“نقابة الأطباء السوريين” تدخل على خط “تسوية الأوضاع”


عملَ نظام الأسد منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة على ملاحقة الكوادر الطبية المساهمة في علاج المعارضين، وأصدر قانوناً يجرّم تقديم الرعاية الطبية لأيّ منهم، وكان نصيب المخالفين القتل أو الملاحقة، فسقط أولهم في درعا وهو الطبيب علي المحاميد بتاريخ 22 آذار 2011 أي خلال الأسبوع الأول من الثورة، ليتواصل بعدها مسلسل نزيف الأطباء في سوريا خلال الأعوام اللاحقة ويتحول العدد الأكبر منهم إلى مطلوب أو معتقل أو مهجر.

وخلال هذه الفترة كانت “نقابة الأطباء السوريين” واحدة من المؤسسات التي تمثل أذرعاً للنظام لتنفيذ غاياته “الانتقامية”.

ووفق تصريحات صحفية سابقة نقلتها مواقع موالية اعترف نقيب الأطباء في حكومة النظام الطبيب “عبد القادر حسن” بشطب نقابته لقيود عشرة آلاف طبيب من المنتسبين اليها، بسبب سفرهم خارج القطر، أو مخالفتهم للقوانين إضافة إلى إغلاق عشرات العيادات الخاصة في البلاد.

وتشير تقديرات سابقة لوزارة الصحة في حكومة النظام إلى وجود حوالي 31 ألف طبيب في سوريا قبل الثورة، ما يعني خسارة نصفهم تقريباً بسبب الهجرة أو الاعتقال والتهجير والقتل.

ويضاف إلى هذه الأرقام توثيق أطباء يعملون في مجال حقوق الانسان مقتل 738  طبيباً وممرضاً وعاملاً في المجال الطبي حتى منتصف العام 2016، في أكثر من 360 هجوماً على المرافق الطبية، حيث حمّلت مجموعة حقوق الإنسان المستقلة النظام وحليفته روسيا، المسؤولية عما يزيد عن 90% من هذه الهجمات.

وأمام هذا الواقع والخسائر الكبيرة التي مني بها القطاع الطبي بشرياً على مدى السنوات السابقة زعم نقيب الأطباء، عبد القادر حسن، خلال مؤتمر اتحاد الأطباء العرب الذي حضره مؤخراً، أنّ نقابته مستعدة لإعادة أي طبيب كان يتعامل مع ما أسماهم “المسلحين”، بعد تسوية وضعه، هذه الدعوة رآها البعض نتيجة لحاجة يمرّ بها النظام ومحاولة يائسة لاستدراك نقص الكوادر الطبية بعد الإمعان في إرهابها، بينما اعتبرها آخرون فرصة لعودة الأطباء الذين تركوا ديارهم نتيجة وجودهم في ظروف استثنائية.

أهداف

 

وحول هدف النظام من هذا الإعلان، وإمكانية استجابة الأطباء له رأى الطبيب خالد المحمد أنّ هذه الدعوة “ليست إلا مجرد دعاية إعلامية بات يرددها النظام مؤخراً للإيحاء بانتصاره”، مشيراً في الوقت ذاته إلى “محاولة الضغط النفسي على هؤلاء الأطباء لإجبارهم على العودة أو إلغاء قيود شهاداتهم مستقبلاً”.

ويرى المحمد أنّ مثل هذه الدعوات تعكس الحالة التي تعيشها المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من انعدام الكفاءات نتيجة الهجرة، وإحجام الذين خرجوا في بعثات علمية من سوريا عن العودة.

وأقرّ الطبيب المقيم حاليا ًفي مدينة أنطاكيا التركية بأن أكثر من 80% من الأطباء قد غادروا البلاد بغية الاستقرار والعمل خارج سوريا، لأنّ الحياة داخل الأراضي السورية أصبحت صعبة، حيث حاول العديد منهم الوصول إلى مناطق آمنة مثل أوربا وكندا وتركيا آملاً بمتابعة تخصصهم وتحسين ظروف معيشتهم.

