هآرتس: الولايات المتحدة تقوم رسمياً بنقل سوريا ليد إيران وروسيا


Idrak Editor

ترجمة: نادين أغبارية

قرار ترامب بإيقاف تسليح قوات المعارضة السورية وتدريبها يعني أيضاً إزالة الدعم الدولي ضد الأسد، ومن الواضح أن دولاً أخرى ستستمر في دعم المليشيات المساندة للنظام، وبذلك يتفاقم الصراع دون التوصل إلى حل.

من غير الممكن بعد الآن اتهام ترامب بالتناقض، على الأقل فيما يتعلق بالأزمة السورية. في كانون الأول/ديسمبر الماضي عقد ترامب اجتماعاً صرح فيه أن الحكومة الجديدة لن يكون من أولوياتها إسقاط أنظمة فاسدة. قاصداً بذلك نظام الأسد، بعكس حكومة أوباما التي كانت إحدى مسؤولياتها إسقاط النظام في سوريا. وقبل ما يقارب الشهر اتخذ ترامب القرار المهم، وهو على الأغلب أهم قرار يتخذه إلى الآن، وهو إلغاء تسليح وتدريب قوى المعارضة في سوريا التي تحارب نظام الأسد.

نشرت واشنطن بوست أمس الأول الخبر الذي لن يقتصر تأثيره الأكبر على المليشيات فقط، بل على روسيا؛ التي يظهرها القرار على أنها صاحبة البيت والقرار في سوريا. وليست روسيا وحدها الراضية عن القرار، بل إيران أيضاً راضية جداً عنه، إذ بذلك يكون قد سُحب البساط من تحت عشرات المجموعات التي تقاتل ضد استمرار النظام في سوريا.

المعارضة كانت واعية للموقف الأمريكي أشهراً طويلة قبل دخول القرار حيز التنفيذ، وأن أمريكا لا ترى في المعارضة قوة مهمة يجب دعمها وتطويرها، خاصة بعد سيطرة قوات الأسد مجدداً على مدينة حلب، وهزيمة قوات المعارضة هناك السنة الماضية. هذه الهزيمة للمعارضة أصبحت، كما هو متوقع، نقطة تحولٍ استراتيجية في المعركة، وأيضاً بين الأنظمة الدبلوماسية التي تسعى للتوصل لاتفاقية لإنهاء الحرب.

قسم من قوات المعارضة، مثل الجيش السوري الحر الذي يحارب في شمالي سوريا بدعم تركي، قد تحولوا إلى مرتزقة لدول أخرى، وأصبحت مهمتهم خدمة مصالح هذه الدول لا محاربة النظام. وقسم آخر مثل أولئك الذين يحاربون في الجنوب على الحدود مع الأردن وإسرائيل، مدعومون من قبل “قيادة العمليات العسكرية” التي تعمل من الأردن، ومن هناك تقوم بتنسيق نشاطاتها العسكرية، وتقوم أيضاً بتمويل قوات المعارضة جنوبي سوريا. وليست كل قوات المعارضة تخضع لأوامر المقر  في الأردن، وحتى تلك التي تتعاون معه ليس بالضرورة أنها تلتزم بالمهام المطلوبة منها. بل قد تبين أن قوات المعارضة صاحبة القوى الأكبر هي تلك التي لم تستطع ولم ترغب الحكومة الأمريكية مساعدتها لأسباب واضحة. واحدة من هذه القوى هي جبهة النصرة أو باسمها الجديد “هيئة تحرير الشام” المنسوبة لتنظيم القاعدة، والمليشيات الفرعية  “أحرار الشام” المؤلفة من جماعات راديكالية متطرفة، والتي تمتلك الكثير من الأسلحة. تلك الجماعات تستمر في إدارة معارك خاصة في منطقة إدلب، وبالأخص معارك فيما بينها.

أدى التصور بأن دعم الجماعات المعارضة للأسد لا يثمر نتائج ملحوظة على أرض الواقع، بأوباما إلى الاستنتاج أن دعم بلاده لهذه الجماعات يجب أن يقتصر على دعم مادي من نقود وأسلحه فقط، دون إرسال جنوده إلى هناك.

ترامب وبشكل استثنائي وجه 60 صاروخاً لهدف محدد في سوريا، وهو القاعدة التي من المتوقع أن جيش الأسد أطلق منها الأسلحة الكيمياوية، وبذلك لخص التدخل العسكري الأمريكي بالقتال ضد الأسد.

القوات الأمريكية ستستمر في التحرك ضد تنظيم الدولة، بمساعدة من قبل قوات سوريا الديمقراطية المكونة من الأكراد وأقلية عربية. ولكن الأمور المتعلقة بالأمن داخل سوريا، بالمحافظة على وقف إطلاق النار في أجزاء من جنوبي سوريا وإدارة أمور الدولة، كل هذه المواضيع ستنتقل ليد روسيا وإيران. والقرار الأمريكي يتخلى أيضاً عن الدعم الدولي الذي كان من أهدافه كبح السيطرة الإيرانية على سوريا ومنع استمرار حكم الأسد. ولكن هذه الخطوة لا تعتبر خطوة تحولية إذ إن تركيا، وهي الرافض القوي لاستمرار حكم الأسد، لا تعارض استمرار حكمه في الفترة الانتقالية.

