المعارض الروسي دافيدس: الأسباب التي تجعل المجتمع الروسي صامتاً معقدّة


محمد

بقلم حكاية ما انحكت. ترجمه‫/‬ته إلى العربية نزيهة بعاصيري.

سيرغي دافيديس، معارض سياسي ومدافع عن حقوق الإنسان في روسيا وهو عضوٌ في مجلس مركز حقوق الإنسان التذكاري، بالإضافة إلى كونه عضواً في مجلس التنسيق الاتحادي لحزب 5 ديسمبر. أجرى موقع “حكاية ما انحكت” مقابلة مع دافيديس لفهم موقف المجتمع المدني الروسي من الصراع في سوريا. وهذا الحوار هو نتيجة شراكة بين موقع “حكاية ما انحكت” وموقع أوبن ديموكراسي في روسيا (أودر). (1): لقد مرّت أكثر من ست سنوات والمدنيون السوريون يتعرّضون لعنفٍ لم يسبق له مثيل، فلماذا لا يتحدث المجتمع المدني الروسي عما يحدث؟ هل هناك مبادرات تضامنية روسية لا تتم تغطيتها في الإعلام؟ لا أعتقد أنّ هناك أيّة مبادرات تضامنية ذات أهمية خاصّة لا يعرف عنها العالم. في بعض الأحيان، هناك لحظات تضامن منفردة وأحياناً هناك شعارات تضامن بشكلٍ عام في مظاهرات المعارضة، خاصةً خلال تلك المتعلّقة بأوكرانيا. ولكن كانت هناك مظاهرة (في موسكو) حضرها ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص بعد قرار الكرملين بنشر قواته في سوريا (في عام ٢٠١٥). وكانت هناك محاولة لعقد مظاهرة تضامنية في ذروة المعارك في حلب في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٦، وكان لهذه المحاولة صدىً خاصاً في المجتمع، غير أنّ سلطات المدينة لم تسمح بقيام تلك المظاهرة. في ذلك الوقت، كانت هناك بعض أعمال الاحتجاج في بعض المدن الروسية، على الرغم من أنّها لم تحشد الكثير من الأشخاص. كما أنّ هناك بعض التضامن مع الشعب السوري على شبكات التواصل الاجتماعي الروسية، غير أنّها هادئة إلى حدٍّ كبير. أعتقد أنّ الأسباب التي تجعل المجتمع الروسي صامتاً بشأن هذه المسألة معقدّة، وربما لا يمكن تفسيرها على نحوٍ شاملٍ، غير أني أظن العوامل الآتية هي الأهم: – إنّ تغطية الوضع في سوريا من قبل وسائل الإعلام خاضعة لسيطرة الدولة. إن أشارت هذه التغطية إلى قيام أعمال عنف ضد المدنيين السوريين، فيتم تحديد هذه الأعمال على أنّ مرتكبيها هم من تنظيم الدولة الإسلامية أو التحالف (الذي تقوده الولايات المتحدة). ويتم تصوير روسيا على أنها المدافع عن المدنيين. – طبيعة الصراع في سوريا لا تتناسب مع الانقسام القائم بين الغرب الديمقراطي ونظام بوتين الأوتوقراطي. – هناك نقص عام في المعلومات المتاحة في روسيا حول الوضع في سوريا. بسبب تعقيد الوضع، هناك صعوبة كبيرة للمواطنين الروس أولاً لمعرفة ما يجري حقاًّ، خاصةً على أساس المعلومات المتاحة، والتي هي مجزأة وغير متوازنة، وثانياً لمحاولة فهم من يجب دعمه ولماذا. – السياق السوري بحدّ ذاته بعيد ثقافياً وغير مفهوم عند المواطنين الروس (مقارنةً مع أوكرانيا)، ومستوى التعاطف مع الشعب السوري متدنٍّ. – يعتبر الشعب الروسي تهديد الإرهاب الإسلامي حقيقياً، ويأتي في المقام الأول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما يجد الجمهور الروسي صعوبة في التمييز بين الحرب ضد داعش وغيرها من الصراعات العسكرية داخل سوريا. (2): ماذا عن المعارضة الروسية للحكومة الحالية؟ أين هي من الصراع السوري؟ ترى المعارضة الحقيقية للسلطات الروسية، أي المعارضة غير النظامية، حرب بوتين في سوريا بشكلٍ سلبي. وهذا صحيح لما يسمّى بالمعارضة “الليبرالية” أيضاً، فضلاً عن قسمٍ كبيرٍ من المعارضة الوطنية الروسية واليسار الروسي. غير أنّ الأطروحات الرئيسية للجماعات المعارضة الروسية هي عملية وليست إنسانية، فروسيا تستخدم الأموال لتمويل حربٍ بعيدة وغير ضرورية، أي الأموال اللازمة لحلّ العديد من المشاكل الداخلية. ومع ذلك، فإنّ فكرة قيام نظام بوتين بشنّ الحرب في سوريا لدعم بشار الأسد ولمعارضة الغرب وتلبية طموحاته الجيوسياسية بدلاً من مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الإرهابية، يُنظر إليه على أنه شبه بديهي من قِبل المعارضة. (3): هل اللامبالاة تجاه سوريا مرتبطة بطريقةٍ أو بأخرى بسوء حالة الحريات المدنية في روسيا اليوم؟ من الصعب الحكم على العلاقة بين الاثنين بالضبط، ولكن لا شكّ أنّ هناك رابط بشكلٍ ما. كحدٍّ أدنى، تأخذ العديد من المشاكل المتعلقة بالحقوق والحريات في روسيا الكثير من وقت المجتمع الروسي الذي هو، من حيث المبدأ، على استعداد للتعبير عن قلقه حيال هذه القضايا المحلية، والتي لا تترك المجال بالتالي للمشاكل التي تحدث بعيداً عن روسيا. وعلاوةً على ذلك، فإنّ القيود المستمرة على حرية التجمّع والتعبير تحدّ من قدرة الفرد للتعبير عن موقفه للآخرين. (4): إلى أي مدى يمكننا أن نعزو اللامبالاة (الروسية المدنية) تجاه القضية السورية إلى اللامبالاة العامة تجاه الصراعات النائية، وإلى أي مدى يمكننا اعتبارها دليلاً على وجود دعم واسع النطاق لسياسات الحكومة الروسية في سوريا؟ كلاهما موجودان هنا، ولكن لفهم مساهمتهما، علينا القيام بمقارنة عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم وعدوانها تجاه أوكرانيا. وفقاً لاستطلاعات الرأي، فإنّ هذه الإجراءات من جانب السلطات الروسية كان لها دعم أكبر بكثير من المجتمع. ومع ذلك، فإنّ الاحتجاج على عدوان الدولة وتضامن الشعب الروسي مع الشعب الأوكراني كان ظاهراً بشكلٍ ملحوظٍ في المجتمع الروسي. لذلك، عندما نتحدث عن سوريا، فإن دعم الشعب الروسي لإجراءات السلطات الروسية كان فعلياً غير حاضر. والواقع هو أن هذه اللامبالاة لصراعٍ بعيدٍ وأجنبي ومعقّد بشكلٍ لا يُصدّق هي السرّ. (5): إلى أي مدى تتوفر مصادر موثوقة ومتنوعة باللغة الروسية عما يحدث في سوريا؟ ما هو التصوّر العام لتغطية وسائل الإعلام الروسية للصراع السوري؟ ماذا عن الرأي السائد عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الغربية للصراع؟ من الصعب القول، على الأقل في روسيا، ما هي المصادر الموثوقة تماماً التي تغطي الأحداث في سوريا. ولكن بالطبع، من المستحيل التحدّث عن تنوّع مصادر المعلومات في روسيا. في وسائل الإعلام الرسمية، والتي هي إلى حدٍّ ما المصدر الرئيسي للمعلومات لغالبية المواطنين الروس، التغطية دعائية ومتحاملة بشكلٍ كامل. في وسائل الإعلام القليلة المعارضة وعلى الإنترنت، يقوم التنوّع على دحض المعلومات الرسمية، فهناك محاولات للفت الانتباه إلى الخسائر الروسية، وإنفاق الأموال على الحرب، والسياسة الخارجية، والفشل العسكري لبوتين والأسد، بدلاً من محاولة رسم صورة حقيقية وشاملة لما يجري في سوريا. لا يمكن للمشاهد الروسي عملياً الوصول إلى صورة الصراع السوري التي تراها في الصحافة الغربية السائدة. فهذا النوع من المعلومات (ليس فقط في علاقتها بسوريا، ولكن من حيث كمية الاهتمام المعطى) ليس متاحاً باللغة الروسية، بما في ذلك في وسائل الإعلام المعارضة. الصورة التي تراها في وسائل الإعلام الرسمية والمؤيدة للحكومة الروسية، تختلف اختلافاً رئيسياً عن نظيرتها الغربية، وهذا ينطبق على تغطية الصحافة البديلة كذلك. (5): هل هناك ممثل مدني سوري أو مثقف أو فنان تمكّن من الوصول إلى الجمهور الروسي؟ بسبب العلاقات التاريخية بين نظام الأسد والاتحاد السوفياتي السابق، أقام عددٌ كبيرٌ من السوريين في روسيا وبعضهم يتكلم الروسية بطلاقة. ما هو دور هذه الجالية السورية في روسيا والخارج؟ وهل لها أي تأثير على كيف يتم تقديم ما يحدث في سوريا للشعب الروسي؟ لا أستطيع التفكير في أي أمثلة ناجحة ناشد فيها السوريون الجمهور الروسي، أو بأي دور قام به السوريون الناطقون بالروسية. المثال الوحيد الذي يمكنني أن أفكر فيه هو، ربما، التصريحات التي أدلى بها محمد فارس وهو أول رائد فضاء سوري. قام فارس بمهمة في محطة مير الفضائية في عام ١٩٨٧، وانضم إلى المعارضة في عام ٢٠١٢، غير أنه فرّ إلى تركيا في نهاية المطاف. في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٥، ناشد فارس الشعب الروسي لدعم الحرب ضد الأسد، وكان لهذا النداء صدىً معيّن في المجتمع الروسي. (6): يزعم البعض أن الإسلاموفوبيا (أو رهاب الإسلام) لعب دوراً في الحدّ من التعاطف الروسي مع القضية السورية (مقارنةً مع القضية الأوكرانية). إذا كان الأمر صحيحاً، فهل ينظر الروس إلى سوريا بنفس الطريقة التي ينظرون بها إلى الشيشان، وهل يتشاركون نفس الأحكام المسبقة بزعمها قضية “إسلامية”؟ ماذا عن المسلمين الروس؟ هل لهم صوتهم بخصوص ما يجري في سوريا أم أنّ التعبئة تقتصر على المتشددين الإسلاميين؟ أنا لا أعتقد أن الإسلاموفوبيا تلعب دوراً حاسماً في فهم لامبالاة المواطنين الروس تجاه سوريا. هي تلعب دوراً معيّناً، لكن في الحقيقة، لا يريد المجتمع الروسي أن يفهم المواجهات الداخلية أو يهدر طاقته على التمييز بين إرهابي من داعش أو إرهابي آخر ينتمي إلى جماعة تقاتل في سوريا، لأن هناك خطر كونهم على خطأ. ولكن تبيّن مقارنة سوريا مع الشيشان أن الإسلاموفوبيا ليست عاملاً رئيسياً في هذه المعادلة. كان مستوى التعاطف مع الشعب الشيشاني خلال الحروب