واشنطن بوست: الولايات المتحدة وإيران تتجهان نحو أزمة


أحمد عيشة

كان يوم الإثنين يومًا عصيبًا، بالنسبة لجدول أعمال الرئيس ترامب؛ ففي الوقت الذي انهارت فيه محاولة مجلس الشيوخ لإلغاء أوباماكير وسط اقتتالٍ جمهوري، وافق البيت الأبيض على مضض على امتثال إيران للاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما في عام 2015. وكانت هذه هي المرة الثانية التي تقوم فيها إدارة ترامب بذلك، إذ إنّه مطلوبٌ كلَّ 90 يومًا أنْ يبلّغ الكونغرس عن إيران إنْ كانت تفي بالتزاماتها.

وافق ترامب على هذه الخطوة مع تحفظاتٍ عميقة، وأيدَّ مزيدًا من العقوبات على إيران. وقالت زميلتي كارين دويونغ: “لقد أوضح مسؤولون كبار في الإدارة أنَّ الشهادة كانت مضحكة”، وقالت: إنَّ الرئيس ترامب يعتزم فرض عقوباتٍ جديدة على إيران، بسبب “الأنشطة الخبيثة” الجارية في المجالات غير النووية، مثل تطوير القذائف الباليستية، ودعمها الإرهاب”.

وتفيد التقارير أنَّ ترامب غضب، بعد أنْ وافق على شهادةٍ أخرى بشأن امتثال إيران، وهو ما أكدّه المراقبون الدوليون، والموقعون الآخرون على الاتفاق. ويرى حلفاء الولايات المتحدة الرئيسون، ومنهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أنَّ الاتفاق يشكّل عقبةً فعلية في وجه طموحات طهران النووية. وهم لا يربطون بين تنفيذه، وبين المخاوف بشأن السلوكيات الإيرانية الأخرى المزعجة، بما في ذلك دعمها لمختلف الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، واعتقالاتها غير العادلة للمواطنين الأجانب.

كتب السفير الألماني في واشنطن، بيتر فيتيغ، هذه السنة: “إنّ الاتفاق النووي يساعد بشكلٍ كبير على منع إيران من الحصول على أسلحةٍ نووية”. وأضاف: “لكننا ما زلنا واقعيين جدًا بخصوص دور إيران الإشكالي في المنطقة”.

قوات الحرس الثوري الإيراني تسير في موكب عسكري عام 2016 في طهران، بمناسبة الذكرى السنوية الـ 36 لغزو العراق لإيران عام 1980. (ابراهيم نوروزي/ أسوشيتد برس).

ما تزال إيران هي “البعبع” الجيوسياسي الأول للرئيس. ترامب الذي يبدو عازمًا على تحطيم كلّ ركيزةٍ من تركة الرئيس السابق باراك أوباما، وصف مرارًا وتكرارًا الاتفاق كاستسلامٍ للجمهورية الإسلامية. وكان الحدث الوحيد الذي لا يُنسَى، في فترةٍ قصيرة من فترة مستشار الأمن القومي المخلوع مايكل فلين، هو بيانه المبهم: “وضع رسميًا إيران تحت المراقبة”.

في المملكة العربية السعودية، في أولّ زيارةٍ خارجية له، صادق ترامب على رؤية الرياض للشرق الأوسط التي تتشكل أولًا وقبل كل شيء، اعتمادًا على الكراهية تجاه طهران.

ووفقًا لـما قاله بيتر بيكر لصحيفة (نيويورك تايمز): “أبلغ ترامب فريقه الأمني أنّه لنْ يلتزم [بالتصديق على امتثال إيران] إلى ما لا نهاية”، وتذمّر خلال اجتماعٍ استمر ساعة في الأسبوع الماضي، حول القيام بذلك في هذه المرة. وكان على مستشاريه الرئيسين، بمن فيهم مستشار الأمن القومي ماكماستر، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون، ووزير الدفاع جيم ماتيس -وكلهم لا يبدون الكثير من التعاطف مع الإيرانيين- أن يقنعوه بالالتزام بالاتفاق.

وبينما كان المرشح ترامب متقلبًا بشأن إلغاء الاتفاق النووي تمامًا، اضطرت إدارته إلى التخلي عن هذا العمل الأحادي الجانب. ومع ذلك، يبدو أنَّ ترامب نفسه حريصٌ على أن يتفكك الاتفاق.

