التسابق على تركة "تنظيم الدولة".. الثروات الباطنية هدف رئيسي للأسد بمعاركه في الرقة والبادية


مراد القوتلي - خاص السورية نت

يضع نظام بشار الأسد آبار النفط والغاز نصب عينيه منذ بدء انخراطه في المعارك بالرقة معقل تنظيم "الدولة الإسلامية" والبادية السورية، وتنصب جهوده العسكرية في السيطرة على أكبر عدد منها، في الوقت الذي تواصل فيه ميليشيات قوات "سوريا الديمقراطية" توغلها في الرقة التي تشهد مواجهات عنيفة.

ويبدو أن السيطرة على آبار النفط هي الهدف الرئيسي من معارك النظام والميليشيات الإيرانية التي تسانده قرب الرقة، أكثر من كونها موجهة بشكل رئيسي ضد "تنظيم الدولة".

وسيطرت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها مؤخراً على عدة حقول للنفط والغاز في المنطقة الصحراوية الواقعة جنوب غرب الرقة، وأمس الإثنين 17 يوليو/ تموز 2017 سيطرت هذه القوات على حقل الديلعة النفطي بالإضافة إلى حقل زملة للغاز، والواقعة في مناطق انسحب منها مؤخراً "تنظيم الدولة".

ويوم السبت الفائت كانت قوات النظام قد سيطرت أيضاً على حقول "الوهاب، والفهد، ودبيسان، والقصير، وأبو القطط، وأبو قطاش النفطية". وتقع هذه الحقول جنوب بلدة الرصافة وآبارها النفطية التابعة لمحافظة الرقة.

وتبرز حاجة النظام للحصول على  المزيد من مصادر الطاقة في وقت يعاني فيه اقتصاده من تدهور مستمر يحتاج فيه إلى تخفيف قيمة الواردات من النفط ومشتقاته والتي يأتي معظمها من إيران، وكذلك لتأمين احتياجات المناطق التي لا يزال يسيطر عليها، والتي تعاني من انقطاع مستمر في الكهرباء وارتفاع هائل في أسعار الوقود.

تسابق على النفط

وبالإضافة إلى ذلك يحاول النظام قدر الإمكان الحصول على حصة له في أغنى مناطق سوريا بالنفط، في وقت يشتد فيه التنافس الأمريكي الروسي لبسط مزيد من النفوذ على شمال وشرق سوريا.

ويشير محمد حسون وهو قائد عسكري سابق في الجيش السوري الحر، إلى أن سوريا تعوم بالنفط والغاز وخاصة البادية السورية، وقال في تصريح لـ"السورية نت": "حالياً هناك تسابق على الأراضي التي هي تحت سيطرة داعش، وذلك يعني التسابق على موارد النفط والغاز والمواقع الاستراتيجية، وحالياً النظام سيطر على شركة المهر وشركة حيان وشركة توينان وشركة آراك وشركة شاعر وجميعها تحوي العديد من الآبار".

وأضاف حسون أن النظام حالياً في في حالة تقدم لتحقيق هدفه بالسيطرة على النفط، ولفت إلى أن هدف النظام السيطرة على البادية ودير الزور يأتي بالمقام الأول، لكثرة مخزون النفط والغاز، ومن أجل الوصول إلى الحدود العراقية، وليصبح الطريق مفتوح للقوة البرية والمؤازرات من طهران إلى بيروت. وهو مشروع بري إيراني تسعى طهران لتحقيقه.

لكنه أشار في المقابل إلى أنه رغم نجاح النظام عسكرياً إلا أنه يقاتل مع المليشيات الشيعية التي تمتلك سلطة كبيرة في اتخاذ القرار.

أسباب تقدم النظام

وأرجع القيادي العسكري سبب تقدم النظام وميليشياته إلى المؤازرة الكبيرة التي يتلقاها الطرفان من الطيران الروسي، وقال أنه لولا سلاح الجو لما تقدمت قوات النظام خطوة واحدة، مضيفاً: "للأسف الدول الطامعة هي من عقدت المسألة السورية وهي من بنت أطماعها على آلام الشعب السوري وكانت حجر عثرة في نيل الشعب السوري لحريته".

المحلل العسكري ومدير وحدة المعلومات في مركز "عمران" للدراسات الاستراتيجي، نوار أوليفر، أشار من جانبه في تصريح لـ"السورية نت"، إلى أن النظام استغل الضغط الذي يتعرض له تنظيم داخل مدينة الرقة، وهو ما أدى إلى تشتت قواته وإضعافها في مناطق أخرى، مشيراً أن التنظيم يضع كامل ثقله العسكري حالياً من أجل الحفاظ على المدينة والتي تأوي الكثير من الأمراء الهامين التابعين له، ومن بينهم شخصيات من روسيا والقوقاز، وهو ما سهل من مهمة النظام في التقدم بالمناطق الغنية بالثروات الباطنية.