إضافة إلى ذلك؛ أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون أن تنحي الأسد ليس شرطاً مسبقاً للمفاوضات على مستقبل سوريا، وفي الواقع لا يوجد أي دولة غير السعودية، التي تدعم بقوة قوات المعارضة، اشترطت تنحي الأسد كأساس لبدء المفاوضات الدولية. وهنا يكمن السؤال؛ كيف ستستجيب دول مثل تركيا والسعودية وقطر والإمارات العربية للقرار الأمريكي، لكونها الدول الممولة لقوات المعارضة (كل دولة اتخذت تنظيماً لتمويله)، ولها دور في التمويل أكبر من دور الولايات المتحدة. من المحتمل أن تستمر هذه الدول في تمويل قوات المعارضة المخلصة لها وتسليحها كما فعلت إلى الآن دون صلة بالدعم الأمريكي، وبذلك ستقوم بإطالة الحرب الدامية من أجل المحافظة على مصالحها الخاصة.

مساعدة في فض الخلاف

أبرز مثال على تضارب المصالح الخطير بين القوى هو التوتر بين الحكومة التركية والأمريكية، والذي وصل إلى قمته هذا الأسبوع عندما قامت وكالة الأنباء التركية “الأناضول” بنشر خريطة القواعد العسكرية الأمريكية شمالي سوريا، والتي تشمل عدد الجنود الأمريكيين الموجودين هناك. هذا الأمر أدى إلى غضب كبير ليس فقط من قبل واشنطن بل من جميع أعضاء حلف الناتو؛ لأنه لم يحدث قبل الآن أن قامت دولة عضوة بكشف أسرار عسكرية لدولة عضوة أخرى. والأشد من ذلك أن نشر مثل هذه الخريطة، التي تحتوي مواقع العسكريين، يعرض حياتهم والقواعد العسكرية لخطر كبير.

الكاتب الأمريكي الذي طلب إذناً من الحكومة الأمريكية بنشر الخريطة تم استدعاؤه من قبل مسؤول في البنتاغون حتى لا يقوم بذلك، بالرغم من أنها نشرت في الموقع التركي. ومع أن قسماً من مواقع القواعد العسكرية الأمريكية معروف لدى المليشيات المقاتلة في شمالي سوريا، إلا أنه لم ينشر من قبل معلومات بهذه الدقة من قبل دولة تعتبر من الحلفاء.

هذا النشر سببه الخلاف العميق بين تركيا والولايات المتحدة على مسألة مساعدة الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية، والتي يُتهم المحاربون الأكراد فيها بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا.

وتعتقد أنقرة أن السلاح المستخدم من قبل قوات المعارضة هذه في الحرب ضد تنظيم الدولة في منطقة الرقة، نُقل أو سينقل جزء منه إلى أيدي المنظمات الكردية التي تخوض نزاعاً دامياً ضد تركيا. ورغم التأكيدات الأمريكية أن السلاح الممنوح لقوات المعارضة مرقم ومسجل، وأنه سيتم جمعه من يد الأكراد بعد انتهاء المعركة، إلا أن تركيا لا تزال في حالة شك وتخوف، خاصة أن العديد من الأسلحة الأمريكية ذهبت إلى مجموعات إرهابية بعد الحرب في أفغانستان والعراق.

ترى واشنطن من جانبها الأكراد قوة مهمة ومفيدة في الحرب ضد تنظيم الدولة، وليس لها أي نية، على الأقل في الوقت الحالي، لإيقاف المساعدات والتعاون مع هذه المجموعات. التمييز الذي تتبعه الولايات المتحدة بين المليشيات الكردية التي تحارب تنظيم الدولة، والمليشيات التي لن تتلقى مساعدات أمريكية في حربها مع قوات الأسد، يمكن أن يوسع الصراع الداخلي العنيف بين المليشيات الكردية والجيش الحر الذي يحارب بجانب الجيش التركي، من أجل توسيع مساحة السيطرة التركية في سوريا.

السفير التركي في واشنطن “سردار كيليتش” تطرق إلى الدعم الدولي للأكراد على أنه خطأ استراتيجي، وقال إن إعادة السيطرة على الرقة من الممكن أن تتم على يد قوات تركية وأمريكية. متحدثون أتراك يذكرون أن تركيا كانت مستعدة لإرسال عدد من الجنود من أجل هذه المهمة، لكن الخلاف كان على عددهم؛ إذ إن الولايات المتحدة طلبت 80 ألف جندي، في حين اعترضت تركيا قائلة إن الرقم مبالَغ فيه، وإن الولايات المتحدة ليس لديها خطة تحرك منظمة.

