الغارديان: لربما تركع (داعش)، لكنها ستنهض من جديد، إن لم نكسر الحلقة


أحمد عيشة

على الرغم من الانتكاسات التي منيت بها (داعش)، بما في ذلك الهزيمة في الموصل، إلا أنها ليست إلا مجرد تقييد لدور الدولة الإسلامية، وهي قادرة على أن تملأ أي فراغ جديد في السلطة.

جندي عراقي يحمل راية الدولة الإسلامية، وسط أنقاض مدينة الموصل القديمة. صور يونايتد برس إنترناشيونال/ صور باركروفت

قبل يومٍ واحد من بدء معركة طرد “الدولة الإسلامية” من الموصل، تلقت دعاية الجماعة ضربةً كبيرة سرعان ما صارت منسية. طرد المتمردون السوريون المدعومون من تركيا، (داعش) من دابق، وهي بلدةٌ صغيرة في شمال سورية، حيث قطع محمد إيموازي، المتطرف البريطاني المعروف جون الجهادي، رأسَ بيتر كاسيغ، عامل الإغاثة الأميركي، معلنًا: “نحن هنا، ندفن أولَّ أميركي صليبي في دابق، وننتظر بفارغ الصبر بقايا جيوشكم حتى تأتي”.

مع صعود (داعش) في عام 2014، لعبت البلدة دورًا كمركزٍ لدعايتها، وكان هذا حيث وعدت (داعش) بمواجهةٍ نهائية بين قوى الخير والشر، وهي معركةٌ ملحمية من المفترض أنَّ نبوءاتٍ إسلامية أخبرت عنها في القرن السابع الميلادي، كما سمَّتْ (داعش) مجلتها الدعائية باسم البلدة، (دابق).

لتصوير قصتها باعتبارها حكايةً متماسكة تنبأ بها مؤسسوها المتبصرون، بدأت كل طبعات المجلة باقتباسٍ لأبو مصعب الزرقاوي الذي أسسَّ الجماعة في العراق في عام 2004: “لقد انطلقت الشرارة هنا في العراق، وسيزداد لهيبها -بإذن الله-. حتى يحرق الجيوش الصليبية في دابق”.

لكنّ (دابق) تمت استعادتها من قبل مسلحين سنّة. كان طرد (داعش) من البلدة فرصةً لتوجيه ضربةٍ مزدوجة لدعايتها، ليس فقط لأن النبوءة فاشلة، ولكنْ لأنها انهزمت على يدِ السكان أنفسهم الذين تدعي (داعش) أنّها تمثلهم، والتي تقاتل العالم لأجلهم. راجعت (داعش) بسرعةٍ نبوءة دابق، وحوّرتها، قائلةً بأنها لا تزال صحيحةً، ولكنّ وقتها لم يحن بعد. وغيَّرت (داعش) قواعد اللعب، مجازيًا وحرفيًا، حسب ما ذكر مقاتلون فارون بأنهم أزالوا اسم البلدة وتخلصوا منه، وفرّوا بعيدًا.

ضاعت الفرصة لتقويض سردية (داعش)، والناس بالكاد يتذكرون دابق اليوم. وبعد يومٍ من هزيمتها في دابق، بدأت (داعش) بتصوير الموصل كموقعٍ للمعركة الملحمية البديلة. ومن وجهة نظرٍ عسكرية -كما يعترف مسؤولون أميركيون- فإنّ معركة الموصل كانت عديمة الأهمية كما شاهدوها ضد جماعةٍ ارهابية. كانت هذه أكبر حملة في تاريخ العراق الحديث، مع قوة من نحو 60،000 معبئين ضد (داعش)، ومستفيدين من القوة النارية الهائلة الأميركية. لكلا الجانبين، كانت معركة دموية ومرهقة.

اللواء سامي العرادي، قائد القوات الخاصة العراقية، قال لصحيفة (نيويورك تايمز): “لقد شاركت في كلِّ معارك العراق، لكنْ لم أرَ أيّ شيءٍ يشبه معركة استعادة المدينة القديمة. كنا نقاتل مترًا بمتر. وعندما أقول إننا نقاتل على كلّ متر، أعني ذلك حرفيًا”.