وندد الطبيب بالعقلية التي يتبعها النظام في معاملة الأطباء وتجريمهم منذ بداية الثورة لمجرد إنقاذ حياة الناس، موضحاً أن العديد من هؤلاء نفذوا مهمتهم وفاءً لواجبهم المهني والإنساني وبعيداً عن أية خلفية سياسية.

 

الحلقة الأضعف

 

يعاني الأطباء الذين يعملون في مناطق النظام حالياً من جملة من المصاعب أهمها التهديد الأمني و”التشبيح”، وتدخل الجهات النافذة في عملهم، بالإضافة إلى المحسوبيات وتسليم المشافي لجهات تغيب عنها الكفاءة العلمية، فضلاً عن تراجع التقنيات العلمية الحديثة، وفقدان أدوية معينة، وانعدامها في بعض الأحيان.

وعرضت “شبكة أخبار اللاذقية” الموالية للنظام مؤخراً على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” خبر إضراب أطباء مستشفى “تشرين الجامعي” لعدة ساعات، في قسمي الجراحة والداخلية، بسبب اعتداء من أسموه “أحد المتنفذين” بالشتم والضرب على طبيب وبعض العاملين في قسم الإسعاف في المستشفى.

هذه الحادثة باتت تتكرر كثيراً مع السماح لعناصر ميليشيات النظام بالدخول إلى المشافي، والعجز عن وضع حد لحالة التسيب التي تعيشها المرافق الصحية، ما أدى لظهور العديد من الشكاوى في هذه المجال سواء من الكادر نفسه أو من المواطنين.

ويؤكد أحد الناشطين من مدينة اللاذقية، مفضلاً عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، أنه وعلى الرغم من افتتاح مشفى “تشرين الجامعي” منذ عام 2011 وأمل أهالي اللاذقية بتحسن وضعهم نتيجة الزحام الكبير في المشفى الوطني، إلا أن ذلك لم يحصل وذلك بسبب الواسطات “فالطابور دائماً يتكون من دورين أحدهما للعكسريين وأصحاب السلطة وهو من يتحرك دائماً، أما المواطنون العاديون فهم على قائمة الانتظار الطويلة”.

ويضيف الناشط “تخيل أن مشفى لم يمضِ أكثر من 6 سنوات على افتتاحه تجد معظم أقسامه مغلقة للصيانة، والمخابر تغلق أبوابها قبل منتصف الظهيرة، والأطباء المناوبون إما لا يأتون أو لا يخرجون لمعالجة الناس، اللهمّ إلا إذا وصلت إحدى الشخصيات المهمة أو أقرباؤها”.

أخطاء بالجملة

 “في الحرب كل شيء مسموح” مقولة أنهت وفق رأي البعض الرقابة على عمل المشافي الحكومية والخاصة في مناطق النظام، وجعلت الأخطاء وإن كانت تؤدي للموت مبررّة.

قصص من الإهمال والمبالاة لا تنتهي يتحدث عنها من عايشها، كانت إحداها لامرأة في دمشق ترددت قصتها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد وفاتها في مشفى المهايني بدمشق أثناء إجراءها عملية ولادة قيصرية، وكان ذلك “عقب نزيف حاد لم يستطع الأطباء إيقافه ولا تعويضه، لعدم وجود أكياس دم كافية في المشفى”.

وتكثر الشكاوى في هذا المجال، فقبل أيام قليلة فنّدَ أحد الإعلاميين الموالين في حمص تقريراً على “القناة الفضائية السورية” التابعة للنظام حول الخدمات التي تقدمها المشافي للمواطنين، وأظهر التقرير وزير الصحة في حكومة النظام وهو يتفقد وضع المشافي، ليتبعه الإعلامي في تقرير مصور من داخل المشفى نفسه ويوضح الجزء الآخر من الحقيقة عن سوء المعاملة وقلة النظافة وانعدام الأطباء والأدوية.



صدى الشام