حملة وطنية سورية لإحياء دستور 1950


أحمد مظهر سعدو

أطلق ناشطون سوريون حملةً، يجري تداولها هذه الأيام، لتطبيق دستور 1950 بديلًا عما يجري من الترويج لدستور طائفي يشبه دستور العراق، وهو ما تدفع به روسيا بشكل أساسي، لكن الناشطين يرون أن الحل الممكن والمقبول، قطعًا للطريق على كل المشاريع الدستورية الخارجية، هو العودة مبدئيًا إلى دستور عام 1950، كحل مؤقت، يهيّئ لمرحلة أخرى يمكن عبرها إنتاج دستور جديد بعقد وطني جديد، تتوافق عليه كل ألوان الطيف السياسي في سورية، عبر جمعية تأسيسية منتخبة، تعبّر عن الجميع، ولا تستثني أحدًا.

(جيرون) التي تشبهنا -الشعبَ السوري- انطلقت لتستطلع آراء كتّاب ومحامين وقضاة وأساتذة جامعيين مختصين ووطنيين؛ لتتوقف معهم حول ما يرونه من إمكانية لذلك، فوجدنا الموافق والمنتقد لهذا الدستور، كما هو واضح، حيث أكد الدكتور خضر زكريا أستاذ علم الاجتماع لـ (جيرون) بقوله: “نعم أنا مع دستور 1950، ربما مع بعض التعديلات التي تفرضها التغيرات التي حصلت حتى الآن. لكن هذا حلّ مؤقت إلى أن تؤسس جمعية وطنية دستورية سورية، تضع دستورًا جديدًا، يؤكد على كون سورية دولة ديمقراطية تعددية، يسودها القانون وتضمن المواطنة المتساوية لجميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو العرقية أو غيرها”.

المحامي أحمد منجونة يرى غير ذلك، ويقول لـ (جيرون): “أنا مع دستور يتوافق عليه الشعب السوري، ويعبّر عن تطلعاته وطموحاته، فهذا الدستور كان بمرحلة اقتضتها ظروف إقليمية ودولية، لكن علينا أن ننتج ما يناسبنا في هذه المرحلة الصعبة”.

الباحث خالد صالح يشير إلى أنه قد أُقيم سابقًا عدة ندوات، في مدينة حمص (الوعر)، بهذا الخصوص، وقال لـ (جيرون): “أعتقد أن أهمية تفضيل دستور 1950 نابعة من كونه يعكس لحظة مهمّة، وربما هي الوحيدة التي تعكس إرادة السوريين، في سياق سيرورة مشروع بناء الدولة الوطنية، عبر مناخ سياسي أتاح لحواراتهم اعتماده. هذا المناخ نفتقده الآن، وثمة استحالة في توفيره، وهو الشرط اللازم والوحيد لإنتاج الدساتير واعتمادها، قبل أن تخضع لصناديق الاقتراع؛ لأن الصناديق عمل إجرائي لا أكثر، واعتمادها من دون المرور بمرحلة تتيح الحوار بين مختلف المكونات، يجعل من الصندوق أداة غير صالحة، بل غير شرعية، وتحديدًا في صياغة الدساتير واعتمادها”.

القاضي محمد أنور مجني له رأي مختلف، إذ قال لـ (جيرون): “دستور 1950 لا يلائم المرحلة الانتقالية ولا يصلح أن يكون حلًّا، والترويج له مبنيّ على العاطفة وليس على رؤية قانونية. الحل إعلان دستوري أو دستور مؤقت (اختلاف مصطلح)؛ ينظم لمرحلة انتقالية وصولًا إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستورًا دائمًا”. ويرجع السبب في طرح دستور 1950 اليوم إلى أن “الظروف المحيطة بدستور 1950 هي الحالة المنشودة، وليس نص الدستور”.

