حقًا العنصرية لا توجد بالصدفة


جيرون

مرة أخرى تُسجل العقلية والسلوك نحو السوريين في لبنان، وفي أماكن النزوح واللجوء العربي، تحديدًا متميزًا لإطار النيل من كرامتهم وصولًا إلى القتل. بصرف النظر عما حمله الفيلم الأخير لعملية تعذيب شاب سوري في لبنان، وما قيل في حقه وحق كل السوريين من شتائم؛ فإن ما قيل يعبّر تعبيرًا دقيقًا عن واقع الذهنية التي رسخت في “لبنان الشقيق”، في عصر سيطرة الطائفية العنصرية نحو السوريين، وما بذره الأسد الأب والابن في المجتمع السوري له بذار مماثل في الجانب اللبناني، تسقيها نزعة شوفينية عنصرية.

عملية التعمية العنصرية، على اللاجئين السوريين في لبنان، تحافظ على أيديولوجيا طائفية شبيهة بتلك المستخدمة عليهم في وطنهم من قبل نظام مجرم، لقد وجد السوري نفورًا عربيًا رسميًا عقابًا لنزوحه، نفورًا لا علاقة له ببنى مجتمعية جاهزة لتقبل ممارسة العنصرية، لولا التغذية القسرية لها من سلطات رسمية، وهو حال تغذية النظام السوري لأذرعه وحوامله الاجتماعية والأمنية للتخلص من معارضيه، ولا شك أن العنصرية الوليدة، على جسد السوريين في أماكن النزوح، لم تعد كلاسيكية الطابع الذي نعرفه أو سمعنا عنه في مجتمعات غير عربية.

تعاظم السلوك العنصري، ضد اللاجئين السوريين، لم يكن وليد الصدفة بقدر ما نبتت بذار التحريض في أرضية خصبة مع تبخر كل الشعارات، استحضر بدلًا منها مفهوم “الأمن والإرهاب والاقتصاد”، لتغدو منطلقًا لهجوم أوسع يعبر عنه بأنماط السلوك المتبع في السياسة والأمن تجاه اللاجئين، والأنكى أن الممارسات “الفردية” الطابع والوحشية متميزة الاستخدام، فيها تشابه حدّ التطابق مع سلوك المؤسسة الأمنية للنظام، بمعنى أن لا صدفة للعنصرية هنا، طالما أنها تهدف إلى توحيد وتسليط القهر والذل لإجبار السوريين على القبول بهما.

بالعودة إلى المجتمعات غير العربية والمتهمة دومًا “بممارسة العنصرية”، نجد تيارات واسعة ترفض الممارسات العنصرية التي تواجه بقوة القانون وتحجم بحدود لا نستطيع مقارنتها مع ما يجري للسوريين في مجتمعات عربية، تتشارك مع السوريين في جل القيم الروحية والإنسانية والجغرافية والحضارية، تغيب هذه المؤسسات وتقمع بقوة العنصرية الطائفية في مجتمعات عربية تستخدم شعارات سياسية وطائفية للتنكيل بالسوريين، وهو ما يعتبر تغييرًا جوهريًا لمنابع القيم المشتركة التي يتشدق بها مَن يلتحف بالتعمية العنصرية وبضرورة طرد “الغرباء وعودتهم” من حيث أتوا.

القبول بحالة الذل والتنكيل باللاجئين السوريين، وتغليف كل ذلك بخطابات وشعارات تخفي خلفها ما يتسرب من عنصرية وتبريراتها تارةً “بالأعمال الفردية”، وبذرائع أمنية وغيرها لتفرض رؤية محددة وقاهرة لقبول السوري بما يجب القيام به للاعتراف بالأمر الواقع عليه من وحشية وإجرام النظام؛ وبالتالي التخلي عن أحلامه وأفكاره، هو أقل معاناة من معاناته مع النظام.

عملية تزييف وعي السوريين لم تكن فقط مقتصرة بفضائح عنصرية النظام وممارساته الإجرامية، بل كان لتواجد السوري في أماكن النزوح العربي فضحًا مستمرًا لطبقات سياسية ونخب مثقفة، وقفت في صمتها أو انحيازها لتمنع قافلة حرية السوريين من أن تستقر في رحلتها، إذا افترضنا أن “العنصرية العربية” لها جدلها الخاص مع السوري. ما كُشف في أرضه وما افتضح في نزوحه يسهل علينا فهم كثير من معالم الاستبداد والطغيان والطائفية العنصرية، كموطئ اجتماعي واقتصادي وسياسي كانت رصيد النظام في عملياته “الناجحة” في ميدان المجتمع.

وعلى هذه الفرضية من الزيف، تنهض العنصرية وتنمو. سلطة ونظام حكم وأدوات القوة والقهر والإذلال، لا لممارسة العنصرية فقط بل لممارسة الوحشية والإجرام في أماكن أخرى، إذا أيقنا أن سلوك النظام في دمشق جنين وابن وأب كل الفاشية في المنطقة، فلا مصادفة بذلك!




المصدر