دفاعًا عن لبنان


ثائر الزعزوع

لم تكن التصرفات اللاأخلاقية التي بدأت أخبارها وصورها تتسرب إلى الإعلام مؤخرًا، بحق اللاجئين السوريين، جديدةً، فقد بدأت منذ بداية اللجوء السوري إلى لبنان، وقد تعرض كثيرٌ من اللاجئين لإهانات متفاوتة، ضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام فترة من الزمن، ثم تناساها المتابعون بسبب أحداث أخرى أكثر سخونة وإثارة للرأي العام، كما أن حملات التضامن مع اللاجئين السوريين، والتي تتبناها عادة مجموعات صغيرة من المثقفين أو المشتغلين في مجالات حقوق الإنسان، رافقت تلك الانتهاكات وحاولت أن تخفف من وطأتها، من خلال بيانات لم تقدم ولم تؤخر؛ لكنها تركت انطباعًا لا بأس به لدى جمهور السوريين على الأقل، بأن لبنان بلد الحريات وواحة الديمقراطية في هذه المنطقة الجرداء من العالم ما زال قادرًا على أن يكون ملاذًا آمنًا للمستضعفين، لكن الاعتداءات الأخيرة ضد اللاجئين السوريين -ونستطيع أن نجزم بأنها منظّمة وليست تصرفات فردية، وأنّ وراءها جهات بعينها لديها علاقات وثيقة مع نظام دمشق- تختلف عن غيرها من الاعتداءات؛ فهي متتابعة ولا يكاد يمر يوم دون أن تطالعنا الأخبار بجديد أشد إيلامًا من سابقه. بدأ الجيش اللبناني تلك الاعتداءات بقتل عدد ممّن اعتقلهم تحت التعذيب، وهذه القضية سوف تطوى، لأنها تتعلق بمؤسسة الجيش الذي انبرى كثيرٌ من وجوه المجتمع اللبناني للدفاع عنه، ورأوا أنه يقوم بواجبه المقدس في الدفاع عن لبنان، على الرغم مما تنطوي عليه هذه الجملة من سخرية مبطنة، إذ إن الجيش اللبناني يكاد يكون أضعف أجهزة الدولة اللبنانية، وهذا الكلام ليس المقصود منه الإساءة أو الانتقام لما فعله الجيش، لكن وقائع وتواريخ الجيش اللبناني، منذ اجتياح لبنان من قبل القوات الإسرائيلية في ثمانينيات القرن الماضي وصولًا إلى تحوله إلى مؤسسة ظل لميليشيات (حزب الله)، هذه كلها تعطينا الكثير من الأسباب لنقول إن الجيش اللبناني لا يستطيع أن يقوم بما يقال إنه واجبه في حماية لبنان.

المهم في الأمر أن الاعتداءات امتدت، وقد أظهرت مقاطع فيديو مسربة قيام مواطنين لبنانيين بضرب لاجئ سوري، والإساءة إليه، وقد تم توقيف الجناة، وبانتظار أن تظهر نتائج التحقيقات لن يكون ثمة رادع لظهور مقاطع فيديو جديدة.. طالما أن تلك الأفعال الهمجية قد مرت، ولم -ولن- يُحاسَب مرتكبوها.

ولكن هل يمكن حقًا توجيه اللوم إلى الدولة اللبنانية على ما يحدث للسوريين في لبنان؟ ثم عن أي دولة لبنانية نتكلم؟

استطاع النظام السوري، خلال فترة احتلاله للبنان، أن يحول لبنان إلى حديقة خلفية آمنة، وحتى بعد خروج قوات الاحتلال السوري فقد خلف جيوشًا من التابعين له المرتبطين بسياسته، وكانوا -في كثير من الأحيان- حريصين على النظام السوري أكثر من حرصهم على بلدهم نفسه، دون أن ننسى طبعًا أن القوة الأكبر في بلاد الأرز تتمثل في ميليشيات (حزب الله) لا في الدولة، وأن تلك الميليشيات هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في الشأن اللبناني، وهي قادرة على جرّ البلاد إلى حرب وقتما تشاء، في حال شعرت بأنها متورطة أو أن ثمة تحالفًا في وجهها. حدث هذا في تموز/ يوليو عام 2006، كما حدث لاحقًا حين قرر (حزب الله) أن يكون طرفًا رئيسيًا في حرب نظام دمشق على الشعب السوري، وقد احتلت تلك الميليشيات قرى ومدنًا سورية مثل مدينة القصير التي كان واحد من أبنائها أحد الشهداء الذين قضوا تحت التعذيب في معتقلات الجيش اللبناني، مع أن القرار اللبناني كان، منذ بداية الثورة السورية، هو “النأي بالنفس” أي عدم التورط في ما يحدث هناك، مع إظهار العديد من الشخصيات اللبنانية، وبخاصة تلك التي كانت تبدي معارضتها لـ (حزب الله)، تأييدها المطلق للثورة السورية، ثم بعد ذلك تحالفت تلك القوى والشخصيات السياسية مع (حزب الله) نفسه لتشكيل حكومة لبنانية، بعد أن تمكن الحزب من تعطيل الحياة السياسية في لبنان لأكثر من عامين؛ لذلك فلن يكون مستغربًا على الإطلاق أن تصدر مثل تلك الاعتداءات من مناصري (حزب الله) ضد اللاجئين السوريين؛ فهم ينظرون إلى الشعب السوري بأسره على أنه مجموعة من المتآمرين، ويجب تأديبهم وقتلهم إن لم يقبلوا العودة لبيت الطاعة الأسدي، واستطرادًا القبول صاغرين ببقاء سورية جزءًا من المشروع الإيراني في المنطقة، وهو المشروع الذي مثل (حزب الله) ذراعه العسكرية الخارجية، ولن نبالغ إن قلنا إن السفير الإيراني في بيروت يمثل أقوى سلطة في الدولة اللبنانية، فهو قادرٌ على توجيه أوامره لتحويل تلك الميليشيات وتسييرها في الجهة التي تريدها طهران. لذلك فإن الصور ومقاطع الفيديو التي رأيناها، وقد نرى مثلها لاحقًا في لبنان، وتلك الاعتداءات بحق اللاجئين السوريين لم تقع في دولة جارة اسمها لبنان، لكنها وقعت في دويلة (حزب الله)، فلبنان الذي هو “صغير وبالحب كبير”، كما غنت فيروز، بات الآن جحيمًا جديدًا، يضاف إلى جحيم السوريين الكبير.




المصدر