وقال تريتا بارسي، وهو رئيس المجلس القومي الأميركي الإيراني، الذي يسعى إلى إقامة علاقاتٍ أفضل بين واشنطن وطهران: إنَّ إدارة ترامب “خلقت عمدًا مناخًا من عدم اليقين من خلال التحقيق المستمر في صحة الاتفاق”، مشيرًا إلى أنَّ الولايات المتحدة “قد تُقلع عن الاتفاق، وباقتراحٍ أنَّها قد تسعى لتغيير النظام في إيران”. وقال بارسي، في رسالةٍ بالبريد الإلكتروني: “بدلًا من متابعة الحوار مع طهران لحل النزاعات المتبقية، كما فعل كلّ واحد من حلفائنا الأوروبيين، اختارت إدارة ترامب تصعيد التوترات، وتجنب الفرص للتوصل إلى تفاهمٍ متبادل”.

وفي مؤتمر قمة الناتو، في أيار/ مايو الماضي، حاول ترامب إقناع الشركاء الأوروبيين بوقف إجراء صفقاتٍ تجارية ومالية مع إيران، وهي خطوةٌ يمكن أنْ تشكّل في حدِّ ذاتها انتهاكًا للاتفاق الذي ينص على أنْ “تمتنع كلّ أطرافه عن أيّ سياسةٍ”، تضر بتعاملات إيران الاقتصادية طالما تمتثل للاتفاق.

لكنَّ مسؤولين من حكوماتٍ أخرى موقعة على الاتفاق لا يبدون رغبةً تُذكر في إعادة التفاوض حول شروطه. في الشهر الماضي، أشاد وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، بالاتفاق باعتباره “علامة أمل كبيرة” و”نافذة تاريخية”، لإعادة العلاقات.

العديد من الشركات الأوروبية غارقةٌ في السوق الإيرانية. هذا الشهر، وقعّت شركة الطاقة الفرنسية العملاقة (توتال) صفقة غازٍ مميزة مع إيران، تبلغ قيمتها ما يقارب 5 مليارات دولار أميركي.

وقال إيلي جيرانمايه -وهو باحثٌ سياسي كبير في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- لزميلتي إيرين كانينغهام: “هناك انقسامٌ واضح بين الأوروبيين والأميركيين حول إيران، بدأ الأوروبيون على طريق التقارب، بينما تبحث الولايات المتحدة عن سياسة عزلة واحتواء”.

يتحدث وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ووزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل لوسائل الإعلام، يوم 27 حزيران/ يونيو في برلين. (سيان غالوب/ صور جيتي).

لم يكن ذلك غائبًا عن وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف الذي كان في نيويورك هذا الأسبوع. وفي مؤتمر العلاقات الخارجية، قال ظريف: إنّ البيت الأبيض يرسل “إشاراتٍ متناقضة”. وفي مقابلةٍ مع (ناشيونال إنتريست)، انتقد ظريف “انتهاك” ترامب المفترض لروح الاتفاق.

وقال: “إذا كان الأمر يتعلق بانتهاكٍ كبير، أو ما يسمى، وفق شروط الاتفاق النووي: فشلًا مهمًا، فإنَّ إيران لديها خيارات أخرى، بما فيها الانسحاب من الاتفاق”. وعلى الرغم من أنَّ البيت الأبيض يحبذ انسحابًا إيرانيًا، فمن غير المرجح أنْ يحدث ذلك. كما استخدم ظريف منبره لتوبيخ ترامب حول أجندته المكشوفة في مناهضة إيران، بما في ذلك الأزمة بين دول الخليج التي اندلعت، بعد زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية.

“نحن بحاجةٍ إلى أن نكون أكثر حذرًا بشأن الإشارات، لأننا رأينا أنَّ الإشارات الخاطئة في الأسابيع القليلة الماضية في منطقتنا، وخاصةً بعد قمة الرياض، تسببّت في ردِّة فعلٍ خطيرة نوعًا ما في المنطقة، ليس بين حلفاء الولايات المتحدة وإيران، ولكن بين حلفاء الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى المأزق حول قطر. وأضاف: “لذلك أعتقد أنّه سيكون من المهم إبقاء ذلك في الاعتبار، حتى نفهم تعقيدات الوضع”.

كتب فريد كابلان في مدونته: “إنها علامةٌ مدمرة.. أن يتفوق وزير خارجية إيران وبسهولة على رئيسٍ أميركي”. وأضاف: “إنها إشارةٌ مؤكدة على أنَّ وزير الخارجية الإيراني على حق”.

اسم المقال الأصلي The U.S. and Iran are heading toward crisis الكاتب إسهان ثأرور، Ishaan Tharoor مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، The Washington Post، 19/07/2017 رابط المقال https://www.washingtonpost.com/news/worldviews/wp/2017/07/19/the-u-s-and-iran-are-heading-toward-crisis/?utm_term=.ec02f4832830 ترجمة أحمد عيشة


المصدر