لكن العراقيين خرجوا منتصرين. الموصل، معقل (داعش) من حيث رمزيتها وعدد سكانها، تحرّرت. جامع النوري الكبير في الموصل، الذي ألقى منه أبو بكر البغدادي خطبة صعوده باسم “الخليفة” تمت استعادته بعد أنْ فجرّه مقاتلوه رافضين إمكانية أنْ تزيد الحكومة الطين بلةً، من خلال الإعلان عن تحرير المسجد.

من المتوقع أنْ تخسر الجماعة مركزها الثاني، الرقة في سورية، بحلول نهاية هذا العام. عندها تتهاوى الخلافة.

في هذا السياق، كان السؤال العام: ماذا بعد؟ أين ستتجه (داعش) بعد الموصل والرقة؟ وما هو التهديد الذي ستشكّله (داعش) في مرحلة ما بعد الخلافة للمنطقة، والعالم؟

يجمع المراقبون والسياسيون على حدٍّ سواء، على أنَّ (داعش) لم تنته بعد. ولكن لم يُقل سوى القليل عن مدى الضرر الذي سببته، والذي ألحق بها. ثمة أربعة جوانب يمكن أن تساعد في تقديم التوضيح:

فقدت (داعش) الخلافة، لكنها ربحت تنظيمًا متعدد الجنسيات لم يكن لديها قبل ثلاث سنوات، حيث تنظيم القاعدة في العراق، والذي ركّز إلى حدٍّ كبير نشاطه على العراق، وأتى مؤسسوه من مختلف ساحات المعارك الجهادية، كان مجموعةً محليّة إلى أن توسع نحو سورية في عام 2013، وأصبح “الدولة الإسلامية” في صيف عام 2014. ومنذ ذلك الحين، سعت إلى تطوير فروعٍ وخلايا في جميع أنحاء المنطقة، وخارجها.

يمكن القول إنَّ (داعش) هي جماعةٌ دولية كاملة تُنافس لاستعادة عباءة الجهاد العالمي من تنظيم القاعدة. العالم اليوم يواجه تهديدًا جهاديًّا عالميًّا ثانيًا لم يواجهه قبل عام 2014، هو تهديدٌ يعمل وفق نموذجٍ مختلف عن نموذج تنظيم القاعدة. (داعش)، على سبيل المثال، تؤكد على الجهاد الطائفي ضد المسلمين الشيعة، والمسيحيين الأقباط، والأقليات الأخرى بطريقةٍ لم يسلكها تنظيم القاعدة.

ما تزال (داعش) أقوى مما كانت قبل تقدمها العسكري في حزيران/ يونيو 2014. وأصبحت أكثر قوةً لأنها تسيطر على الأراضي، الأمر الذي مكّنها من كسب المال، وتجنيد السكان المحليين اعتمادًا على نجاحها العسكري. لقد ضعفت بشكلٍ ملحوظ مقارنةً مع تزايد قوتها بعد أن استولت على ثلث العراق، ونصف سورية.

لكنْ مقارنةً مع ما كانت عليه قبل ذلك الحين، لا تزال (داعش) تهديدًا قويًا ومهمًا وكبيرًا على كلٍّ من العراق وسورية. ومع أنها جماعةٌ متمردة محلية، لكنها امتلكت الآن شبكة أكبر منذ أن توسعت في أراض كثيرة في البلدين. ولم تُصب بناها الداخلية سوى بأضرارٍ طفيفة، إن لم تكن تعزّزت. ما تزال الجماعة تسيطر على عدّة معاقل في كلا البلدين، وما تزال القوات العراقية غير قادرةٍ على استعادة تلك المعاقل من دون دعمٍ جوي أميركي وثيق، وهو مؤشر عل أن الجماعة ما زالت قوةً عسكرية؛ ومن المرجح أنْ تستمر (داعش) بالسيطرة على بعض الأراضي جيدًا حتى الذكرى الرابعة لما تسميه الخلافة، في مثل هذا الوقت من العام المقبل.

يتوقع مسؤولون أميركيون أنَّ الحرب في الرقة ستستمر إلى نهاية العام، والعملية المعقدة لطردها من دير الزور سوف تستغرق الوقت نفسه تقريبًا. الولايات المتحدة على خلافٍ مع النظام السوري، وحلفائه الإيرانيين والروس حول من سيقاتل في مدينة دير الزور، أو في أي المناطق.