وأضاف: “يعود سبب ذلك إلى أن دستور 1950 تم وضعه من قِبل جمعية تأسيسية منتخبة، بُعَيد الانتهاء من الانتداب الفرنسي، في أجواء هي الأقرب للديمقراطية في التاريخ السوري، وقبل وصول حزب البعث إلى السلطة. والمطالبة بتطبيق هذا الدستور تذكرنا بموضوع العَلَم الذي رفعته الثورة السورية شعارًا لها، وهو علم الاستقلال، في إشارة إلى إلغاء حقبة البعث والأسدَين”، وأوضح: “أما من الناحية القانونية، فإن المطالبة بالعودة إلى دستور 1950 لا تستند إلى أي أساس واقعي يمكن العمل عليه؛ وذلك للعديد من الأسباب ومنها:

– الدستور يجب أن يعكس حالة المجتمع الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وهذه الحوامل اختلفت كثيرًا بين الواقع الذي وضع فيه دستور 1950 وواقعنا اليوم، خاصة ما أحدثته الثورة من تغييرات، وما شهدته الدولة السورية من أحداث.

– دستور 1950 يتحدث عن دولة مستقرة، أما الوضع الراهن فهو وضع معقد يتطلب معه حالة دستورية ملائمة له، ولا يمكن لدستور 1950 (ولو طرأ عليه التعديل) أن يتلاءم مع الوضع الراهن.

– عملية صياغة الدستور القادم لسورية يجب أن تنسجم مع العملية السياسية وقرارات الأمم المتحدة، وبخاصة القرار 2254 الذي يتحدث عن هيئة حكم انتقالي، وبالتالي فلا يمكن لدستور دائم أن يتوافق مع المرحلة الانتقالية.

– دستور 1950 يتحدث عن نظام برلماني، وهذا الأمر يتطلب وجود أحزاب حقيقية قادرة على العمل السياسي، والحالة السورية اليوم تحتاج لفترة تعافي وصولًا لهذا الحراك السياسي.

– إضافة إلى العديد من المسائل الواردة في دستور 1950، والتي هي محل تحفظ من بعض الجهات مثل دين رئيس الدولة، والاتجاه القومي للدستور وغيره.

– وأيضًا تشكيل السلطات، فمثلًا في ما يخص السلطة القضائية؛ فإن دستور 1950 يقول إن رئيس الدولة يرشح 14 شخصًا، يختار منهم البرلمان 7 أشخاص هم أعضاء المحكمة العليا.

هذا النص يخالف مبدأ استقلال السلطة القضائية، ولا يمكن أن يكون مقبولًا في سورية المستقبل التي نتمنى أن نرى القضاء فيها مستقلًا.

وأخيرًا.. إن مضي سبعة عقود على دستور 1950 تجعله بعيدًا عن إمكانية معالجة المستقبل السوري، فضلًا عما تشهده سورية من صراع.

لذلك أرى أن الحل الدستوري يكون من خلال إعلان دستوري أو دستور مؤقت (أيًا كانت التسمية) تعالج المرحلة الانتقالية، وخلالها يتم تعديل أهم القوانين وخاصة قوانين الانتخابات والأحزاب وغيرها، وصولًا إلى جمعية منتخبة تعد دستورًا دائمًا يطرح على الاستفتاء”.

يرى المحامي أحمد الجراح أنّ أي حل “يضمن وحدةَ أراضي الجمهورية العربية السورية، ويضمن حرية الأفراد وممتلكاتهم ومعتقداتهم. وآراءهم وإسقاط هذه العصابة وإعادة الحياة لسورية؛ سنكون معه، نعم نحن مع هذا الدستور”.

رئيس “نصف إله”

