر النقاط التي تؤدّي إلى وقوع المشكلات بعد عقد الزواج العرفي بين السوريين، إذ أن القانون لا يُحاسب الزوج في حال إخلاله بالمهر المُتّفق عليه، لأن العقد غير مُعترف به قانونياً، كما أنه لا يضمن للفتاة أي حقوقٍ من زوجها بما في ذلك المادية والمعنوية ورعاية الأطفال.

في غياب محاكم

لا يستطيع السوريون الذين يعيشون في مناطق المعارضة تثبيت عقود زواجهم في محاكم النظام وبالتالي يلجأ كثير منهم إلى الزواج العرفي.

ويحدث ذلك في ظل غياب مؤسّسات قانونية خاصة بالمعارضة تقوم بتثبيت الزواج وأرشفتها بشكل دقيق.

ووسط هذه الفوضى تبرز بعض الجهود الفردية أو الأهلية، كما فعل مجموعة من المحاميين والقُضاة في مدينة معرة مصرين بريف إدلب، حيث قاموا بتفعيل عمل المحكمة هناك، لكن هذه المحكمة لم تكن مستقلّة بل كانت صلة الوصل بين المدنيين في مناطق المعارضة ومحاكم النظام.

ويشرح الصحفي عامر، كيف أن المحاميين الموجودين في هذه المحكمة يأخذون عقود الزواج من الشمال السوري ويتوجّهون بها إلى دمشق لتثبيتها بشكلٍ قانوني مقابل مبالغ مالية تصل إلى حوالي 100 دولار أمريكي عن العقد الواحد، لافتاً إلى أن هذا الرقم يُعادل راتب شهرٍ كامل بالنسبة للسوريين الذين يعيشون هناك.

ويضيف أنه توجد نسبة كبيرة من الأزواج الذين يلجؤون إلى هذه المحكمة تقدّر بأكثر من 50% ولا سيما في المناطق القريبة من معرّة مصرين، في حين أن بقية الأزواج يكتفون بالزواج العرفي دون عقد محكمة ودون إطار قانوني.

 

أثمان باهظة

يرى المحامي غزوان قرنفل رئيس “تجمّع المحاميين السوريين الأحرار” أنه في الحالة السورية لا يوجد أي جهة قانونية تمتلك الأحقية بتثبيت الزواج وإصدار الوثائق سوى النظام ومؤسّساته، لأنه حتّى الآن لا يزال في القوانين الدولية ممثّلاً للدولة السورية ومؤسّساتها، موضحاً أن التجمّع كان لديه خطّة لتسيير أمور السوريين لكن لا يوجد لهذه الوثائق أي قيمة قانونية لأنها غير صادرة عن النظام.

وأوضح أن المحكمة الموجودة في معرة مصرين ومثلها في كفر تخاريم هي تابعة للنظام وفيها قُضاة يتقاضون راتبهم من قبل حكومة النظام، والفصائل تعرف ذلك لكنّها لا تعرقل عملهم لأنهم المصدر الوحيد القانوني والرسمي لإصدار الوثائق.

وعن تبعات الزواج العرفي وعدم تثبيته بيّن قرنفل أنه يشكّل خطراً كبيراً على المجتمع من حيث “حقوق كلا الزوجين ونسَب الأطفال والإرث مستقبلاً”، شارحاً أن هناك الكثير من عقود الزواج العرفية داخل سوريا حالياً من أزواج أجانب جاؤوا للقتال، وقُتل الزوج خلال المعارك وكان اسمه “أبو فلان المصري أو السعودي أو الشيشاني”، وتساءل قرنفل: كيف يمكن فرز هذه الحالات استرداد حقوق المرأة وتأمين نسب للأطفال وإجراء حصر الإرث لاحقاً؟.

وتابع أن هناك الكثير من العقود التي حصلت بشكل عرفي دون تثبيتها، وفي المستقبل إذا توفّي الزوج فلا يوجد أي حقوق للمرأة إطلاقاً، ولا هوية للطفل الذي يكون موجوداً فعلياً لكنه غير موجود في القانون، ولن يكون مواطناً ولن يحصل على وثائق ولا على حصر للإرث أيضاً.

ونصح قرنفل جميع الأزواج والنساء على وجه التحديد سواء كانوا في مناطق النظام أو المعارضة بالمسارعة إلى أقرب محكمة ورفع دعوى تثبيت زواج وشرح التفاصيل للقاضي.

الطلاق

تجدر إلإشارة إلى صعوبات أخرى يسببها الزواج العرفي تحدث عند وقوع خلاف أو مشاكل أسرية تحول دون الاستمرار، فيلجأ بعض الأزواج إلى الانتقام من الزوجة وتركها معلقة دون طلاق، ومثل ذلك يحدث عند سفر الزوج أو غيابه بدون عذر؛ وبالتالي لا تستطيع الزوجة أن تتزوج بآخر.

وبعيداً عن الخلافات فإن المشكلة تبقى قائمة في حال غياب الزوج أو سفره إلى أي دولة أخرى وانقطاع أخباره مثلاً، ففي هذه الحالة ينبغي نظرياً أن ترفع الزوجة دعوى ثبوت زواج حتى تصل إلى طلاقها، لكن دعواها لن تكون مسموعة لعدم وجود وثيقة رسمية!

كل ما تقدم يجعل البحث عن حلول ناجهة لظاهرة الزواج العرفي أمراً لا بد منه منعاً لضياع الحقوق وزيادة الأزمات الاجتماعية، لكن أي حلول لن تنجح قبل نشر الوعي لضبط الواقع.



صدى الشام