واشنطن بوست: ينبغي على إدارة ترامب ألا تتخلى عن إزالة الأسد في سورية


أحمد عيشة

الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، يوم 11 آذار/ مارس (سانا/ أسوشيتد برس)

استنادًا إلى التصريحات الأخيرة لعددٍ من كبار المسؤولين في الإدارة؛ فإن سياسة الرئيس ترامب، بشأن سورية، تركّز الآن حصريًا على التعاون مع روسيا، وإلحاق الهزيمة بـ “تنظيم الدولة الإسلامية”، ولم تعدْ إزالة الديكتاتور السوري بشار الأسد عن السلطة (التي كانت هدفًا للرئيس باراك أوباما) غايةً أو هدفًا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة.

الإذعان لبقاء الأسد في السلطة، وإنهاء الدعم للمعارضة المعتدلة السورية؛ من شأنهما أن يعززا خصومنا، وأن يسهما في إقناع الحلفاء أكثر بأنَّ إدارة ترامب تولي اهتمامًا بالمصالح الروسية أكثر من مصالحنا، وأن يمكّنا إيران من ترسيخ مكاسب استراتيجية، وأن يزيدا من التهديد الجهادي العالمي للولايات المتحدة، وأن يجعلا تحقيقَ الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط أمرًا غاية في الصعوبة.

التخلي عن هدف إزالة الأسد من السلطة سوف يضع الولايات المتحدة ليس إلى جانب النظام السوري الهمجي ملطخ اليدين بالدم الأميركي، منذ أوائل الثمانينيات فقط، ولكن سيضعها أيضًا إلى جانب إيران، و(حزب الله)، وروسيا؛ وهذه حماقةٌ استراتيجية.

في أوائل الثمانينيات، سهَّلَ نظام حافظ الأسد -والد الديكتاتور السوري الحالي- إنشاءَ إيران لـ (حزب الله) اللبناني، والذي باختصارٍ ساهم في تفجير السفارة، وثكنات المارينز الأميركية في بيروت، وبعمليات الخطف والتعذيب، وقتل العديد من مواطني الولايات المتحدة، بما في ذلك وليام باكلي، رئيس مركز وكالة الاستخبارات المركزية في بيروت. قبل هجمات 11 أيلول، كان (حزب الله) قد قتل أميركيين أكثر من أيّ جماعةٍ إرهابية في العالم، وبعد عقدين من الزمن، أثناء الاحتلال الأميركي للعراق، سهّل نظام الأسد تدفق الإرهابيين السنّة إلى العراق؛ ما أسفر عن وفاة العديد من الأميركيين.

تنامت القوة الإيرانية باطرادٍ في الشرق الأوسط، خلال العقود الأربعة الماضية. ومباشرةً، بعد ثورة 1979، اصطفت إيران مع نظام الأسد، وبمرور الوقت مكّنت إيران (حزب الله) من الهيمنة على لبنان عسكريًا، واضعةً (إسرائيل) تحت التهديد المستمر من هجومٍ صاروخي واسع. وفي الآونة الأخيرة، دعمت إيران انقلاب الحوثيين للاستيلاء على السلطة في اليمن، مطيحًا بحليف رئيسٍ للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم القاعدة، واستخدمت نفوذها على الحكومة التي تهيمن عليها الشيعة في بغداد.

مثلت الحرب الأهلية في سورية فرصةً أولية لنا لدحر النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وقطع إمدادها الكبير عن (حزب الله)، ولكننا أهدرنا تلك الفرصة.

مع تدخلها في سورية في عام 2015، أصبحت روسيا متورطةً عسكريًا في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ عقود. وإضافة إلى ذلك، في السنوات الثلاث الماضية، شنّتْ روسيا فلاديمير بوتين حربًا تقليدية، وغير تقليدية لتقطيع أوصال أوكرانيا، وهاجمت الديمقراطية الأميركية. لن يتوقف العدوان الروسي ما لم يُصّدَ بقوة. إنّ تكثيف الدعم للمعارضة السورية المعتدلة، وتزويد أوكرانيا بأسلحةٍ دفاعية، ومواجهة التحرك الروسي في الفضاء الإلكتروني؛ ستكون أماكن عظيمة، كي نبدأ منها.