أما الأستاذ الجامعي د. أحمد الحمادي، فقال لـ (جيرون): “عندما تقر الدساتير أو تعدل في الدول المستقرة التي تعيش حياة عامة تتميز بالاستقرار وتماسك الشعب؛ تكون هذه الدساتير معبرة عن الإرادة الجمعية للشعب، ويكون الدستور هو القانون الأساس وهو سيد القوانين، حيث تكون له الغلبة، في حال تنازع هذا القانون أو ذاك مع المواد الدستورية، كيف لا؟ والدستور هو الذي يحدد الهوية العامة للدولة وميزاتها وحدودها ونظام الحكم فيها وتوجهاتها العامة والسلطات العامة في الدولة من تنفيذية وتشريعية وقضائية، وعلاقاتها مع بعضها البعض، وهيكلية وصلاحيات واختصاصات كل سلطة منها، وفي حالتنا السورية -ونحن على أبواب انتقال سياسي مفترض- لا بدّ من دستور يحدد هويتنا الوطنية وينظم السلطات العامة للدولة، حقوق المواطنين وواجباتهم، وبخاصة إن الدستور الحالي المعمول به كان مفصّلًا على مقاس النظام القائم وشخص الرئيس الذي يتمتع بموجبه بصلاحيات واسعة جعلت منه “نصف إله”؛ فبشخصه تختزل الدولة سلطاتها، إذ إنه محور السلطات ومركزها، ومنه تتفرع باقي السلطات، وهو رأس السلطة التنفيذية، وبوحيه توجه السلطة التشريعية، وهو المشرع الأول والقاضي الأول والمحامي الأول و و و و الأول، وهكذا على مختلف المستويات السلطوية والحزبية والنقابية؛ كل هذا جعلنا نعيش حياة عامة بائسة في ظل نظام حكم ديكتاتوري شمولي غاشم يحكم البلد بالحديد والنار؛ لذا تفجرت الثورة السورية وطالبت بالحرية والكرامة، بما يكفل حقوق الإنسان والحريات العامة التي تقرها الشرعة العامة لحقوق الإنسان”.

وأكد أن “ما يُروّج له من وضع والعمل بدستور طائفي وعرقي وقومي وإثني ومذهبي يؤدي في نهاية المطاف إلى التقسيم والانعزال والتقوقع والانسلاخ عن جسد الوطن الواحد؛ ولن يلقى هذا قبولًا شعبيًا بل سيكون دستورًا صراعيًا، يمهد لحروب قادمة وصراعات لا تنتهي إلا بفرض الأقوى ﻹرادته على بقية الأطراف المتصارعة، وهذا ليس حلًا بل إنه نقل لوجهة الصراع من صراع الشعب ضد النظام، إلى صراعات داخلية متنوعة دينية ومذهبية وقومية وعرقية ومناطقية؛ وسيكون الثمن باهظًا علينا -السوريين- وكفانا ما حلّ بنا من قتل وتدمير وتهجير وتشريد ولجوء ومعاقين، لذا أنا، مع غالبية الشعب السوري، أرفض دستور كهذا، ولن أعترف به وسأعدّه فاتحة صراعات جديدة سنعاني منها لسنوات طوال مقبلة”.

أما عن دستور 1950 فقال الحمادي: “إن دستور عام 1950 وضع نتيجة لانقلاب العقيد أديب الشيشكلي الذي عمل على وضعه، كحال كل الانقلابات العسكرية السابقة لانقلابه والتي كانت حريصة على وضع دستورها الخاص بها، وكذلك كان حال الشيشكلي. ولكن يبدو أن سورية على الرغم من الانقلابات العسكرية آنذاك كانت تعيش حياة ديمقراطية وحرية عامة أكثر مما عشناه في ظل النظام المجرم القاتل الدموي بكثير، وكان دستور عام 1950 أفضل من الدستور السوري الحالي المعمول به، لذا لا ضير من تفعيله والعمل به مؤقتًا ريثما يتهيأ لشعبنا استخلاص دستور يلقى القبول والإجماع الشعبي عليه عبر القنوات الديمقراطية مثل مجلس النواب ومجلس الشعب أو الجمعية التأسيسية صاحبة الصلاحية بوضع الدستور وإقراره بعد وضع خطوطه العامة من قبل اللجنة الدستورية التي ستضم الخبراء في القانون الدستوري ومن المواطنين والفعاليات الشعبية وكافة شرائح المجتمع على مختلف توجهاتهم؛ لذا فموقفي من العمل بدستور عام 1950 هو موقف إيجابي على أن يكون العمل به مؤقتًا، وبعد تعليق العمل بالدستور النافذ الحالي”.




المصدر