ماذا بين جنيف سبعة وجنيف ثمانية؟


جيرون

حضرت جميع الأطراف المعنية جنيف بحلقته السابعة، دون أي أمل بتحقيق إنجاز يُذكر، وراود الجميع، من الوسيط الدولي إلى آخر عضو مشارك في المفاوضات، الشعور نفسه بانعدام فرصة تحقيق أي اختراق في هذه المفاوضات التي باتت تبدو وكأنها عبثية.

سبب انعدام الأمل هو مماطلة وفد النظام وتهرّبه المستمر من الاستحقاق الرئيس في المفاوضات، وهو مناقشة الانتقال السياسي، وإصراره على مناقشة “سلّة” الإرهاب أولًا، بمعزل عن أي موضوع آخر، و”سلّة” الإرهاب هذه ما هي إلا فخ للمعارضة، والمقصود منها توحيد قوى الجيش الحر تحت ما يُسمى بـ “مجلس عسكري مشترك”، لمكافحة (تنظيم الدولة الإسلامية/ داعش) و(جبهة النصرة)، دون التطرق إلى الخطوة التالية، أي ماذا سيكون الحال بعد القضاء على (داعش) و(جبهة النصرة)، ودون التطرق إلى الانتقال السياسي.

الخطوة التالية لهذه الفرضية لم ولن يجيب عليها أحد، لا الوسيط الدولي ولا الدول الراعية، ولا يستطيع أحد تقديم أي شكل من أشكال الضمانات بأن تكون الخطوة التالية هي الانتقال السياسي.

دأب الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا على “اختراع” بعض القضايا للنقاش، فكان أن طلب في آخر جولة أن تتوحد المعارضة السورية، بوفودها الثلاثة المشاركة رسميًا، أي منصتَي القاهرة وموسكو ووفد الهيئة العليا للمفاوضات. وقد بدأت الاجتماعات فعليًا في اليوم الثاني لجنيف السابع في محاولة لتحقيق المطلوب، وكان هناك توافق مبدئي بين وفد الهيئة العليا ومنصة القاهرة، لكن المسافة بقيت بعيدة بين الهيئة العليا ومنصة موسكو، واتفق الطرفان على متابعة النقاش حتى حلول موعد جنيف ثمانية.

انتقالًا إلى النقاش ماذا بعد جنيف سبعة وقبل جنيف ثمانية، يُطرح سؤال حول ما إن كانت هذه الوفود الثلاثة ستكتفي بلقاءات تقنية بين وفودها، وتنتظر ماذا سوف “يخترع” دي ميستورا في بداية الجولة الثامنة المقبلة؟

هناك من يُرجّح أن تكون “البدعة” القادمة لدي ميستورا هي ضم حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” إلى المفاوضات، أي أن دي مستورا سيبتكر كل ما يلزم ليدعم النظام السوري، لأنه بالمقابل لا يمتلك أي خطة أو منهجية للمفاوضات، وهو كان دومًا عندما يتحدث عن خطوة ما، في أي من جولات مؤتمر جنيف، لا يعرف الخطوة التي تليها، وكان ينتظر قرار الخطوة التالية من الطرف الروسي تارةً، ومن الطرف الأميركي تارةً أخرى، وبين هذا وذاك يُحاول أن يُجيّر أي تقدم أو اتفاق خارج جنيف لصالحه، كاتفاق هامبورغ أو أستانا، فالرجل يتحدث كثيرًا عن هذين الحدثين، لكنه لا يمتلك توضيحات شافية حول عمله الأساس في جنيف، ربما لأنه لم يُحقق حتى اللحظة ما يمكنه الحديث عنه.

من الواضح أن المعارضة لن تحقق شيئًا في جنيف، بعد أن فقدت العملية التفاوضية زخمها الدولي وعادت لتكون في ذيل نشرات الأخبار العربية، وخارج النشرات الإخبارية الغربية، لذلك يبدو من الأفضل للمعارضة السورية الآن المبادرة، على أكثر من صعيد، إلى تشكيل وفد وطني عالي المستوى يضم شخصيات وطنية (تكنوقراط)، وبغض النظر إن كانت هذه الشخصيات من الائتلاف أو من خارجه، أو من ضمن الهيئة العليا للمفاوضات أم من خارجها، وأن تكون مهمة هذا الوفد القيام بزيارات للبرلمانات في الاتحاد الأوروبي وأميركا وكندا وغيرها، لشرح عدالة قضية الشعب السوري، وإعادة الزخم للعملية التفاوضية، وحين نتحدث عن (التكنوقراط)، فإننا نتحدث عن ضخ دماء جديدة، ودفع وجوه جديدة للصف الأول، شخصيات يكون لها المقدرة السياسية والكفاءة الإعلامية للحديث عن الكارثة التي ألمت بالشعب السوري.

على الصعيد المدني، هناك مئات الأشخاص يمكن الإفادة من قدراتهم، وهم في الصف الثاني والثالث، وعلى الصعيد العسكري، هناك شخصيات عسكرية مهمة لكنها مُهمّشة وغير فاعلة اليوم على الأرض لأسباب عدة، لكن يمكن الاستفادة من جهودهم، لتطوف أنحاء العالم مع المدنيين، وتجوب البرلمانات الغربية، والممثلين الأهليين، والرموز الاجتماعية والفكرية، ولا تكتفي بوزارات الخارجية ومندوبي الدول في لقاءاتها.

حين نتحدث عن وفد بهذه الصيغة، فإننا لا نتحدث عن جسم سياسي جديد، أو كتلة جديده وإنما عن وفد وطني مهمته دعم العملية التفاوضية والوفد المفاوض، والضغط على النظام وحلفائه من أجل الانخراط الجاد في العملية التفاوضية.

من العبث ركون المعارضة السورية مدة شهرين، قبل أن تذهب إلى جنيف جديد، وانتظار “بِدع” الوسيط الدولي التي سيقدمها في جنيفات قادمة. لذا، ينبغي على القوى الوطنية السعي لامتلاك زمام المبادرة والقبض على الزمن، والدفع بدماء جديدة، تعمل بأساليب سياسية جديدة للانتقال من ضفة المتفرج إلى ضفة الفاعل أو على الأقل الشريك.




المصدر