الخوف الآن هو من توسيع التدخل التركي في منطقة إدلب، ومن النزاعات المتوقع اشتعالها بين القوات التركية والمليشيات المحلية، والذي قد يرغم الولايات المتحدة على الإبقاء على قواتها في ساحات المعركة؛ من أجل ضمان عدم نشوب نزاع بين القوات التركية والمحلية.

إذا كانت تركيا راضية عن القرار الأمريكي فيجب على الأكراد المدعومين من واشنطن أن يقلقوا. صحيح أن الدعم الأمريكي لهم مستمر ما دامت المعركة ضد تنظيم الدولة مستمرة، ولكن يجب عليهم الاستنتاج أن هذا الدعم مشروط بالزمن والظروف؛ لأن تركيا، رغم الخلاف مع واشنطن، ستستمر في الضغط على أمريكا لكونها دولة صديقة للأخيرة، ومهمة أكثر من الأكراد الذين ينتهي دورهم فور القضاء على تنظيم الدولة. ومن المتوقع أن يطلب الأكراد السوريون لأنفسهم حليفاً وداعماً دائماً بدلاً من الولايات المتحدة في حربهم للنفوذ التركي، وليس من المستبعد طلب المساعدة من إيران التي كانت الداعم الأول للمليشيات الشيعية في العراق وسوريا.

يجب تغيير الاستراتيجية

لإيران علاقات قوية مع الجماعات الكردية في العراق، وبالأخص مع الشق الشرقي لجماعة جلال طالباني التي ليس بينها وبين الأكراد في سوريا خلاف حول استمرار حكم الأسد، وبالدعم الإيراني والروسي يتمكن الأكراد من الحصول على مقعد في المناقشات السياسية حول مستقبل سوريا، والتي تم استبعادهم منها حتى الآن بعد ضغوطات تركيا على  الولايات المتحدة.

قرار ترامب يعيد للأذهان تخلي الولايات المتحدة عن الشيعة الذين دُعوا من قبل الولايات المتحدة، بعد حرب الخليج الأولى، إلى التمرد ضد صدام حسين وإسقاطه. فالمساعدات التي وعدوا بها لم تصل، وقُتل عشرات من الشيعة. الرئيس بوش الأب تخوف من أن مساعدة الشيعة ستقوي إيران؛ لذلك فضل الإبقاء على صدام كقوة ردع ضد إيران. والآن ترامب يتخذ سياسة مماثلة؛ إذ يعتمد على بوتين لإيقاف الزحف الإيراني.

سيناريو متفائل ذلك الذي بموجبه تستطيع الدول العربية استغلال القرار الأمريكي لإقناع الأسد بالعودة إلى أحضانها، وتلقي المساعدات منها من أجل إعادة إعمار سوريا، مقابل إصلاحات سياسية، وتقاسم السلطة مع جميع قوى المعارضة.

العيون ستكون موجهة منذ الآن إلى روسيا وإيران. القوات الروسية التي دخلت هذا الأسبوع إلى محافظة درعا من أجل المراقبة والإشراف على وقف إطلاق النار، وإعادة انتشار قوات حزب الله تبعاً للخريطة المخططة للمنطقة الأمنية، وبالأخص الهدوء النسبي المستمر في مناطق وقف إطلاق النار، هي كلها علامات إيجابية بأن سوريا وإيران تتفهم كل منهما مصالح الأخرى. الخطوة الثانية ستكون تثبيت المنطقة الأمنية، وإبعاد القتال عن المناطق الحدودية مع إسرائيل والأردن. بالمقابل تناقش حالياً كل من تركيا وروسيا وإيران فكرة إدراج منطقة أمنية في إدلب، وهذا سيكون الامتحان الحقيقي لقدرة روسيا على قيادة سوريا.

بعد انسحاب الولايات المتحدة من الساحة (بصرف النظر عن القتال ضد تنظيم الدولة) برز دور قوي لكل من إيران وتركيا كشريك في العملية السياسية. في ظروف أخرى كان باستطاعة إسرائيل الاستعانة بتركيا كشريك استراتيجي، من أجل المحافظة على مصالحها، ولكن في الظروف القائمة لا تزال تركيا دولة غير موثوق بها بالنسبة لإسرائيل؛ بسبب قربها من إيران وروسيا. الأهم من ذلك أن إسرائيل بحاجة الآن أن تغير نموذجها الاستراتيجي أمام الظروف التي ستصبح روسيا فيها طرفاً مسيطراً في سوريا بشكل خاص، وفي الشرق الأوسط بشكل عام، في أي ساعة تقرر بها الولايات المتحدة الانسحاب خارج المنطقة.

المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية

الكاتب: تسبي بريل

الرابط: https://www.haaretz.co.il/news/world/middle-east/.premium-1.4278469

Share this:


المصدر