الأقصى في عين “الممانعة”
24 يوليو، 2017
نزار السهلي
صدعَنا ملالي إيران، وهم يرعدون ويهددون ويتوعدون، صدعونا وهم يؤكدون قدرتهم على محو “إسرائيل” من الوجود في يوم واحد، وبصواريخ الدقائق السبع، فلماذا لا يقومون بالأمر، لو كانوا فعلًا يظنون أنهم قادرون، وأن الصهاينة يقفون وراء المؤامرة الكونية عليهم وعلى النظام السوري؟ وإذا ظن ملالي إيران أنّ عصاباتهم في سورية سترعب الناس وتثنيها عن الانتصار، فهم واهمون أيضًا، ومشروعهم مكشوف تمامًا!
تختفي مواقف ملالي طهران، وتلك المحسوبة على محور “الممانعة”، لترجم التردي والهوان العربي لمواجهة الاحتلال وإجراءاته في المسجد الأقصى، ولعل الابتعاد قليلًا عن اجترار تلك المواقف يخفف مأسوية الوضع الذي نعيش، خصوصًا بعد انشغال أصحاب شعار “يا قدس قادمون” في تيه معقد بطريق القدس وآلامها. خبر في أسفل الشاشة ونقل لخبر إجراءات الاحتلال هو جلّ ما نقله معظم الإعلام العربي.
اللافت في أخبار القدس ليس المذيل من إعلام عربي مرتد نحو انعزالية فاضحة، بل في إعلام “الممانعة” الذي دأب على لوم أنظمة أخرى لتحمّل مسؤوليتها. إبعاد المسؤولية عن أنظمة الممانعة نفسها التي تخوض حربًا مدمرة وجرائم وحشية ضد مجتمعاتها، هو الشغل الشاغل لها منذ أمد بعيد، حين كان وما زال الأقصى والقدس يرزحان تحت الاحتلال، وتتم مواجهته بتهافت الشعارات المجردة، ودون مشروع سياسي ووطني واضح وتراكم ممارساتي دؤوب يفضي إلى نتائج كنس المحتل. وحدهم أصحاب الأرض يدركون معادلة المواجهة، ويسقطون زيف الادعاءات العربية الرسمية.
ليست الادعاءات الرسمية من سقط في اختبار العدوان المستمر على القدس، بل كل الأيديولوجيا المصاحبة لنظام عربي، يرتكب فظاعات بحق شعبه مع مليشيات طائفية استخدمت القدسَ في “بروباغندا” الجريمة، فلم تعد الممانعة “حضن المقاومة” القاضي بدونية “الجبارين” عن ممارسة المقاومة ضد المحتل، ليتأكد تمامًا أنه من دون الحضن ومعيقاته وتكبيله ومصادرته للعقل واليد؛ تصبح المقاومة أكثر تأثيرًا وحضورًا، حين يتحرران من الاستبداد.
ما يمكن قوله هنا، عن الادعاءات والمواقف المتعلقة بالقدس والأقصى، إنها لم تعد نمطًا شعاراتيًّا فحسب، بل فقدت زمجرتها الفارغة وأدركت في صمتها تبرير فاشية أسدية مع المحتل، فما لم يكن يجرؤ عليه الاحتلال في السابق، غدا يراه اليوم حلالًا في المستقبل مع الشعب الفلسطيني وحتى اللبناني، في تبني تسميات القاموس الصهيوني عن الآخر “مخربين، إرهابيين ومتشددين إسلاميين”، ومن يقبل رمي براميل همجية بدائية من الطائرات على الشعب السوري، وقصف مخابزه ومحطات وقوده، وتدمير بنيته التحتية؛ لا يمكنه أن يملك أي فائض من الأخلاق ليتباكى على الشعب الفلسطيني أبدًا!.
مواقف جلّها تفريخ مدجن ومروض من نظام الممانعة. الغرق في الجبن والعار منذ تدمير كل مقدسات. لم يعد خزان الأخلاق المثقوب في سورية قادرًا على غير التأرنب، نحن أمام دمامل وقيح لا علاقة لهما بتضحيات البشر، لا في فلسطين ولا في سورية، دمامل تجنبت أخبار تدمير مقدسات السوريين لا يمكن أن تثور على مقدسات أخرى، وتتجنب قراءة واقع مخز يتاجر فيه نظام قاتل مع ميليشيا مجرمة باسم “القضية الفلسطينية”.
الوقوف على الهامش، من مذبحة الشعب السوري، سيقود حتمًا إلى هذا الهوان والذل العربي، ليس مما يجري في سورية بل في فلسطين ومصر واليمن وليبيا والعراق، وكل الشارع العربي الذي انتفض على أنظمة، بصرخةٍ تدرك أن الشعوب الحرة هي الأقدر على مساندة بعضها وفهم معاناتها، وليس تلك التي يراد لها أن تكون بلا وزن ولا كرامة في مزارع الطغاة.
[sociallocker] [/sociallocker]