ولفت أوليفر إلى أن سياسة النظام القائمة حالياً تقوم على محاصرة "تنظيم الدولة" عبر السيطرة على الطرق التي يمكن أن يستخدمها التنظيم للتنقل في حال تعرضهم لهجوم في مدينة السخنة أو دير الزور، أو البوكمال، وهي مناطق غنية بالنفط.

وفي ذات السياق، قال صحفي من مدينة الرقة لـ"السورية نت" طلب عدم ذكر اسمه، أن من أسباب سيطرة النظام على مناطق نفطية مؤخراً استغلاله للخسائر التي منيت بالتنظيم في ريف الرقة الغربي لا سيما في مدينة الطبقة ومطارها العسكري واضطرار مقاتليه إلى الانسحاب.

وأضاف أن هذه التطورات أثرت سلباً على القدرات الدفاعية للتنظيم، أما فيما يتعلق بحقول النفط والغاز بالبادية السورية، أشار الصحفي إلى أنه في الأساس لم يكن للتنظيم هناك قدرات دفاعية كافية لمنعها من السقوط بيد النظام.

معارك  السخنة

وتقع معظم حقول سوريا النفطية بشكل أساسي في محافظة الحسكة بشمال شرق البلاد والتي تسيطر عليها ميليشيا وحدات "حماية الشعب"، وفي محافظة الرقة أيضاً.

إلا أن استمرار النظام بالتقدم في الرقة بغرض السيطرة على مزيد من الآبار قد يضعه في مواجهة مباشرة مع قوات "سوريا الديمقراطية" التي تدعمها أمريكا، وبالتالي يعرض نفسه لخطر الاستهداف من قبل طائرات التحالف التي سبق أن أسقطت طائرة للنظام قرب مدينة الطبقة في 18 يونيو/ حزيران الفائت، وقال التحالف حينها إن  الطائرة هاجمت قوات موالية له.

وبالموازاة مع معارك السيطرة على آبار النفط في الرقة، يخوض نظام الأسد والميليشيات المساندة له معارك في البادية، ومن أبرز أهدافها السيطرة على الآبار الغنية بالغاز والنفط، ويوم 11 يوليو/ تموز الجاري استعاد النظام السيطرة على حقل "الهيل" النفطي بريف حمص الشرقي.

وأدت سيطرة النظام على حقل "الهيل" إلى جعله قريباً من مدينة السخنة وهي آخر ما يسيطر عليه "تنظيم الدولة" في محافظة حمص، وأصبحت قوات النظام والميليشيات المساندة لها والمحمية بغطاء جوي روسي على بعد 15 كيلو متر من السخنة، وتمثل هذه المدينة البوابة الشرقية لمدينة دير الزور الغنية بالنفط.

وكانت قوات النظام والميليشيات المساندة لها سيطرت في 16 يونيو/ حزيران 2017 على حقل آراك النفطي في البادية السورية، إلا أن مقاتلي "تنظيم الدولة" ألحقوا الضرر به قبل انسحابهم من المنطقة.

ويشير فابريس بالونش مدير الأبحاث في جامعة "ليون" الفرنسية، إلى أن النظام يتقدم بشكل منهجي في البادية للاستيلاء على نقاط المياه، وطرق المواصلات وحقول النفط والغاز، ومناجم الفوسفات.

ولفت إلى أن النظام يسعى من وراء تحركه العسكري إلى "ضمان الأمن الاقتصادي"، مضيفاً أن "مهمة استعادة السيطرة على هذه المنطقة الصحراوية، الغنية بالنفط والغاز، أُسندت إلى لواء صقور الصحراء، وهو جيش خاص يموله رجل الأعمال أيمن جابر المقرب من الأسد. فهو يحصل على حصة من إنتاج النفط والغاز من الآبار المحررة".

وكان خبير اقتصادي مقرب من النظام، كشف أن المصافي التابعة للنظام تقوم بتصفية نفط يرد عبر وسطاء من "تنظيم الدولة" من الشرق ومن الأكراد من شمال البلاد، ويقتطع النظام نسبة متفق عليها من هذا النفط الخام، ويعيد تسليم الكميات المُعالجة المصفّاة إلى التنظيم والأكراد من جديد، في عملية مستمرة منذ نحو عام.

وبحسب وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء فقد صرح الخبير أن "القوى الكردية، وتحديداً حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، يُسيطر على أكثر من 50 بالمئة من النفط السوري، ولا يمتلك القدرة على تصفية أو تسويق أو بيع الخام، وحاول في مرحلة سابقة عام 2015 أن يُحضر خبراء من خارج سوريا لإقامة مصاف صغيرة".

وبيّن الخبير أن "الحزب وجد أن الأمر في غاية التعقيد ولا يقدر عليه، فلجأ إلى الاتفاق مع النظام السوري عبر وسطاء سوريين، بحيث يتم تصفية النفط في مصافي يسيطر عليها النظام، ويقتطع جزءاً من الإنتاج، ويعيد توريدها للقوات الكردية، التي تقوم ببيعه عبر وسطاء نحو روسيا وإيران عبر وسطاء روس".




المصدر