«أشبال الخلافة» يوثّقون تجاربهم


يستقصي الوثائقي التلفزيوني «أشبال الخلافة» أساليب استقطاب تنظيم «داعش» الأطفال والمراهقين في المناطق التي سيطر عليها واتخذها منطلقاً لتأسيس جيش من صغار السنّ تمّ غسل عقولهم وتغذيتها بأفكاره المتطرفة. وضع التنظيم مخططاً خبيثاً لتجنيد الآلاف منهم وتكليفهم بقتل البشر وتعذيبهم ليتحولوا بعدها إلى «مسخ» بشري منزوع البراءة لا يعرفون سوى الكراهية ولا يلهجون إلا بكلمة «الجهاد»، كما جاء في حديث طفلين سوريين التقى بهم معدو الوثائقي داخل الحدود التركية.
ردّ موسى (12 سنة) وأخوه يوسف (9 سنوات) على أسئلة الصحافي في قناة (آرتي) الألمانية- الفرنسية بايجاز، على رغم انشغالهما برسم صور بالألوان لجانب من حياة مدينتهما دير الزور خلال فترة وجود «داعش» فيها، حيث الأسحلة والموت يطغيان على أغلب مساحاتها. شرحا له الطريقة التي تمّ تجنيدهما بها وكيف كان التنظيم يغويهما بالعيش الرغيد في الجنّة والحصول على كل ما يريدانه.
قال موسى: «كانوا يقدّمون لنا الهدايا والألعاب ويأخذوننا في مشاوير ومن ثم أخذوا يعلموننا بعد انتهاء الصلاة في الجامع كيفية استخدام الأسلحة، ومن يبدي فهماً سريعاً لطريقة عملها ينقلونه إلى معسكر تدريبي سرّي وهناك يتم إعداده كـ «شبل».
سهيب ديري، شاب من المعارضة السورية يفسر جانباً من تجربة الطفلين ويُحيل سبب استغلالهما إلى والدهما الذي لم يكن ينتبه إليهما كفاية فأضحا لقمتين سائغتين للوحوش. «الأطفال، وبسبب خوف الأهالي عليهم من الخروج إلى الشوارع، يكونون أكثر عرضة لمقابلة المتشددين في الطرقات. وهؤلاء بدورهم يستغلّون جهلهم فيقومون ببيعهم الوعود الوهمية بينما يشتغلون فعلياً على تشكيل جيل مستقبلي جديد من «الدواعش» تحسباً لمرحلة ما بعد انهيار دولتهم». ومن ثمّ يعرض على الصحافي مقطعاً مصوراً يوثّق كلامه، كان نشره التنظيم سابقاً ويظهر فيه طفل عمره أربع سنوات أسموه «الشامي» وهو يحاول إطلاق النار من مسدس على أسير مربوط اليدين.
ولكي يأخذ أكبر عيّنة من الأطفال والمراهقين «الأشبال»، يذهب الوثائقي إلى بلدان كثيرة لمقابلة عدد منهم ويستمع إلى شهاداتهم التي تجلي جانباً من تخطيط التنظيم الهمجي لمراحل ما بعد سقوطه. في اليونان شرح «كاسورا» الهارب من التنظيم بعد ثلاث سنوات قضاها في خدمته، طبيعة المهمات التي كُلّف بها، فيقول: «كان عمري حين دخلت التنظيم أربعة عشر عاماً. شجعني للانضمام إليه من سبقني إليه من أطفال الحي. كلفت بمهمة مراقبة المعارضين للتنظيم في الرقة أولاً وبعد فترة تم تعييني ضمن فرق «التمشيط». وشيت بعدد كبير من الرجال وتسببت في مقتلهم أو بتر أعضاء من أجسادهم».
لا يتعرض الأطفال لغسل الدماغ فحسب بل إلى الاستغلال الجنسي، كما في تجربة مراهق أباح بما في داخله حين سأله الصحافي عما يحس به الآن وما إذا كان بقي شيء من الطفولة فيه، «قام أحد الأمراء المتنفذين باغتصابي وخوفاً منه لزمت الصمت. كرهت «الدولة» وقررت الخروج منها».
ومن أجل غرس تعاليمه في أذهانهم، يُركّز قادة التنظيم على التعليم، فكانت شهادة معلمين من تلك المناطق مهمة لفهم آلية غسل عقولهم. المعلم «عمر» من دير الزور يشرح الكيفية التي أبعد «الدواعش» بها المناهج التدريسية المقررة واستبدلوها بمواد أخرى تدعو إلى الجهاد. فيوضح قائلاً: «الزموا المعلمين على تدريس الطلبة محتويات كراساتهم الدعائية إلى جانب تعليم الطلبة أساليب القتال وتجهيز العبوات الناسفة. وعملياً لم يبق عداها سوى دروس الدين».
وعن الأخطار الكامنة للانغمار في تجربة «أشبال الخليفة» يعبّر ريان عن خوفه على أخوين له تركهما تحت حكم «داعش» فيما نجح هو في الهروب وطلب اللجوء إلى ألمانيا.
ويضيف: «حاولت إبعادهما من تأثير دعاية التنظيم فأرسلت لهما مبلغاً وطلبت منهما شراء حاسوب يُلهيهما عما يحيط بهما. بعد مدة اكتشفت أنهما يستخدمان الحاسوب لمشاهدة مواد دعائية تدعو إلى الجهاد وذبح الخصوم من دون رحمة».
يحيل الشاب السوري أحد أسباب سقوط الأطفال في كمائن الوحوش انعدام قنوات التواصل الإخبارية وعزلتهم التامة. فالتنظيم يمنع على الأطفال مشاهدة القنوات التلفزيونية أو «الستلايت» ويحرّم عليهم أي وسيلة ترفيهية فلا يبقى أمامهم سوى دعاية التنظيم يتأثرون بها وينجرّون وراء دعواتها البغيضة.
في تجربة محمد الملقب أبو عباس الرقاوي، جانب آخر من التخطيط. فالتنظيم يحرص على تشجيع الأطفال- وبخاصة من يملكون أصواتاً جميلة- على حفظ الأناشيد الدينية وترديدها أمام بقية الأطفال ليتأثروا بها ويزدادوا حماسة لأفكار التنظيم ودعوته. ويقول في حديثه: «زار البغدادي منطقتنا مرّة وحين سمع صوتي شجعني على الاستمرار وأهداني مسدساً».
يسجّل الوثائقي تفاصيل إضافية عن مخططات «داعش» وتعمّده أساليب جهنمية ترسخ الهمجية والتوحش في عقول الأطفال فيضحى التخلص منها صعباً. وعلى رغم أنه ينتهي بمشهد يعبّر فيه الطفلان السوريان عن رغبتهما في العودة إلى وطنهما، يبقى السؤال الآخر المضمر الذي يثيره الوثائقي يدور حول إمكان تخليص الأطفال مما رُسّخ في أذهانهم. فهل يمكن تخليضهم من العُقد النفسية التي تشكلت داخلهم خلال سنوات مارسوا فيها أفعالاً شنيعة وعاينوا بأعينهم مشاهد قتل وتعذيب مخيفة؟!



صدى الشام