فزغلياد: الولايات المتحدة الأميركية ليست راضية عن حاكم السعودية المقبل


سمير رمان

                     الصورة: بافل غولوفكين/ اسويشيتد برس/ تاس

في أزمة الشرق الأوسط الدائمة، تُعدّ مسألة السلطة في المملكة العربية السعوديّة إحدى المسائل الرئيسية؛ ذلك إن السعودية أهمّ وأغنى دولةٍ في المنطقة. وتبقى التغييرات التي جرت قبل شهرٍ في سلَّم التوريث في مركز اهتمام دول العالم، وتظهر قرائن على أنَّ مسألة السلطة قد حلَّت بشكلٍ قاسٍ نوعًا ما.

قبل شهر، في 21 حزيران، استبدل الملك السعودي سلمان وليَّ العهد، فأصبح وريثه ابنه محمّد بن سلمان، بدلًا من محمد بن نايف.

طوال حكم الملك ذي الـ 81 عامًا (أي 2.5 سنة)، كان الأمير ذي 31 عامًا، هو الحاكم الفعلي في المملكة؛ إذ كان يشغل منصب نائب وليّ العهد، إضافة إلى وزارة الدفاع، ولكن بعد تعيينه وليًّا للعهد؛ أصبح وضع الأمير محمد شرعيًّا، ويمكن أن يصبح ملكًا في أيّ لحظة.

في هذه الحال، على الرغم من أنَّ الحُكم في السعودية هو حكمٌ مطلق، إلا أنَّ تقدّم الأمير مهنيًا تطلَّب موافقة العائلة المالكة، وبدقَّةٍ أكبر، على الأقلّ مجلس البيعة، أي هيئة الملك الاستشارية التي تضمّ أبناء مؤسس المملكة وبعضًا من أحفاده. وبحسب معلومات غير رسمية، صوَّت لصالح التغيير 31 عضوًا من أصل 34 من أعضاء المجلس. وأظهر التلفزيون الرسمي مراسم مبايعة وليّ العهد الجديد، ليدلِّل على أنَّ الأمور تسير بسلاسة وهدوء. ولكن، وكما يتبيَّن الآن، يبدو أنَّ انقلابًا داخليًّا قد وقع، أو هكذا يريد الخاسرون وحلفاؤهم في الولايات المتحدة الأميركية إظهارَ الوضع.

كتبت صحيفة (نيويورك تايمز)، اليوم، أُنَّ محمد بن نايف قد أُجبر تحت الضغط على التخليّ عن ولاية العهد لصالح ابن الملك. وتكشف الصحيفة بعض التفاصيل التي جرت، مشيرةً إلى أنَّ تركيز السلطة بيد محمد بن سلمان يضع “العلاقات المشتركة مع الولايات المتحدة في مجال الأمن في دائرة الخطر”. أي أنّ الصحيفة ترسل إشارةً عن عدم الرضا عمّا جرى. من الجدير بالذكر أنَّ التغييرات حصلت بعد شهرٍ على زيارة ترامب إلى المملكة، وبعد أسبوعين على بدء الأزمة مع قطر.

استنادًا إلى مصادر أميركية رسمية وسعوديين مقربين من الأسرة الحاكمة، تصف صحيفة (نيويورك تايمز) ما جرى:

على الرغم من الرواية الرسمية التي تقول إنَّ محمد بن نايف تنحَّى، بسبب ظروفه الصحية (مرض السكري وحاجته الدائمة إلى المسكنات)، فإنّه في واقع الأمر قد أُجبر على التنحّي.

قرابة منتصف الليل، أُحضر الأمير نايف إلى القصر بحجّة مقابلة الملك، ولكنَّه أُدخل إلى غرفةٍ أُخرى، بعد سحب هواتفه، حيث بدأ ممثلو الأسرة يحثونه على التنحّي عن ولاية العهد ووزارة الداخلية. رفض نايف في البداية، ولكنَّه استسلم عند الصباح. على الفور، دُعيَ مجلس البيعة (الذي يخشى معارضة الرغبة الملكية، بحسب “نيويورك تايمز”) للانعقاد، واتّخذ قرارًا بنقل ولاية العهد إلى الأمير محمد بن سلمان. بعد ذلك، بايع الأمير نايف وليّ العهد الجديد وتوجَّه إلى قصره، حيث مُنع من مغادرته.

لماذا يهتمّ العالم بمشكلات الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية؟ لأنّه، على مستقبل المملكة، يتوقف الكثير من مسائل الشرق الأوسط، وبالتالي العالم. بعد تسلّم محمد بن نايف السلطة، إذا لم يعترف جزءٌ من الأسرة الحاكمة بالملك الجديد، فإنَّ المملكة قد تغرق في فوضى حربٍ أهلية أو قد تتفتت نهائيًا.

