سورية التي تخلى عنها “أصدقاؤها”
22 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
طريف الخياط
يتفق ترامب وبوتين على وقف لإطلاق النار في جنوب سورية، ترفضه “إسرائيل” وللمفارقة يحظى الاتفاق ببعض من ترحيب إيراني. ليست تلك المرة الأولى التي تسعى فيها واشنطن وموسكو إلى العمل على نحت هدنة في سورية، كانت عدم قدرة البلدَين على تجاوز خلافاتهما الكثيرة والمتشعبة وتوفيق مصالحهما المتضاربة، كما أصابع اللاعبين الإقليميين سببًا في انهيارها، لكن يبدو أن اليوم ليس كالأمس، وأن عهدًا جديدًا يلفه الكثير من الغموض، هو أهم ما قد ينتج من لقاء الرئيسين الأميركي والروسي، على هامش قمة العشرين في هامبورغ، قبل أسابيع قليلة.
هدنة أو تهدئة أو خفض تصعيد.. سمّها ما شئت، المهم أن سورية شكلت الملف الأسهل للولايات المتحدة وروسيا كي تبديا فيه رغبة بالتعاون، بعد أن قاربت دولة (داعش) المزعومة على الانهيار، وصار من المهم التفكير في الخطوة التالية لحرمانها من عدم الاستقرار والفلتان الأمني الذي كان سببًا في انفلاشها أول الأمر، أو هكذا على الأقل يظن الأميركيون. يشكل الجنوب السوري بدوره منطقة، لا نفوذَ فيها لا لأنقرة ولا لطهران؛ وبالتالي محطة مناسبة لانطلاق قطار هدن تتم صياغتها خلف الأبواب المغلقة، ولا نستثني هنا أن الملف السوري قد يكون الوحيد الذي يستطيع فيه ترامب أن يعمل على تقارب مع الكرملين، من دون أن يثير غضب الكونغرس والأجهزة الأمنية والعسكرية هناك في واشنطن.
وإن كانت إيران لا تخفي شهيتها لدعم النظام في بسط سيطرته على حدوده الجنوبية مع كل من الأردن و”إسرائيل”؛ بغية ترسيخ وجودها استراتيجيًا على حدود الدولة العبرية الشمالية، كتهديد أمني لـ “إسرائيل” وقاعدة لشن هجمات دعائية محتملة ضدها، فإن قبولها المعلن على الأقل بالتهدئة الأخيرة يوحي بأن الوعود التي حصلت عليها من حلفائها الروس تستحق التخلي عن هذه الرقعة من التراب السوري، ولو مؤقتًا، وهو أيضًا ما يجد تأكيده في الغضب الإسرائيلي المعلن من تسوية ما يزال يكتنفها الغموض.
لم يرشح الكثير عن اتفاق القوتين العظميين في سورية؛ لكن من الواضح أن إرادة سياسية دولية أكثر تصميمًا تقف خلفها، وهو ما دفع ترامب إلى إعلانه عن قرار سابق، كان قد اتخذه بوقف برنامج الدعم العسكري السري للمعارضة، والذي تديره الاستخبارات الأميركية، ويعدّ شريان الحياة الذي يمد الجبهة الجنوبية بالسلاح، بما يوحي أن المعركة -بالنسبة إلى واشنطن- قد شارفت على الانتهاء، وأن تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية تجاه سورية قد بدأت ملامحه تباعًا بالتكشف. لا يعني ذلك، في المقابل، أن تجفيف الدعم سيتم فورًا، وأن فترة قد تمتد بضعة شهور ليست ضرورية لضمان التزام الأطراف بالهدنة، واختبار قدرة روسيا على ضبطها وضمان استمرارها.
