وجبة فيتامينات كومبلكس


نجم الدين سمان

حين جاع المواطن سين؛ من جمهورية سينوستان الجمهوريّة الملكيّة الوراثيّة العُظمى، لم يكُن لديه ما يأكلُه.

فرش صحيفةً على طاولته المائلة؛ وهو يتخيّل أطباقًا من الطعام.. مُلوّنةً؛ مُعولمة؛ لذيذة. وحين جاء بصحنه وبملعقته؛ وبشوكة وسكين، لمح تحت صحنه خارطةً للعالم زاهية الألوان؛ ثلثاها بزرقة ماء وسماء؛ وثلثها من صخر وطين.

أزاح صحنه جانبًا، وبالسكين، قصّ الخارطة، وضعها في صحنه، مُرتعدًا من النشوة:

كنتُ مأكولًا طيلة عُمري؛ اليوم.. سآكلُ هذا العالم كلّه.

أخذ بالسكين يقصُّ الخارطة على مهل؛ وكأنّها شريحةُ لحم بالفلفل والبهار؛ تناولها على مهل قطعةً.. قطعةً؛ وحين التهمها ارتعش، أحسّ بشبع لذيذ؛ وبخدر في أطرافه.. كالأحلام السعيدة!.

نهض آخذًا صحنه وأدوات أكله إلى المجلى؛ وضعها في الحوض ليغسلها من بقايا وجبته الفاخرة، فأحسّ بدُوار خفيف لم يكترث له. وضع صابونًا سائلًا على الإسفنجة، فعاودهُ الدُوار ذاتُه، وقد اشتدّ هذه المرّة؛ فأنّب نفسهُ:

يا لغريزة الطمع في النفس البشرية؛ أما كانت تكفيك قارّةٌ واحدةٌ.. فقط ؟!.

لم يُكمل جُملته حتى أحسّ بمعدته تتقلّصُ، وبأمعائه تتقطّع، وبغثيان كالتسونامي ينهض من جوفه، ليقتلع أعضاءه من داخلها. استند بالكاد على حافّة حوض الجلي، أسياخٌ من نار تكويه، زاغت عيناه، أحسّ بأنّ في داخله بركانًا، كاد يغيب عن الوعي لوهلة؛ من أول العرب البائدة إلى آخر العرب النائمة، ثمّ اعترته موجاتٌ تشنُّج مُتوالية؛ رغبةٌ جامحةٌ بالإقياء؛ حتى ليكاد باطنُهُ أن يصير ظاهره.

تقيّأ.. دولًا وحُكومات؛ تيجانًا من ورق؛ قياصرةً بكراسيَ أبديّة ثابتة، حُكّامًا بكراسي مُتحرّكة، جيوشًا.. تقتل شعوبها، صواريخ عابرة للأرحام، أجهزة أمن وبلطات وأدوات تعذيب حتى الموت.. وهراوات.

تقيّأ.. أحزابًا كرتونيّة، مُعارضات على صورة طُغاتها، جمعيات إغاثة وهميّة، مراكز أبحاث لوجستيّة.. تُديرها مخابرات المافيا، جماعات مُسلّحة، هيئات حسبة وتكفير، رُعاعًا من كُلّ المذاهب والطوائف والأديان والأعراق.

تقيّأ.. صُحُفًا ومجلات، إذاعات عابرةً للدماغ، فضائيّات بأجوبة جاهزة لقتل الأسئلة في البشر، مواقع إلكترونية.. على هيئة خبر مُتخم بالغرائز القاتلة والمُنحطّة.

تقيّأ.. شركات أسلحة، هيئات تصنيع ذريّة وكيماويّة، كارتيلات دواء فاسد، أغذيةً مُعدّلةً وراثيًا، ألعاب أطفال تُسبّبُ لهم السرطان.

تقيّأ.. مافيات حشيش طائفيّ، هيروئينًا مذهبيًا، حبوب كيبتاغون دينيّة، حُقن هلوسة عُنصريّة ونازيّة.

تقيّأ.. مجلس الأمن، حاويةً من القلق الأمميّ، حُمولة شاحنتين من قرارات على ورق، ومثلُها.. من الفيتُوات والفيتوات المُضادة.

تقيّأ.. تمثال الحُريّة، صكوك حقوق الإنسان، منظمات حقوق الحيوان، وثائق المُنتدى العالميّ لأبناء وبنات آوى.

تقيّأ.. ثورات شموليّةً، انقلابات عسكريّة، مجازر دمويّة، عُقُود زواج أبديّ.. بين كُلّ استبداد وكُلّ فساد.

تقيّأ.. طُغاةً طيلة دهره، غُزاةً على مدار تاريخه، سماسرةً وفاسدين ومُعتلفين، شبّيحةً وبلطجيّةً ومُعفّشين، أمراء حرب، خُلفاء أسلحة ومُرتزقة مُلثمين، عمائم ومنابر وأُضحيات بشريّة، لحًى مُخضبة.. بالحنّاء، أو.. بصبغات صناعية.

تقيّأ ضعفهُ، خوفهُ المُزمن، ومُستبدًا صغيرًا في حشاه.

لوهلة.. أحسّ براحة لا تُستعادُ.

خفّ.. حتى شفّ، شفّ.. حتى لم يعُد يُرى.

تخفّف من أحلامه ومن آثامه، حتى غدا كأبواغ الربيع بلا وزن، ترفعُهُ عن أرض آلامه.. أقلُّ آماله؛ مُنسربًا مثل يعسُوب أخضر، من نافذة غُرفته في تغريبته.

*- إسطنبول 7 – 7 – 2017 ق.م الحريّة.




المصدر