أصبح عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والبلاد أوَّل ملك سعوديّ. بدأ عبد العزيز بالسيطرة على عاصمة نجد الرياض عام 1902. وفي السنوات العشر التالية، بعد أن طرد، عام 1926، الهاشميين (سلالة الرسول نفسه، وهم من أكثر السلالات احترامًا في العالم الإسلامي) من الحجاز؛ استولى على كامل شبه الجزيرة. فيما بعد، أصبح أبناء الحسين ملوكًا على العراق وسورية والأردن. وفي عام 1932، أعلن ابن سعود قيام المملكة السعودية في المناطق التي استولى عليها.

ساعد الإنكليز عبد العزيز على تحقيق مشروعه، ومن الطبيعي أنّ ضغينةً بقيت في قلوب زعماء القبائل والدول المجاورة على الأسرة الحاكمة.

إذا كانت علاقة عبد العزيز مع موسكو علاقات جيدة في الثلاثينيات من القرن العشرين، فإنّ فترة الأربعينيات قد حسمت موقف السعودية التي أصبحت الحليف الرئيس للولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط.

حتى لحظة وفاة الأب/ المؤسس عام 1953، لم يكن للاتحاد السوفيتي أيّ مواقع في المنطقة. واعتبارًا من عام 1956، بدأت موسكو لعبتها الكبيرة في الشرق الأوسط، فأصبح حلفاؤها من القوميين-الاشتراكيين العرب يزدادون قوةً، وأسقطوا النُظم الملكية في العراق ومصر، واستولوا على السلطة في اليمن وسورية. كانت السعودية ترى في السلطات الجديدة في هذه البلدان عملاء لموسكو، ولكنَّ موسكو نفسها، أصبحت (بتحريضٍ من واشنطن) مركزًا للشرّ وعدوًا للإسلام ولعرش آل سعود.

جعل الصراع الجيو-سياسي، بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، السعودية عدوًا لموسكو، ولم تقم بين الدولتين أي علاقات البتَّة.

انتقلت السلطة بين أبناء عبد العزيز؛ فالملوك الستة الذين توالوا على العرش هم أبناؤه. ومع مرور الزمن، من بين 45 ابنٍ شرعيّ (من 12 زوجة)، بقي عشرةٌ أحياء، أكبرهم بندر 94 عام، وأصغرهم الأمير مقرن 71. ومنذ عام 2015 يحكم سلمان (81 عام).

منذ عام 1982 بعد وفاة الملك خالد، كان تداول السلطة يتمّ بشكل سلميّ، فانتقلت من الملك خالد إلى الملك فهد، فالملك عبد الله. في عهد الملك عبد الله، تجدّدت العلاقات السعودية- الروسية. وفي عام 2007، قام بزيارة لموسكو والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين، وهي الزيارة الوحيدة حتى الآن. خلال حكم عبد الله تغيّر وليّ عهده ثلاث مرات: الأمير سلطان الذي توفي عام 2011، الأمير نايف (توفي عام 2012)، الأمير سلمان الذي أصبح ملكًا عام 2015.

الأمر المهمّ مبدئيًّا، هو أنَّ أولياء العهد الثلاثة كانوا أبناء عبد العزيز من زوجته الثامنة، حصَّة بنت أحمد السديري، التي تنتمي إلى أسرةٍ محترمة من نجد. وبذلك؛ أصبحت قبيلة السديري الأقوى داخل الأسرة الملكية. بدأ نفوذ السديري يتعاظم منذ عام 1982، عندما أصبح أكبر أبنائها السبعة ملكًا، وثلاثة آخرين تتالوا على ولاية العهد. بدأ طاقم سلمان فورًا بتحطيم التقاليد، فما زال ثلاثةٌ من أبناء عبد العزيز على قيد الحياة، وكان الجميع يترقَّب بقلقٍ انتقال السلطة من الأبناء إلى الأحفاد. ولهذا، عيّن الملك سلمان الأميرَ مقرن، شقيق الملك المرحوم عبد الله، وليًّا للعهد، وعيَّن نائبًا له ابن أخيه الأمير محمد بن نايف (آل سديري).

بعد مرور شهرين فقط، تنحَّى الأمير مقرن ليخلفه بن نايف، وليصبح محمد بن سلمان نائبًا له. وهكذا، أصبحت مراكز السلطة الثلاث الأولى بيد آل سيدري، أي إنَّ السلطة ستبقى في كلّ الأحوال داخلها. وكما بيّنت أحداث الشهر الماضي، فقد تقرّر تمهيد الطريق أمام أصغر الأمراء سنًّا. يعتقد فريق الوريث الجديد أنَّ محمد بن سلمان قد ضمن لنفسه العرش، بعد موت الملك الوالد. ولكن بقيت عدّة مشكلات داخل البلاد وخارجها:

فمن الواضح، أنَّ كثيرًا من الأسر خارج “آل السديري” ليسوا راضين عن تركيز السلطات في أيدي أُسرةٍ واحدة، فما بالك بتركيزها بيد أميرٍ، يافع يفتقد إلى الخبرة. ولكن يبقى تقويم إمكانية التمرد أو حدوث انقلابٍ في السعودية، بحاجةٍ إلى معلوماتٍ دقيقة (لا يملكها أحد)، حول اصطفاف القوى.

