ورشة عمل في إسطنبول “حوار الإسلاميين والعلمانيين في سورية”


إيفا رشدوني

انطلقت في مدينة إسطنبول الجولة الأولى من ورشة عمل “حوار الإسلاميين والعلمانيين في سورية” التي أقيمت يومي 18 و19 تموز/ يوليو الجاري، ضمن مبادرة “حوار” التي أطلقها (مركز جسور) للدراسات، بهدف تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطياف السياسية السورية، وتعزيز قيم الحوار والمشاركة فيما بينهم.

شارك في الورشة عدد من الشخصيات الوطنية المعارضة والنُخب الفكرية، إلى جانب عدة مراكز أبحاث ودراسات سورية، كمركز (حرمون) للدراسات المعاصرة ومركز (الشرق) للدراسات.

استعرضت الورشة، في جلسات اليوم الأول، أسس الخلافات الكامنة بين التيارين الإسلامي والعلماني، وناقشت محورين أساسيين، ففي جلستها الصباحية تطرقت إلى محور دور الدين في حياة السوريين العامة، ومن خلالها انتقلت إلى المحور الثاني، في جلستها المسائية، عن موقع الدين كمصدر للتشريع في دستور سورية المستقبل.

بدأت جلسات اليوم الأول، بكلمة الافتتاح ألقاها مدير مركز (جسور)، محمد سرميني، عرض خلالها السياق التاريخي للممارسة السياسية لمختلف التيارات الفاعلة في سورية، في ظلّ الاستبداد واحتكار “حزب البعث” للسلطة وهيمنته على المجتمع.

أغنت مشاركات الحضور الجلسة، حيث اتفقوا خلالها على حتمية الاختلاف في وجهات النظر، باعتباره الانعكاس الطبيعي لتنوع المجتمع السوري، وانتقلوا من مناقشة دور الدين في حياة السوريين بشكل عام إلى مناقشة دور الدين (الإسلامي) في انعكاسه السياسي دون التطرق إلى مفهومه العقائدي.

وكان لمركز (حرمون) دور بارز في مواجهة مكامن الخلاف بين التيارين الفكريين من خلال مشاركات د. حازم نهار، ود. عبد الله تركماني، وقد أكّدا على ضرورة حياد جهاز الدولة وعدم جواز إلصاق أيّ صفة بها، سواء كانت دينية أو عرقية أو حزبية. فالدولة شأن عام، وعليها أنْ تتسع لجميع السوريين بمختلف انتماءاتهم الأيديولوجية والإثنية والطائفية، و “لا هوية للدولة”، بحسب تعبير نهار، وقال إن الهوية “من شأن المجتمعات لا أجهزة الدولة”، وأشار إلى ضرورة مراجعة توصيف الهوية الوطنية أيضًا، لأنها “تشكّلت في ظلّ بيئة استبدادية أدّت إلى تشوه الرؤى، وأنتجت هوية قهرية لم تُعبر بالضرورة عن حقيقة السوريين”، وأوضح أن مخاوف كلا التيارين تكمن في ثنائية الخوف من الإسلام والخوف عليه.

من جهته، رأى د. تركماني أنّ التطمينات واجبة من كِلا الفريقين تجاه الآخر، وأول خطوة نحو ذلك “تكمن في فصل الدين عن السلطة والدولة على حدّ سواء، مع عدم محاربتها في المجتمع، فبذلك تتبدد مخاوف الإسلاميين من اندثار قيم دينهم من المجتمع، ويضمن العلمانيون عدم تسلّط الدين على مفاصل الحياة الدستورية للشعب”.

بينما رأى د. رامي دالاتي، مدير قسم الدراسات الدينية في مركز (جسور)، أنّه لا يُمكن فصل الدين عن الدولة، إذ من واجب الدولة أنْ تكون انعكاسًا للمجتمع، والذي يُعدّ مجتمعًا محافظًا ومسلمًا بغالبه، وأنّه لا يُمكن تجاوز قضية التشريع الأساسية في عقيدة المسلم، والمتحكمة بجميع جوانب حياته الروحية والاجتماعية على حدٍّ سواء. وأضاف أنّ أزمة الانعتاق من الدين هي أزمة النخب الفكرية لا القاعدة الجماهيرية لعموم السوريين.

وكان لكل من د. برهان غليون، ود. عبد الباسط سيدا رأي مختلف، تمثّل بأنه لا أحد يملك رفاهية تناول قضايا إشكالية ومعقدة إلى هذه الدرجة في ظلّ ضياع وطن وتشريد شعبه في أصقاع العالم، وأشار إلى وجود أولويات يجب الاستجابة لها، كإسقاط نظام الاستبداد أولًا وحلّ مشكلات اللاجئين في مختلف بلدان وجودهم، ومن ثمّ الانتقال إلى خوض نقاشات حول شكل الدولة ودينها.

