وجهة نظر الغارديان حول الموصل: ثمن الانتقام


أحمد عيشة

هناك أدلة متزايدة على انتهاكات ضد المشتبه في انتمائهم للدولة الإسلامية، وضد أسرهم. الانتهاكات التي ستكلف العراق غاليًا.

مقاتل يشتبه بانتمائه إلى (داعش)، يسحب بعيدًا بعد الاستسلام لجنود الجيش العراقي، في 18 تموز/ يوليو وسط أنقاض المدينة القديمة. صورة: شبكة غوزي/ ريكس/ شتر ستوك

بعد أيامٍ من إعلان بغداد تحرير الموصل، وهي آخرُ معقلٍ حضري لتنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق، هناك أدلةٌ مثبتة عن انتهاكاتٍ بشعة لحقوق الإنسان، وعن الهجمات الانتقامية ضد من يُشتبه بأنّهم أعضاءٌ في الجماعة. ومن هذه الأدلة فيديو، يظهر القوات العراقية صراحةً تقوم بقتل مقاتلٍ أعزل عن طريق رميه من حافةٍ عالية، والقيام بعنفٍ وحشي ليس ضد المقاتلين فقط، بل ضد أسرهم أيضًا. وكانت قد ظهرت لقطاتٍ سابقة تظهر أفرادًا من القوات الخاصة تعذّب المدنيين، وتقوم بإعدامهم. متحدثٌ باسم رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، قال في نهاية الأسبوع الماضي: إنّ الحكومة ستعلن عن إجراءٍ ضد هؤلاء الجنود ولكن ليس الآن، لأن من شأن ذلك أن “يشوش على رسائل التهنئة الحالية بالنصر”.

أن ترى على صفحةٍ أو شاشة، على بعد آلاف الأميال، تلك الحكايات والصور المرعبة، فستبقى تتذكرها طويلًا أكثر من صور الجنود العراقيين الذين يرقصون محتفلين، بالنصر العسكري الذي هو نوعٌ منحاز جدًا من النجاح. الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي على الملأ، من الموصل قبل ثلاث سنواتٍ قد انهارت؛ والمعركة من أجل استعادة عاصمة الأمر الواقع لها (الرقة في سورية) تتقدم بشكلٍ جيد أيضًا، لكن الصراع لم ينته بعد. ما تزال الجماعة تسيطر على أراضٍ شاسعة، والأهم أن الافتراض، بأنها ستعود إلى جذورها التمردية بينما تفقد الأرض، يتبين أنه صحيح، إذ تُصعّد من هجماتها في المدن التي خسرتها. من المرجح أن يشكّل المقاتلون الأجانب خطرًا أبعد من ذلك، فضلًا عن التهديد الإرهابي، عندما يعودون إلى أوطانهم.

مستقبل العراق ستحدده نتائج مصفوفةٍ هائلة من التحديات. ينتقمون من الجغرافيا السياسية (كيفية تأمين البلاد عندما تكون المنطقة في مثل هذه الحالة من الاضطراب، وعندما يكون العديد من الدول متورطة في ذلك؟). ومن الناحية النفسية، يقول الخبراء إن أطفال الموصل يعانون من “توتر قاتل، مسكونون بكوابيس وقت الاستيقاظ، وغير قادرين على التعبير عن المشاعر، أو على اللعب”. نزح نحو مليون مدنيّ تقريبًا من الموصل وحدها. هم تحملوا الحكم الدمويّ لـ (داعش)، والمعركة للخلاص منها، التي كلفت العديد من الأرواح. تدمرّت مُدنهم؛ وتُقدّر تكلفة إصلاح البنية التحتية فقط بأكثر من مليار دولار. مع العلم أنّ خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة في العراق لم تحصل على نصف تمويلها.

إنَّ حكومةً غير قادرةٍ على تلبية تلك الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، لن يكون لديها الأمل في الحصول على ولائهم. ولا يمكن أنْ تأمل في ولائهم أو إخلاصهم، بينما دورة الانتقام مستمرةً. الرغبة في الانتقام من قبل أولئك الذين فقدوا أحباءهم في المعارك ضد (داعش) هي، من الناحية الإنسانية، مفهومةٌ كليًّا.

فمن غير المستغرب بالمثل أنّ أولئك الذين شهدوا وحشيتها لا يرون أيّ سببٍ لتقديم مقاتليها بسبب العملية، لكن الإجراءات القانونية ضرورية. الاتهامات والانتهاكات خاطئة، وأيضًا النتائج عكسية؛ وستخلق جيلًا مقبلًا من المقاتلين المتطرفين، مثلما ولدّوا هذا الجيل. منذ غزو العراق في عام 2003، فإن إساءة معاملة المدنيين، (وأغلبهم من السنّة) من قبل القوات الحكومية والميليشيات، قد انتهت من دون رادع، وهذا هو الذي رسخ الأساس لظهور (داعش).

كما حذّر قائدٌ أميركي كبير في العراق: “بغداد ستفعل شيئًا مختلفًا جدًا بشكلٍ ملحوظ”، لمنع ظهور (داعش) الثانية. البلاد بحاجةٍ إلى حل سياسي يمكن أنْ يوفر الأمن للسنّة، ويقنعهم بأنهم جزءٌ من مستقبل العراق. الجماعات التي توحدت لطرد (داعش)، بما في ذلك الأكراد والمقاتلون السنة المدعومون من تركيا، والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، لم يكن لها بشكلٍ ما أرضية مشتركة.

إنَّ وقفَ زيادة الانتهاكات حاجةٌ ملحة. هؤلاء الموجودون على أرض الواقع يقولون إنّها جزئيًا ناتجةٌ من عدم الثقة في المحاكم الفاسدة للتعامل حتى مع أعضاء (داعش). إنَّ محاكمتهم ومعاقبتهم من شأنها أنْ تساعد في إعادة بناء الثقة. مثل هذه المحاكمات ينبغي أنْ تأخذ بالحسبان مسألة المشاركة بالإكراه، مع أن قلةً لديهم الكثير من التفاؤل في هذا الخصوص.

جنبًا إلى جنب مع تلك الحالات، يجب تنفيذ مقاضاة أولئك الذين يستهدفون المشتبَه بأنهم أعضاء في (داعش)، وأسرهم. في الوقت الحاضر، يعتقد الجنود وأفراد الميليشيات أنّهم يمكن أنْ يفلتوا من العقاب. تظهر موجة من الأدلة الآن تعكس استعدادهم لتصوير تعذيب المعتقلين، مع ابتسامةٍ على وجوههم. عددٌ قليل من المحاكمات قد يساعد في الحدّ من تجاوزات القتلة. ينبغي على شركاء التحالف حثّ بغداد على اتخاذ إجراءاتٍ، كما وعدت. ولن يكون هذا في مصلحة العراق وحسب، بل في مصلحة البلدان التي يمكن أنْ تجد نفسها تتعامل مع (داعش) الثانية في العراق، أو في بلدانها.

اسم المقالة الأصلي The Guardian view on Mosul: the price of revenge الكاتب الافتتاحية، Editorial مكان النشر وتاريخه الغارديان، The guardian، 20/7 رابط المقال https://www.theguardian.com/commentisfree/2017/jul/20/the-guardian-view-on-mosul-the-price-of-revenge ترجمة أحمد عيشة


المصدر