نيو يورك تايمز: هدية ترامب لبوتين في الشرق الأوسط


أحمد عيشة

على مدى الشهرين الماضيين، في الوقت نفسه الذي كانت فيه قواتٌ مدربة أميركيًا تطرد مسلحي “تنظيم الدولة الإسلامية” من الموصل، كانت الحرب، في البلد المجاور سورية، تأخذ دورًا أو شكلًا خطيرًا، لكنه غير ملحوظٍ إلى حدٍ كبير، حرب مواتية أكثر لطموحات روسيا في إعادة كسب موقع نفوذٍ واسعٍ في الشرق الأوسط.

أولًا، زلةٌ كبيرة للرئيس ترامب ساعدت السعودية على قسم التحالف السني الذي كان يُفترض أن يقاتل ضد “الدولة الإسلامية”، لدرجة أنَّ قطر وتركيا تقاربتا أكثر، وتعاطتا بانفتاحٍ تجاه تعاونٍ مع إيران وروسيا. وفي وقتٍ لاحق، عندما التقى السيد ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألمانيا، سلَّم الرئيس الأميركي تقريبًا مفاتيحَ المنطقة لخصمه، من خلال الموافقة على وقف إطلاق النار في سورية؛ ما يكرس وجودًا دائمًا للنفوذ الروسي في ذلك الصراع، ويعزز فقط احتمال نفوذٍ أوسع في المنطقة.

وحيث إنَّ دائرة السيد ترامب الداخلية، في كثير من الأحيان، تكون على خلافٍ مع بعضها، والرئيس يمضي بطريقته الخاصة التي لا يمكن التنبؤ بها، يبدو أن السيد بوتين لن يفوّت أبدًا أيّ فرصة لتوسيع وجود روسيا في المنطقة؛ وهذا ما ساعد في طمس الحدود القديمة من الانقسام الطائفي بين الدول السنية والشيعية، وأدى إلى تعقيد الموقف الاستراتيجي للولايات المتحدة.

بالتأكيد، أرسل السيد ترامب وزيرَ خارجيته ريكس تيلرسون، إلى المنطقة لترتيب الفوضى. لكن بين الملوك في الشرق الأوسط، لا يمكن لصوت تابعٍ التراجع عن الأضرار التي وقعت بالفعل، بسبب تغريدات سيده.

وقع الخطأ الأكثر بشاعة، بطبيعة الحال، عندما وبّخ السيد ترامب قطر، وساعد في عزلها لكسب ودّ المملكةِ العربية السعودية، منافسِ قطر في المنطقة؛ قسمت هذه الخطوة بفاعلية التحالف السني إلى معسكرين: قطر وتركيا. والدولتان كلتاهما مهمتان بالنسبة للوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ومستبعدتان عن محور تقوده الولايات المتحدة والسعودية، ويشمل دول الخليج الأخرى، ومصر والأردن.

قادة مجموعة ثالثة لها علاقات مع الغرب -الكويت وسلطنة عمان والعراق- كانت ردّة فعلها حذرة.

قادة عسكريون روس، في مؤتمر صحفي في حزيران/ يونيو، حول الحرب في سورية. فاديم سفيتسكي/ المكتب الصحفي للقوات المسلحة الروسية، عبر تاس، عبر صور جيتي

صار واضحًا إلى أي مدى وصل شعور روسيا المتحمسة حديثا، في يوم 19 حزيران/ يونيو، عندما ردّت على إسقاط الأميركيين طائرةً مقاتلة سورية، بأن أعلنت سوريةَ الغربية -بحكم الأمر الواقع- منطقةَ حظرٍ جوي على طائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. أعلنت عن هذه النتيجة بسرعة، كذلك أدت إلى اتفاقٍ في ألمانيا، أُعلن فيه عن وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، وقد رحب الرئيس ترامب بالاتفاق، ببساطةٍ تصل إلى حدّ السذاجة، وذلك كإشارة على أنَّ الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن تعملا معًا.

بدلا من ذلك، كان ينبغي عليه أن يسأل لماذا روسيا مهتمة جدًا في المنطقة الآن. الجواب: فكر في مقدار تدفق النفط من الخليج الفارسي، والصحاري العربية إلى الغرب؛ بالنسبة إلى روسيا، وهذا وحده يجعل دول المنطقة إما منافسين أو شركاء لها، وكون النفط هو المورد المعقول الذي يعلق عليه السيد بوتين الآمالَ؛ لاستعادة مكانة روسيا كقوةٍ عالمية قادرة على تحدي الولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى ذلك، إذا كان على روسيا أن تصبح حاميةً أو مزودًا للعتاد العسكري لمعركة أنظمة الشرق الأوسط مثل تلك الموجودة في تركيا وإيران؛ فإن وصولها إلى المياه الدافئة المفتوحة للبحر المتوسط والخليج الفارسي أمرٌ حاسم ليس فقط عسكريًا، ولكن أيضًا لتدفق إمدادات الطاقة العالمية.

وهكذا، بعد أن قدّمت الحرب في سورية للسيد بوتين موطئ قدمٍ في الشرق الأوسط، لم تعد اهتماماته مقتصرةً عليها (سورية)؛ إذ أقام بالفعل شراكة عملٍ استراتيجية مع إيران، وتفاهمًا مشتركًا على نحوٍ متزايد مع تركيا.