وخلال الجلسة المسائية، طرح محمد سرميني (مدير المركز) جملة أسئلة، تمحورت حول دستور سورية لعام 1950، الذي جاء الفقه الإسلامي مصدرًا للتشريع فيه، وحدّد دين رئيس الدولة بالإسلام، وفيما إذا كان الإسلاميون يكتفون بهذا القدر من المنجزات أم يطمحون لما هو أكثر من ذلك؟ وهل توافق الأقليات “العلمانية بأغلبها” على هذا الدستور، وتقبل برؤيته لموقع الدين في الحريات العامة؟ وضمان حقوقهم أم يعتبر ذلك تجاوزًا من جانب الأغلبية على حقوق الأقليات؟

وفي هذه الجلسة، قال تركماني: “لا يُمكننا أنْ نفصل أنفسنا عن المحيط الدولي وعن المعايير المعتمدة عالميًا، في ما يخص الأنظمة والدساتير، لذلك مراعاتنا لهذه التغيرات واجبة وإلاّ أصبحنا خارج التاريخ”.

من جانبه أكّد ياسين حاج صالح على وجود أزمة ثقة بين الطرفين، وانعدامها لديه نتيجة تجربته المؤلمة معهم من خلال اختطاف “القوى الإسلامية” زوجته سميرة الخليل مع عدد من زملائها الذين كانوا يرصدون انتهاكات الفصائل المسلحة بحق المدنيين في منطقة دوما. إضافة إلى اختطاف أخيه خالد حاج صالح من قبل (داعش)، ويرى صالح أنّ كلّ هذه التيارات تنحدر من العائلة الفكرية والعقائدية نفسها. ويختصر الصراع القائم بقوله: “مشكلتنا مع أفكارهم ونهجهم في السياسة، أما مشكلتهم معنا فهي في وجودنا”، بحسب تعبيره.

من جهته، أكّد سمير نشار على ما ذهب إليه الحاج صالح، وقال إن جميع التيارات الإسلامية تنحدر من العائلة الفكرية والاستبدادية نفسها، وأنّ خلافاتهم الظاهرة تنبع من اختلاف مصالحهم على الأرض فقط، لا من اختلاف رؤاهم الفكرية، وأنّ مشروعهم السياسي والثوري مختلف عن مشروع باقي الشعب الحر، إذ إنّهم خرجوا في الثورة من أجل الجهاد في سبيل الله، أمّا الشعب السوري فخرج في سبيل الحرية من نظام الاستبداد، وفي سبيل الكرامة المفقودة بظلّ نظام الأسد.

ورأى د. أحمد طعمة أنّ المشروع الإسلامي يهدف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية على مستوى الدولة والمجتمع، وأنّ جميع المشاريع المطروحة على اختلاف جماعاتها ستذهب بنا إلى دولة دينية، شئنا أم أبينا. لذلك يجب أنْ نكون على بينة من هذه الحقيقة، وإلا أخذت مناقشاتنا شكل الجدل البيزنطي.

كذلك أوصى عبد الأحد صطيفو بتعريف الهوية السورية أولًا، عطفًا على مداخلة نهار في الجلسة الأولى، ودعا من ثمّ إلى الانتقال إلى مناقشة شكل الدولة المرتقب والدستور المأمول الذي سيكون بالضرورة انعكاسًا لهذه الهوية المُعرفة والمُعتمدة من قبل السوريين.

وكان لميشيل كيلو مداخلة انطلق فيها من تعريف جهاز الدولة بأنّه “شأن عام تتعيّن بتعاقدات إنسانية واقتصادية وسياسية، ليست مقدّسة وقابلة للتطور الدائم”، وانطلاقًا من هذا التعريف لا يجوز برأيه “إرفاق أيّ شكل من أشكال التدين على شكل الدولة”، إذ نكون حرفنا ماهية هذا الجهاز من شأن عام إلى شأن خاص، خاص بالمسلمين فقط، وأصبغنا عليه صفة الثبات والديمومة، الأمر الذي يتنافى مع المنطق البشري ومع صيرورة التاريخ والتطور.

وأكّد كيلو على أنّ المجتمعات تعيش وتزدهر بالقدر الذي تستطيع فيه أنْ تتعايش مع اختلافاتها وبقدر تنظيم خلافاتها، وأن “الاختلاف والخلاف حقّ مشروع وحالة طبيعية في المجتمعات المتطورة، وإلا كنا قطعانًا لا شعبًا”، بحسب وصفه.

بينما رأى ماهر علوش أنّ الدولة التي لا هوية لها، هي دولة بلا قيم، وعلى الدولة -من منظوره الخاص- أنْ تعزّز دور الدين في المجتمع أيضًا، في حين قال نهار: إنّ دور تعزيز الدين في المجتمع يقع على دور منظمات المجتمع المدني لا على أجهزة الدولة.

وعرضت الورشة في يومها التالي أمس (الأربعاء) لمحوري التيارات الإسلامية والتيارات العلمانية ودورها في مستقبل سورية، وآفاق العمل السياسي المشترك في ما بينهم.




المصدر