الشيشانية الأولى وحتى الثانية أعلى بكثير. وربما كان ذلك بسبب بالتقارب الجغرافي والثقافي والتاريخي لروسيا مع الشيشان (والخسائر والهجمات الإرهابية والمشاركة الجماهيرية في الأعمال العسكرية من جميع أنحاء روسيا، ولأن الحرب كانت فعلياً قريبة جداً). أنا لست على دراية كافية بما يشعر به المسلمون الروس حول هذا الوضع، لكن ما أعرفه أن مواقفهم محدّدة بشكلٍ أساسي من خلال علاقتهم بالسلطات الروسية. يميل مؤيدو النظام إلى دعم مواقفه، بما في ذلك الحرب في سوريا، في حين يعمد المعارضون إلى التعاطف مع داعش. ولكن على حدّ علمي، لم يقم المسلمون الروس بأي محاولات لدعم المدنيين السوريين (أو التظاهر) ضد الأسد أو ضد دور روسيا في الحرب. (7): في أوروبا، أصبح الانحياز للنظام السوري اتجاهاً مشتركاً بين قطاعات واسعة من اليسار التقليدي (تحت شعار “مناهضة الإمبريالية”) واليمين المتطرّف (بسبب رهاب الإسلام وعلى أمل الحدّ من الموجات غير المرغوب فيها من اللاجئين من خلال “دعم” الدكتاتوريات “العلمانية” المستقرة). كما أنّ عدداً متزايداً من صناع القرار يعيدون تأهيل نظام الأسد بحجة أنه، من وجهة نظرهم، أقل الشريّن (كون الأخير متمثّلاً بالجهاد السنّي)، كما أنّ تعاونهم يساعد على استعادة الأمن والاستقرار العالميين. هل هناك أيّ أوجه تشابه بين أوروبا والمشهد السياسي الروسي؟ وإذا لم يكن كذلك، فكيف يختلف المشهدان فيما يتعلق الأمر بسوريا؟ تعتمد السلطات الروسية و”الخبراء” ووسائل الإعلام التي تدعمهما عناصر من الخطابات القائمة في أوروبا. لكن مع غياب السياسة والمناقشة العامة في مفهومها الغربي، تبقى هذه الحجج أدوات لدعم إجراءات السلطات الروسية، بدلاً من أن تكون موضوعاً لمناقشة سياسية ومدنية موضوعية. ويستند الدعم المُعْطى لنظام الأسد والعملية العسكرية في سوريا على موقف السلطات الروسية العام، الذي يتقاسمه إلى حدٍّ كبير جزء شاسع من المجتمع الروسي وإن بشكلٍ غير فعّال. ويمكن تفسير هذا الموقف على النحو الآتي: – هذا النوع من الدعم هو أكثر وسيلة فعّالة وطبيعية لمحاربة داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، مع وجود فرصة حقيقة لإبقائهم بعيداً عن حدود روسيا. – إن نظام الأسد هو نظام منتخب قانونياً وديمقراطياً، والذي يعمل على تحقيق سيادة سوريا ويدافع عنها ضد العدوان الخارجي والإرهاب الدولي والثورات الخارجية، مما يعطيه الغطاء القانوني والأخلاقي. – المشاركة في العملية العسكرية في سوريا من خلال دعم نظام حليف في الشرق الأوسط يسمح لروسيا بمعارضة عدوها الجيوسياسي، أي الغرب، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة، فضلاً عن إظهار قوة وأهمية روسيا، واختبار معداتها العسكرية الجديدة، وإعطاء الخبرة العسكرية العملية للجيش الروسي. (الصورة الرئيسية: سيرغي دافيديس يشارك في مظاهرة ضد القمع السياسي في موسكو، بتاريخ 6 أيار ٢٠١٧ (إيفان بيلتسكي/ الاستخدام العادل. جميع الحقوق محفوظة للمصّور))


المصدر