معاقل (داعش) في الأنبار، والتي ربما من السهل استعادتها، من المرجح أن تظلَّ مخابئًا، يمكن للمنظمة أن تعمل وتطلق الهجمات منها. هذه المناطق الحدودية، والتي يمكن وصفها بأنها “العاصمة الثالثة” للجماعة بعد الموصل، والرقة، حيث تلعب دورًا رئيسًا في استراتيجيتها من عمليات كرٍّ وفرٍّ لمرحلة ما بعد الخلافة. كما كانت تلك المناطق التي بدأت منها (داعش) بالتوسع إلى معظم أنحاء العراق وسورية في عام 2014. أخيرًا، فإنّه يجدر الأخذ في الحسبان أنَّ (داعش) قد كلّفت كلًّا من العراق وسورية غاليًا من حيث التنمية الاقتصادية. وبينما ستجلب هزيمتها الخير للمجتمعات المتضررة، وتشجع الآمال لبدايةٍ جديدة، جلبت (داعش) دمارًا شاملًا للبنية التحتية، وللنسيج الاجتماعي لمناطق كثيرة. في نهاية المطاف، ستزول النشوة، وسيبدأ الواقع الكئيب من الصراعات، والتوترات في العراق وسورية بالظهور من جديد.

التفاؤل في غير محله الذي يرافق الإرهاق الذي يلي الحروب بطبيعة الحال، يمكن أن يؤدي إلى سوء تقدير. رحّبَ الناس بتحررهم من (داعش)، لكن الواقع الذي سمح بصعودها في عام 2014 ما زال باقيًا، لا بل ازداد سوءًا. وبعد، فالعودة إلى الحلقة نفسها ليست حتميًّا. هناك فرصة مفتوحة للمجتمعات المحلية للابتعاد عن دائرة العنف، لكنّ هذا ليس دعوةً للتدّخل من قبل السياسيين الوطنيين، والميليشيات التابعة للحكومة، كما أنَّها ليست فرصةً دائمة.

كتهديدٍ، فقد تمَّ احتواء (داعش) إلى حدٍّ كبير. احتمال التوسع غير القابل للسيطرة عليه مثلما حدث في أعقاب إعلانها عن خلافتها، هو أمرٌ بعيد المنال. وهذا لا يعني أنَّ (داعش) انتهت. وإنما يعني، على الرغم من ذلك، أنّ العالم لديه الآن فرصة لمزيد من التفكير حول الأسباب الأساسية لنشوء مثل هذه الجماعات، وكيفية اقتلاعها.

تميل الجماعات المتطرفة إلى أنْ تكون أكثر نشاطًا من الحكومات في الطريقة التي يستغلون بها المظالم المحلية. لقد برهنت (داعش) أيضًا عن تكيّفٍ أكثر من قوات الأمن في مواجهة الوقائع المتغيرة. راجعت بسرعةٍ دعايتها عندما خسرت دابق، وغيّرت قواعد اللعبة. كانت دابق فرصةً ضائعة، وكانت الموصل أيضًا فرصةً ضائعة.

وكعمليةٍ عسكرية، كانت معركة الموصل مثيرةً للإعجاب. للمرّة الأولى، قاتلت قوات البيشمركة إلى جانب القوات العراقية، وبقيت الميليشيات الطائفية بعيدةً إلى حدٍّ كبير عن القتال داخل المدينة. لكن هذه العملية يمكن أنْ تحقق أكثر من ذلك. أتاحت كلٌّ من الموصل والرقة الفرصة، نظرًا إلى القضايا السياسية الخلافية المحيطة بالمدينتين، لرسم خارطة طريق سياسية واضحةٍ، لعراق وسورية جديدين. في كلتا المدينتين، كان لدى الولايات المتحدة والحلفاء فرصة لأن يؤدوا دورًا كبيرًا في المحادثات عما ينبغي أن يأتي، بعد أن ساعدوا في تحرير هذه المناطق من (داعش). بدلًا من ذلك، الخوف هو من أنّ قضايا الانقسام الطائفي نفسها، والفساد الحكومي، وعدم الكفاءة سوف تسود، أي الظروف نفسها التي سمحت بصعود (داعش) في المقام الأول.

اسم المقال الأصلي Isis may be on its knees but it will rise again if we don’t break the cycle الكاتب حسان حسان، Hassan Hassan مكان وتاريخ النشر الغارديان، The guardian، 15/7 رابط المقالة https://www.theguardian.com/world/2017/jul/15/isis-rise-again-defeat-mosul-islamic-state ترجمة أحمد عيشة


المصدر