ترى عمّان في الاتفاق الأخير الذي شاركت في صياغته ما يضمن أمنها، ويسمح بوقف خطر تمدد الحريق السوري والإرهاب العابر للحدود إلى أراضيها، كما يضمن أن شريطًا عازلًا بمسافة 20 إلى 40 كم (حسب تقارير) سيكون خاليًا من أي وجود للحرس الثوري الإيراني وميليشيا “حزب الله”. في المقابل، إن الغضب الإسرائيلي من الاتفاق هو -على الأرجح- تعبيرٌ عن قلق تل أبيب من تسليم واشنطن بعدم قدرتها على منع طهران -دون مزيد من التورط في الحرب السورية قد تتسبب بمواجهة مع إيران في هذا البلد- من فتح طريق يربط العاصمة الإيرانية ببغداد ودمشق وبيروت، ويسمح بتعزيز الترسانة العسكرية لذراعها اللبناني ممثلًا بميليشيا “حزب الله”؛ وبالتالي فإن “إسرائيل”، في انتقادها شديد اللهجة للاتفاق الأخير، توجّه رسالة واضحة إلى أطراف الاتفاق الدوليين، أنها ستستمر باستباحة الأجواء السورية لاستهداف نفوذ إيران وأذرعها وواردات “حزب الله” العسكرية، في البلد المنكوب الذي دمره طاغيته.
http://www.geroun.net/archives/87074 (للربط)
تفيد التسريبات القادمة من موسكو بأن ريف حمص والغوطة الشرقية هي المنطقة التالية التي يرغب الطرفان بتوسعة الاتفاق ليشملها. ليست المنطقة التالية إذًا، هي البادية السورية وصولًا إلى الحدود السورية العراقية ومدينة دير الزور التي ما يزال النظام، مدعومًا من الروس والإيرانيين، يهرول جاهدًا لإلحاقها بالسجن الكبير الذي يخضعه لسيطرته بعد طرد (داعش) من بعض أطرافه، وهي ليست أيضًا المنطقة الشمالية التي يبدو أن تركيا تعد العدة فيها لخوض معركة مع “قوات سورية الديمقراطية” حول عفرين، لتتمكن من وصل الجيب الذي تسيطر عليه فصائل (درع الفرات)، وبقبول روسي ربما، مع إدلب الخاضعة لسيطرة حلفائها من الفصائل الإسلامية. تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض التقارير تتحدث عن وساطة، يقوم بها الروس بين تركيا و”قوات سورية الديمقراطية”، للانسحاب من بعض القرى في تلك المنطقة، في مقابل أن تعمل أنقرة على إنهاء وجود “هيئة تحرير الشام” في إدلب، وهو ما قد يفسر الاشتباكات الأخيرة الحاصلة بين الهيئة و”حركة أحرار الشام” في تلك المحافظة.
إن فرص الاتفاق الأخير تتجاوز سابقاته بكثير، فهو بوابة لبعض التوافق والتعاون، بين واشنطن وموسكو، تسمح بتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين الطرفين التي يستمر فيها الاشتباك على أكثر من صعيد دولي، لكن في المقابل فإن التخلي الأميركي عن سورية وتسليم مصيرها للروس والإيرانيين، قد يؤدي إلى نتائج معاكسة على المدى الطويل، ويسمح بتوفر الظروف الملائمة للجماعات الإرهابية والمتشددة، بما فيها (داعش)، كي تعيد بناء نفسها في المستقبل، أو أن يتغول بعضها على حساب البقية الباقية من المعتدلين، خصوصًا إذا ما استمر الأسد في الحكم.
بعد ما يزيد على نصف عَقدٍ من الثورة ضد نظام بربري، يتم تشريح سورية إلى مناطق نفوذ ما تزال ملامحها قيد التشكل، ولم يعد يعني مصير طاغيتها أولئك الجالسين على طاولات الكبار، في وقت يستمر فيه الأسد بقضم الأرض وتهجير أهلها، ويرفض مناقشة الانتقال السياسي، متسلحًا بالكثير من أوراق القوة، ومناخ دولي وإقليمي مؤات لاستمراره في الحكم لسنوات قادمة.
لم يعد تنحيه أولوية لا لواشنطن أو الإدارة الفرنسية الجديدة، ولا حتى لأنقرة والرياض، فهل تسير سورية على سكة الحل؟ لكن أي حل؟!
[sociallocker] [/sociallocker]