كما أنَّ إدارة ترامب قدمت لبوتين وسائل ليحلم أكثر، قدمت له فرصةً لقيادة تحالفٍ واسع النطاق مع دولٍ حذرة من المحور السعودي-الأميركي. وهذا لا يشمل الدول السنية: قطر وتركيا فقط، بل يشمل أيضًا إيرانَ الشيعية، وأصدقاءها الإقليميين، والعراقَ ذا الأغلبية الشيعية، ومن المحتمل أن يشمل عُمان (التي تمارس غالبيتها شكلًا ثالثًا من الإسلام: الإباضية).

معًا، يمكن لهذه البلدان أن تشكّل وتمارس قوةً كبيرة في المنطقة، وفي أسواق الطاقة العالمية. وتقاربهم يرفع أيضًا من احتمال الجمع بين السكان الشيعة والسنة، وراء مستقبلٍ لجماعة الإخوان المسلمين، الباقية على قيد الحياة من بين مجموعةٍ واسعة من الأشكال السياسية اليوم للإسلام، وما زالت لديها قوة في كثيرٍ من أنحاء العالم العربي. ما تزال هذه الحركة شعبيةً، على نطاق واسع في المنطقة، لكنها محظورة داخل دول المحور السعودي-الأميركي. مع احتمالات من هذا القبيل، من الواضح أنَّ نجم بوتين في المنطقة بحالة صعود.

كيف حدث هذا؟ اعتُبر دعم السيد ترامب المفتوح للمملكة العربية السعودية وحلفائها ضد قطر، بمثابة تحذيرٍ لتركيا والعراق وعُمان، بأنهم أيضًا يمكن أن يواجهوا النبذ ​​من قبل السعوديين -وأميركا- إن اتهمهم السعوديون بدعم التطرف، أو بأنّهم على علاقاتٍ وديّة مع إيران.

في الواقع، لقد اختلفت تركيا وقطر مع واشنطن والرياض، حول كيفية مواجهة قوات “الدولة الإسلامية”، في الوقت الذي تساعد فيه الدولتان المتمردين السوريين في محاولة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد الذي تحميه روسيا وإيران.

على الرغم من انتقاد دور إيران في الصراع حتى الآن، فقد بدأت قطر وتركيا النظر إلى سورية من خلال عدسة مقاومتهم إلى الكتلة التي تقودها السعودية. وهذا لا يبشر بالخير، بالنسبة للتأمل في نزع فتيل الحرب السورية. بل من المرجح أكثر أنْ يصلّب التحالف الذي تقوده روسيا.

لربما تأمل واشنطن أن يكون هناك مسارٌ لوساطةٍ ومصالحة سريعتين، لكنَّ قطر ليست على وشك أن ترفع الراية البيضاء. في الواقع، كانت ردة فعلها الفورية البحث عن -والحصول على-  دعمٍ من تركيا وإيران. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرّر عبر البرلمان مشروع القانون الذي يتيح لتركيا نشر قواتٍ في سورية، وبدأت إيران بالنقل الجوي للغذاء، وأتاحت لقطر الوصول إلى ثلاثة موانئ إيرانية، للالتفاف على الحصار السعودي-الأميركي.

روسيا وافقت أيضًا، بسرعة على تقديم المساعدة بعد أن زار وزير خارجية قطر موسكو، وفي الوقت نفسه، تواصل في جذب تركيا إلى التعاون مع إيران في سورية.

بوضوح، تصرف الرئيس ترامب، من دون فهم تعقيدات السياسة في الشرق الأوسط. كيف بسرعة تشابكت تلك السياسات مع سياسات قوة عظمى، وكيف أثرت إجراءاته بعمقٍ فيها.

الآن، يواجه المهمة الصعبة بمنع السيد بوتين من إبعاد تركيا عن حلفائها في حلف شمال الأطلسي، بينما توسع روسيا نفوذها في الشرق الأوسط. ولن يتحقق ذلك من خلال تصعيد الصراع في سورية، ودعم المملكة العربية السعودية ضد قطر. وبدلًا من ذلك، يجب على الولايات المتحدة، بسرعة، إنهاء الخلاف بين السنة، من خلال الوقوف بعيدًا عن أيّ طرفٍ، والعودة إلى دورها التقليدي كوسيطٍ نزيه بين حلفائها. في هذه العملية، لا بد لإدارة ترامب من أن تدرك أنَّ أميركا بحاجةٍ إلى كل القوى في المنطقة حتى تتعاون، إذا كان عليها أن تبعد روسيا، وهي تسعى لإخضاع “الدولة الإسلامية”، وإنهاء الصراعات المشتعلة في سورية والعراق.

هذا يوصل إلى مهمة مشؤومة، ويجعلها أكثر صعوبة، من خلال التحركات المفاجئة سيئة التقدير المعتمدة على الاندفاع أكثر من التفكير العميق والمشورة الحكيمة.

اسم المقالة الأصلي Trump’s Gift to Putin in the Mideast الكاتب* والي نصر، Vali R. Nasr مكان النشر وتاريخه نيو يورك تايمز، The New York Times، 17/7 رابط المقالة https://www.nytimes.com/2017/07/17/opinion/trump-putin-middle-east.html ترجمة أحمد عيشة

*: كاتب أميركي من أصل إيراني، عميد كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، ومؤلف كتاب (انبعاث الشيعة: كيف ستحدد النزاعات داخل الإسلام ملامح المستقبل).




المصدر