“كواسر” مجلس “الشعب” يقيلون عباس


حافظ قرقوط

لا ندري إن كان الكواسر، أم البواشق، أم بعض البواسل، هم من مارس طقوسَ التصوف الديمقراطي، في مجلس الأسد الخالي من الشعب، حيث أقال ذلك المجلس، في حفلة “ديمقراطية فنتازية”، رئيستَه “المناضلة باسم نسائنا السوريات” هدية عباس؛ ليكلف “المايسترو السيناتور” نجدت أنزور، بإدارة جزء جديد من “الفواجع”.

قالت وكالة (سانا) التابعة لنظام الأسد، يوم أمس الخميس: إن (مجلس الشعب السوري) “أصدر قرارًا، يقضي بإعفاء الدكتورة هدية عباس من منصبها كرئيسة للمجلس”؛ وذلك لتعدّيها على تراث “الديمقراطية”، في هذا “الصرح” الذي انتزعه الأسد ونظامه من يد السوريين.

وجاء في البيان أن (مجلس الشعب) عقد جلسته صباحًا، كما كان مقررًا لها، لكن أثناء نقاش المداولة العامة للنظام الداخلي للمجلس، “قامت هدية عباس رئيسة المجلس.. بمنع الأعضاء من تقديم مداخلاتهم، وتجاوزت رأي أغلبية الأعضاء في رغبة نقاش بعض المواد، حسب مسؤولياتهم الدستورية، وأعلنت فجأة الانتهاءَ من نقاش مواد النظام الداخلي، قبل الانتهاء منه فعليًا”، وقال البيان: إن عباس دأبت على ذلك “منذ أشهر، في أكثر من نقاش؛ ما كان يؤدي إلى تراكم خلل كبير، نتيجة التصرفات غير الديمقراطية، التي تنعكس سلبًا على المجلس”.

وأضاف البيان أن بعض الأعضاء اعترضوا على ذلك، وأن تصرف عباس “غير مسؤول وغير قانوني”، وقد تجاهلت “كل قواعد الديمقراطية”، وتلك التصرفات تكاد “تقوّض دور المجلس؛ بما ينعكس سلبًا على دوره التشريعي”.

اعتبر مجلس “السيناتورات” الأسدي في بيانه أن “الديمقراطية مصانة في دستور الجمهورية العربية السورية”، ولهذا تداعى “السيناتورات”، بعد أن رفعت عباس الجلسة، إلى اعتصام داخل صرحهم الديمقراطي، “رافضين خرق القانون”، وطالب “164 عضوًا” بإعفاء عباس من منصبها”؛ فعُقدت جلسة مسائية -كي لا ينام الأعضاء على ضيمٍ يطال وطنَهم سورية- برئاسة نائب رئيس المجلس، ومخرج “الروائع الفنتازية”، وحلقات اعترافات بعض المعتقلين السياسيين على تلفزيون النظام، “السيناتور” نجدت أنزور، واتخذ قراره التاريخي -بالإجماع- الذي يقضي “بإعفاء الدكتورة عباس من منصبها رئيسةً للمجلس”، وتكليف “السيناتور” أنزور بصلاحياتها إلى “حين انتخاب رئيس جديد للمجلس”.

في بلاد الغرائب والعجائب، حيث عقد هذا المجلس اجتماعَه الديمقراطي الاستثنائي الشهير في حزيران/ يونيو عام 2000، وعدّل فيه المادة 83 من دستور البلاد، بدقائق معدودة، وخفض سنَّ الترشح لرئاسة الجمهورية، من 40 عامًا إلى 34 عامًا، على مقاس بشار الأسد في خلافة أبيه، ليصادق، على التعديل الدستوري، نائبُ رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، وهي أيضًا سابقة في سورية، بسبب وفاة الرئيس. المجلس يقوم الآن بذلك الاستعراض البهلواني، في حلقة جديدة من حلقات الألم “المبكي المضحك”.

تأسس أول برلمان في سورية، تحت اسم (المؤتمر السوري)، بداية عام 1919، وأكد استقلال سورية ووحدة شعبها وأرضها، كما تصدى البرلمان السوري، بعد ذلك للاحتلال الفرنسي، ومارس دوره التشريعي، وقد تعرض لقصف من قوات الاحتلال.

كما كان للبرلمان السوري دور فاعل ومميز، في خمسينيات القرن الماضي، حيث جلس تحت قبته رجال وطنيون، قالوا كلمتهم بجرأة ووضوح، وصانوا الحياة الديمقراطية في البلاد ولها، إلى أن جاء انقلاب البعث عام 1963، ثم انقلاب حافظ الأسد، داخل البعث وعلى الدولة، عام 1970، وتبدلت الحياة الدستورية والبرلمانية، ولم يُسجّل للمجلس العتيد أي موقف يستحق الذكر، منذ نحو نصف قرن.

منذ نحو ست سنوات، دخلت البلاد في كابوس جرائم الحرب، وتهجّر نصف الشعب الذي يظن هؤلاء أنهم يمثلونه، واستشهد نحو مليون سوري، مع اختفاء قسري لعشرات الآلاف، ودُمّرت العديد من مدن سورية ومعالمها، ودخلت إلى البلاد احتلالات مختلفة عدا عن المرتزقة، ووهب الأسد قواعد عسكرية، بلا أي ناظم، لعشرات السنين إلى روسيا، عدا عن الفقر الذي أكل المجتمع السوري. وبقي مجلس النواب الأسدي، لا يرى لا يسمع لا يتكلم، ليأتي الآن بهذه التمثيلية الهابطة الأداء بممثليها ومخرجها، حول صيانته “للديمقراطية”، كمتممة لتلك السنوات العجاف من التاريخ السوري.




المصدر