وقف إطلاق النار جنوب غرب سوريا والخيارات الأمريكية


قادت القوات الأردنية في السنوات الأخيرة وبمساعدة الولايات المتحدة عمليات جوية وبرية ضد مسلحين تابعين لـ"القاعدة" وتنظيم "الدولة الإسلامية" من أجل ضمان استمرار الهدوء في الأراضي الخاضعة لسيطرة المعارضة والقريبة من حدودها.

ومؤخراً ازداد قلق الأردن من أن تتّجه الميليشيات الشيعية الموالية لنظام الأسد والمدعومة من إيران جنوباً. وتريد إسرائيل والأردن منع إيران من إنشاء موطئ قدمٍ لها على الحدود.

لذلك فقد وجدت الأردن أن من شأن الاتفاق الذي وقّع بين روسيا وأمريكا والأردن والقاضي بوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا في 7 يوليو/ تموز الحالي فرصة للحيلولة دون انتشار القوات الموالية لإيران.

إلا أنّ الأحداث السابقة تشير إلى أنّ الميليشيات المدعومة من إيران لم تكن ملزمة بالصفقات الروسية. وكما حصل في شرق سوريا، فإذا عمدت إيران ووكلاءها إلى نشر قواتهم في هذه المنطقة، فإن مثل هذا التطور قد يثير رداً من الولايات المتحدة أو إسرائيل.

كما ترغب عمان في إعادة فتح الحدود مع سوريا، لكي يتمكن الأردن من استئناف الصادرات إلى أحد أهمّ شركائه التجاريين، وينشّط بذلك اقتصاد المملكة الضعيف. وفي الوقت نفسه، لن يستقبل الأردن المزيد من اللاجئين، في الوقت الذي لديه بالفعل 1.4 مليون لاجئ، على الرغم من أنّه من المحتمل أن يتدفّق المزيد منهم إذا تحرّكت الميليشيات المدعومة من إيران جنوباً.

انتهاكات إيران

في مناسبات عديدة هذا العام، انتهكت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران اتفاقات وقف إطلاق النار التي أعدّها حلفاءها الروس.

ففي كانون الثاني/يناير 2017، على سبيل المثال،  تجاهل كل من نظام الأسد وهذه الميليشيات اتفاقاً روسياً تركياً واستمرّوا في شن هجمات في عدة مناطق في سوريا، ومنها وادي بردى والغوطة والشرقية في ضواحي دمشق.

وفي أيار/مايو، انتهكت الميليشيات الشيعية ما يُسمّى باتفاق تخفيف التوتر المُبرم بين روسيا وتركيا وإيران، بشنّها هجمات في ضواحي حمص وحماة.

وفي الشهر نفسه، أدت الضربات الجوية الأمريكية إلى مقتل عدة عناصر من ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية المدعومة من إيران، بعد أن كان هؤلاء يتقدمون نحو القوات السورية المناهضة لـ"تنظيم الدولة" والمدعومة من الولايات المتحدة في التنف، وهي منطقةٌ "محظورة" أنشأتها موسكو وواشنطن. وخلال هذه الضربات، أفادت بعض التقارير أنّ الطائرات الحربية الأمريكية استهدفت أيضاً الميليشيا اللبنانية "حزب الله"، مما أسفر عن مقتل عدد من عناصره.

ويعيق اتفاق وقف إطلاق النار تقدم الميليشيات الشيعية التي يقودها "حزب الله" حول درعا وجنوب غرب سوريا، لكنه لا يشمل آليات لإخراج هذه القوات.

وإذا ما انتُهك اتفاق وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن يواصل "حزب الله" تقدمه نحو الحدود السورية-الأردنية من دون الحاجة إلى حشد قوى إضافية.

ووفقاً لمصادر موالية لـ"حزب الله"، كانت "كتيبة رضوان"، وهي وحدة القوات الخاصة من النخبة التابعة لـ"حزب الله"، والتي سبق وشاركت في عددٍ من المعارك الكبرى في سوريا، وأهمها في حلب، تستعد لنشر عناصرها في درعا في وقتٍ سابق من هذا الشهر. وإذا ما استأنف "حزب الله" هجومه في درعا، فمن المرجح أن تقود "كتيبة رضوان" هذه العملية.