إنَّ تركيز إدارة ترامب الحصري على التهديد الجهادي العالمي في سورية هو قِصرُ نظرٍ؛ لأنَّ الحرب الأهلية والتهديد الجهادي المنبثق من سورية يتشابكان استراتيجيًا. لا يمكن للمرء الفوز على التهديد الجهادي، من دون الفوز في الحرب الأهلية.

إنَّ وحشية نظام الأسد، ضد أغلبية شعبه السنّة، كانت نقطة جذبٍ لسفر الإرهابيين الدوليين إلى سورية، وستستمر لتكون بمثابة صرخة حشدٍ للجهاديين العالميين. إذا كان ينظر إلى الولايات المتحدة، باعتبارها تقف إلى جانب نظام الأسد وروسيا وإيران؛ فسنصبح بالتالي أكثر من هدفٍ للجهاديين. وعناصر من المعارضة السورية المعتدلة -هناك عشرات الآلاف منهم-  سوف يصبحون بلا شكٍّ متطرفين، نتيجة هذا التخلي؛ مما يعزز صفوف الجهاديين.

إنّ هزيمة الجماعات الجهادية العالمية في سورية، وليس فقط طردهم، تتطلب وجود حكومة سورية في مرحلة ما بعد الأسد، نستطيع أنْ نتشارك معها في عملياتٍ مستمرة لمكافحة الإرهاب. وبالمثل، فإنَّ دحر النفوذ الإيراني هو شرطٌ مسبق لتحقيق توازن قوى مواتٍ لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

يعتقد بعض الأميركيين أنَّ الهدف السياسي، من السعي لإزالة الأسد من السلطة، ما كان يمكن تحقيقه من دون تدخلٍ عسكري واسع النطاق، لكن ليست هذه هي الحالة. لقد كان نظام الأسد في خطرٍ حقيقي عدّة مراتٍ، خلال ست سنواتٍ من الحرب الأهلية، ولو أنّ مساعداتٍ أكثر قُدّمت إلى المعارضة المعتدلة، أثناء إدارة أوباما، لربما تحقق انتقال سياسي إلى حكومة سورية تمثيلية.

فهم الرئيس رونالد ريغان إمكانات حروبٍ سرية بالوكالة، لتغيير موازين القوى العالمية، من خلال دعم كثيف للمجاهدين الأفغان، وغيرهم من الحركات المناهضة للشيوعية، والسياسات الاستراتيجية المكملة الأخرى؛ ففاز في الحرب الباردة. استغرق الأمر، مع إدارات كارتر وريغان، أكثر من خمس سنواتٍ، من أجل التوصل إلى استراتيجيةٍ تكسب الحرب (وهو عملٌ ساعدتُ أنا في إنجازه كضابط في الاستخبارات المركزية) ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان. ويمكن القيام بالعمل نفسه في سورية اليوم.

تواجه الولايات المتحدة تحدياتٍ متزايدة في النظام الدولي من جهاديين سنّة عالميين، ومن النظام الإيراني في الشرق الأوسط، ومن روسيا في أوروبا، ومن الصين في شرق آسيا. إنّ التشارك، مع روسيا وإيران في سورية، يمكن أنْ يؤدي فقط إلى مزيدٍ من التآكل في قوة أميركا العالمية.

لذلك هناك قضيةٌ ملحة: لماذا تتبنى إدارة ترامب سياسةً سوريةً، بحيث تخدم المصالح الروسية والإيرانية، وتضرُّ بالمصالح الأميركية؟ في الوقت المناسب، سنعرف الجواب.

اسم المقال الأصلي The Trump administration should not give up on removing Assad in Syria الكاتب* مايكل فيكيرز، Michael G. Vickers مكان النشر وتاريخه واشنطن بوست، Washington Post، 23/7 رابط المقالة https://www.washingtonpost.com/opinions/the-trump-administration-should-not-give-up-on-removing-assad-in-syria/2017/07/23/a7073878-6d59-11e7-96ab-5f38140b38cc_story.html?utm_term=.ca5cf4437763&wpisrc=nl_todayworld&wpmm=1 ترجمة أحمد عيشة

*- فيكرز: خدم كمساعد لوزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة، والصراع منخفض الحدة، والقدرات المتشابكة، ووكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات خلال إدارتي بوش وأوباما.




المصدر