على الرغم من صغر سنّ الأمير محمد، فقد ظهر كحاكمٍ مفعمٍ بالحيوية، فهو يمارس السياسة الداخلية والخارجية، ويحضِّر لإصلاحاتٍ جذرية في حياة سكان المملكة. وبالمناسبة، يعتبرونه في السعوديّة مسؤولًا عن الإخفاقات التي تعرَّضت لها البلاد، خلال السنوات الماضية، من الحرب المتواصلة في اليمن للعام الثالث على التوالي، والفشل في سورية، وتدهور العلاقات مع إيران إلى الخلاف الأخير مع قطر.

وعلى الرغم من أنَّ الأمير محمد كان الشخصيَّة الرئيسية في المفاوضات مع ترامب، فإنَّه لا ينال الرضا من الجميع في الولايات المتحدة الأميركية. ربما لا يعجبهم اللاعب القوي والمستقلّ أكثر من اللازم، وربما يعود السبب إلى الاستياء من إضعاف نفوذ بعض الأسر السعودية الأكثر قربًا من واشنطن. وقد يكون السبب كامنًا في قلق الولايات المتحدة، من فقدان مواقعها في الشرق الأوسط.

ولكنّ لصحيفة (نيويورك تايمز) رأيٌ آخر: “وقف بن نايف ضدَّ التدخلّ العسكري السعودي في اليمن، وكذلك ضدّ الحصار الاقتصادي على قطر، الذي تبنّاه بقوةٍ بن سلمان. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن الأمير السابق يتمتَّع بشعبيةِ الأمير الجديد بين الشعب، ولكنَّه كان يحظى، على المستوى الخارجي، بدعم الولايات المتحدة الأميركية وعدة دولٍ غربية أخرى، وكذلك من البلدان العربية. في الولايات المتحدة الأميركية، يبدون القلق من تركيز السلطة بيد محمد بن سلمان، كما أنَّ إزاحة بن نايف قد تؤثِّر سلبًا على العلاقات المشتركة بين واشنطن والرياض في المجال الأمني خاصَّة. وفي C.I.A، ينتابهم قلقٌ من إمكانية وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البدلين”.

يبدو كلّ هذا مرتبطٌ بعدم وجود أذرع ضغطٍ على محمد بن سلمان، لم يعتادوا على مثل هذا الأمر طوال 70 عامًا من علاقتهم بالسعودية.

وبالمناسبة، يسود بعض التوتر بين واشنطن والرياض، منذ فترة بعيدة. ففي عام 2013، رفضت السعودية بصورةٍ استعراضية شغل مقعد العضوية في مجلس الأمن، احتجاجًا على سياسة واشنطن وطهران في سورية. فالرياض لم تكن سعيدةً بسبب عقد الصفقة النووية الإيرانية، وبسبب تراجع أوباما عن توجيه ضربةٍ لسورية. ومن وقتها، راح السعوديون يراجعون شراكاتهم الاستراتيجية، ولكنهم لم يتمكنوا، بسبب الخوف من إيران والحرب في سورية، من تقرير استراتجيتهم في المنطقة.

تريد الرياض أن تكون الأهمَّ، ولكنَّها تدرك أنها لا تمتلك القوى الكافية لذلك. تريد الرياض اتبّاع سياسةٍ مستقلّة، وهي على المستوى العسكري تتعلَّق بالولايات المتحدة الأميركية بشكلِ كامل.

يتلمّس الأمير محمد الطريق الذي ينقل المملكة إلى المستقبل، والذي يتيح المحافظة على وحدة البلاد ويجعلها الدولة الرئيسة في العالم العربي، ولكنَّه يرتكب الكثير من الأخطاء في الطريق. ومع ذلك، يستمرّ في البحث، فقد جاء إلى موسكو أربع مراتٍ، خلال العامين الماضيين، والتقى بفلاديمير بوتين، أثناء زيارته الأخيرة قبل شهرين. عليه الآن تنظيم زيارة الملك الأب، التي تؤجَّل منذ خريف 2015، ولم يعد من اللائق التأجيل أكثر. تتسارع الأحداث، ولا يحتاج السعوديون إلى مراكمة مزيدٍ من المشكلات مع جيرانهم، بل عليهم العمل على حلُّها. وفي هذا المجال، يمكن أنْ تقدِّم موسكو الكثير من المساعدة للرياض.

اسم المقالة الأصلية США недовольны будущим правителем Саудовской Аравии كاتب المقالة بيتر أكوبوف مكان وتاريخ النشر صحيفة فزغلياد.  20 تموز 2017 رابط المقالة –https://www.vz.ru/politics/2017/7/19/879352.html

ترجمة سمير رمان




المصدر