لكن وقف إطلاق النار الحالي يوفر الوقت للميليشيا "حزب الله" لإعادة لمّ شملها قبل ما يعد بأن يكون معركةً دامية. وعندما يستشعر "حزب الله" وجود ميّزة في خرق اتفاقية وقف إطلاق النار، فالتجارب السابقة تؤكّد أنّه سينتهكها ويهاجم قوات المعارضة في الجنوب.

وقد يسعى "حزب الله" وغيره من الميليشيات الشيعية إلى استغلال هذه الفترة، خاصة نظراً إلى تركيز واشنطن الضيق على ما يبدو على الهجوم في الرقة وتثبيت تحرير الموصل.

وتتمثل أولى أولويات إيران في سوريا في الحفاظ على نظام الأسد وحماية دمشق وضواحيها، واسترجاع دير الزور من "تنظيم الدولة"، وفي نهاية المطاف إنشاء الجسر البري التي تتبجح به بين سوريا والعراق وصولاً إلى لبنان.

وإذا سكتت الولايات المتحدة عن نشر الميليشيات الشيعية في دير الزور، والعمليات في الغوطة الشرقية، وإبعاد قوات المعارضة المتبقية حول دمشق، واحتواء قوات المعارضة في درعا، فقد تتخلى إيران فعلاً عن محاولة الاستيلاء على درعا في الوقت الحالي.

وتهتم إيران بدير الزور أكثر بكثير من الرقة. لأنه على المستوى الاستراتيجي تشكّل منطقة دير الزور موقعاً جوهرياً للجسر البري، إذ تحتوي على حقول الغاز والنفط ومناجم الفوسفات التي يمكن أن تساعد على تعزيز اقتصاد نظام الأسد الذي يواجه تحدياتٍ كبيرة.

خيارات أمريكا

من خلال قيام أمريكا بضرب وحدة لـ"الحشد الشعبي" في التنف في أيار/مايو، أظهرت استعدادها لاستهداف الأصول الإيرانية في سوريا. لكن ليس من الواضح ما إذا كانت الإدارة الأمريكية مستعدة لاستهداف هذه القوات التي تدخل مناطق لا يطرح فيها "تنظيم الدولة" أي مشكلة.

وفي حين تزعم موسكو أنّها ملتزمة بمنع نظام الأسد من انتهاك وقف إطلاق النار في الجنوب، إلّا أنه لا ينبغي بالضرورة الوثوق بروسيا بالوفاء بهذا الوعد أو بمعاقبة إيران وحلفائها على أي مخالفات.

وبالفعل، اعتمدت روسيا حتى الآن مقاربة عدم التدخل تجاه انتهاكات وقف إطلاق النار من قبل إيران ونظام الأسد. بالإضافة إلى ذلك، سمحت روسيا لنظام الأسد بنقل أسلحة استراتيجية إلى "حزب الله" في حين سمحت لإسرائيل أيضاً بمهاجمة هذه الأسلحة على الأراضي السورية.

ولا توجد أدلة كافية تشير إلى أنّ موسكو سوف تغيّر استراتيجيتها وتمنع حلفاءها بشكلٍ فعلي من خرق وقف إطلاق النار. وحتى لو فرضت روسيا وقف إطلاق النار في الجنوب، فإنها يمكن أن تشجع إيران وحلفاءها على مواصلة الهجمات في مناطق أخرى من سوريا.

ونظراً للمخاوف الأمريكية بشأن الاستقرار الأردني، ينبغي على أمريكا إعلام كل من موسكو ودمشق وطهران بأن أي عملية جوية أو برية يشنها النظام أو إيران في منطقة وقف إطلاق النار سوف تُعتبر تهديداً للقوات الأمريكية وستواجَه بالرد الجوي المناسب.

وقد يُقدر لواشنطن وطهران أن تتواجها في الشرق إذا ما واصلت إيران جهودها لبناء الجسر البري من خلال تأمين الحدود السورية مع العراق في الأراضي الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة شرق نهر الفرات.

إنّ الحدّ من انتشار القوات المدعومة من إيران في الجنوب من خلال توجيه ضرباتٍ جوية محدودة قد يجعل إيران أكثر حذراً في الشرق، الأمر الذي يساعد على تجنب التصعيد في تلك المنطقة.

وإذا لم تتّخذ واشنطن مثل هذه الخطوة، فهناك احتمال كبير بأن تقوم إسرائيل بذلك.




المصدر