البرامج الطبية … خدمة اجتماعية أم تجارة؟


muhammed bitar

من المهم أن يتابع المشاهد برنامجاً وهو يتغير ويتطور ويصبح أكثر قدرة على جذب المزيد من فئات المشاهدين وهو ما حدث ويحدث الآن مع برنامج «الأطباء» (The Doctors) الأميركي الذي يُعرض بنسخته الأصلية على أكثر من قناة. بينما تقدم قنوات أخرى نسخة محلية منه مثل النسخة المعرّبة على قناة «دبي» الذي يقدمه أربعة أطباء من دول عربية مختلفة.
وإذا أردنا مقارنة هذا البرامج ببرامج عربية أخرى تُعنى بالشؤون الطبية، لا سيما المصرية منها، لوجدنا أنّها تخضع لمعايير تجارية بحيث توضع مصلحة الطبيب قبل مصلحة المشاهد، وتكون تلك البرامج غالباً عبارة عن «حوار استديو» بين الطبيب ومقدم (ة) البرنامج، وبدلاً من أن يحظى المشاهد بالأجوبة التي يحتاج إليها، عليه أن يلتقط عنوان العيادة وأرقامها من شريط الأخبار أسفل الشاشة. هكذا، يبقى المشاهد في موضع الفرجة إنما من دون استفادة من علم هذا الطبيب، لأن الفائدة هنا لها ثمن.
صحيح أن ثمة استثناءات في برنامجين أو ثلاثة قد يسمح فيه الطبيب، ولا أقول القناة، باتصالات مع المشاهدين للرد عليهم، غير أن القاعدة تقتضي أن يذهب المشاهد ويدفع، وبالتالي لم تعد القضية متعلقة بتثقيف الناس طبياً وتنمية وعيهم بطبيعة أجسادهم وأمراضهم، ولم تعد أوجاع المشاهد تأتي في المرتبة الأولى وإنما المواضيع الأكثر استقطاباً للمشاهد، بخاصة ما يتعلق بعمليات التجميل والتخلص من السمنة وعيوب البشرة وكل تلك الأنواع من الجراحات والعلاجات التي تركز على تحسين الشكل والمظهر وتتطلب مبالغ كبيرة في الوقت ذاته.
على شاشة «الحرة»، ظهر «الدكاترة» بنسخته الجديدة بعيداً من الترتيب التقليدي والأسلوب الذي ظل يقدم به للمشاهد لسنوات، فبدلاً من أربعة أطباء أصبح العدد اثنين، مقدمه الرئيسي وواحدة من الطبيبات، وقبل نهاية الحلقة، ظهر الطبيب الثاني، روك، أحد أعمدته القدامى لكي يحكي عن رحلة ذهب إليها مع أطباء متطوعين لعلاج الناس في بلد نامٍ، وكيف استفاد منها إنسانياً وطبياً.
وكان البرنامج في قسمه الأول استضاف، طبيبة أخرى من ضمن فرق الأطباء العابرين الحدود لعلاج آخرين في مناطق كثيرة من العالم يحتاجون إليهم، ولم تكن رحلاتهم فقط إلى دول الجوار في أميركا اللاتينية، ولكن إلى أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط. هكذا، وضعنا البرنامج أمام أوجاع الناس في كل مكان، ومنها منطقتنا، وبالتحديد الأردن التي زارها المقدم وحكى عنها بإسهاب، قبل أن يعود بنا إلى الحالة الصحية للأميركيين أنفسهم من خلال اجتماع لمؤسسة «بيل كلينتون» الخيرية، ثم إلى أوجاع إنسانية بسيطة ومنتشرة، مثل ما تسببه الأحذية الضيقة من خلل في تكوين وجه القدم وانتقال بعض فقراته العظمية وتأثير هذا في النساء تحديداً، وذلك من خلال حكاية شخصية وتشخيص للحالة الطبية.
كل فقرة من البرنامج أصبح لها فيديو مصور وتجربة علاج، وصولاً إلى علاج الحيوانات الأليفة التي قد تصاب بأمراض تحتاج إلى جراحات سريعة. وبين القنوات كان على المشاهد أن يشارك في الرد على أسئلة حول علاقة كل الأشياء بصحته، أنواع الأطعمة وأنواع الأمراض وأنواع السلوكات… إنه البرنامج الذي يطرح علينا أسئلة متعددة حول صناعة الإعلام ذاتها، وأهدافها، وفي أي مكان يوضع المشاهد، وهل تقدم برامج الطب والصحة لمن يحتاج إليها أم لمن يقدر على الدفع لأطبائها؟




المصدر