تعددت الأسباب واللاجئ السوري واحد


دمر السليمان

السياق الذي ظهرت فيه إشكالية وجود اللاجئين السوريين في لبنان، في الفترة الأخيرة، والمتمثلة في اعتقال الجيش اللبناني لمجموعة من السوريين، وتعرّض بعضهم للموت أثناء هذا الاعتقال، بالإضافة إلى ردة فعل المؤسسة العسكرية وتفاعلها مع هذا الحدث بطريقة المافيا، لا بطريقة المؤسسات التي تخضع للقانون والسيادة الوطنية؛ كل ذلك يطرح أمامنا السؤال التالي: ما الذي يجري؟

كان من المفترض أن يكون الموضوع مسألة قضائية بحتة، همّها الأول البحث عن ملابسات هذا الحدث وتحميل الجهة المسؤولة عنه كامل التبعات القانونية والأخلاقية، بغض النظر عن جنسية وانتماء الشخص الذي قُتِل أثناء التوقيف، لأنه من الممكن أن تتكرر هذه الحوادث مع أي شخص آخر.

إن انعطاف الموضوع دون مبرر نحو وجود اللاجئ السوري في لبنان يُشير إلى أيدٍ غير نظيفة تعبث بالموضوع؛ وهذا يُحيلنا إلى قاعدة جنائية بسيطة: عندما يلف الغموض حدثًا جنائيًا ما، فإن الطريق الذي يجب أن يعتمده العقل، في الكشف عن الجناة ودوافعهم، هو البحث عن الطرف المستفيد من هذه الحادثة. ولنحاول تعقب الأطراف المستفيدة من هذه القضية.

الأزمة التي يمر بها النظام السياسي اللبناني ممثلة بالانتخابات النيابية التي فشل الفرقاء حتى اللحظة في الاتفاق على تفاصيلها، خاصة بعد تورط “حزب الله” وحلفائه في سورية، وقانون الضرائب الذي أثار حفيظة الشارع اللبناني، وبداية تشكّل الحراك المدني المطلبي الذي تمثلت قواعده في الحراك الذي رافق (طلعت ريحتكم) والذي بدأ يُبشّر بإمكانية تجاوز مكيدة الطائفية السياسية، فلم تجد الحكومة اللبنانية فرصةً لتمريره سوى افتعال أزمة من هذا النوع، بتوجيه مشاعر الغضب لدى الشارع اللبناني إلى طرف آخر، هو الحلقة الأضعف (اللاجئ السوري)؛ ليمر هذا القانون، وتُقرّه الحكومة اللبنانية في اليوم ذاته الذي كان من المزمع قيام تظاهرات سورية في لبنان، ولتقتنص الفرصة وتصدر قانونًا آخر يحظر التظاهر بتاتًا، بذريعة أن التظاهر الآن هو من قبل السوريين الذين يعتزمون المساس بالسلم الأهلي وبمؤسسة الجيش اللبناني (الخط الأحمر).

يضاف إلى ذلك رفض الحكومة اللبنانية عدم منح الوجود السوري السياق القانوني والإنساني، وعدم الاعتراف بالوثائق التي تمنحها المفوضية، كوثيقة تمنح الإطار القانوني لوجودهم من خلال الاعتراف بوضعهم، بوصفهم لاجئي حرب، ليبقى وضعهم عرضة لعبث من هذا النوع.

قد يكون النظام السوري أيضًا أحد المستفيدين، فقد حرص خلال مراحل الثورة على تعميم الإشكالية السورية من خلال موضوع اللاجئين أولًا، من خلال دفعه جحافل الهاربين من الموت وراء الحدود، الورقة التي صفع بها وجه العالم، وهي التي لعبت دورًا مهمًا في تغيير الخارطة السياسة في كثير من دول العالم (صعود اليمين المتطرف في أوروبا ووصول ترامب إلى البيت الأبيض)، وثانيًا من خلال إظهار نموذج أهل الوعر الذين بقوا تحت الحصار مدة ثلاث سنوات ونصف، ثم خرجوا إلى جرابلس ليعودوا إلى حمص، بعد فرض خيارات عدمية عليهم، وقبولهم لشروط مُذلّة مقابل عودتهم إلى منازلهم؛ ليقول النظام اليوم إنه يمتلك الحل لمشكلة كان هو أساسًا المسبب لها، وليسوق نفسه أمام العالم على أنه الطرف القادر على تقديم الحلول، وهو أسلوب ليس بجديد على سلوك النظام السوري.

يمكن استشراف أحداث مماثلة قد تعصف في بلدان اللجوء السوري، وقد يكون الأردن هو المرشح الأول الآن، خصوصًا بعد الاتفاق الأخير بين روسيا وأميركا، حول التهدئة في الجنوب السوري بمباركة إسرائيلية، ونظرًا إلى الأزمات المتشابهة التي يعيشها الأردن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى التاريخ غير السوي في التعامل مع وجود اللاجئين في الأردن (أيلول الأسود).

الشارع اللبناني مُطالب اليوم بأن يصون كرامته، من خلال رفضه خرق القانون تحت جميع الظروف، وأن يكون الجهة الضامنة للقانون، فمن يحفظ كرامة الشعوب هو الشعوب نفسها في دفاعها عن إنجازها الحضاري وعقدها الاجتماعي الممثل بالقانون لا بخطوط حمراء رُسمت بدماء أحدهم.

وعلى السوريين في بلاد الشتات أيضًا ألا يقبلوا أن يكونوا أداة لتصفية حسابات الآخرين، من خلال خلق مؤسسات وهيئات تُمثلهم وتمتلك القدرة على مخاطبة حكومات البلدان التي تستضيفهم، خصوصًا بعد فشل المؤسسات والهيئات ذات الطابع الديني في لعب هذا الدور، حتى يحين موعد العودة المنشودة.




المصدر