إدلب خارج الاتفاقات التنفيذية.. وروسيا تريدها “موصل” أخرى


muhammed bitar

يعيش الشمال السوري أياماً عصيبة إثر المواجهات التي دارت بين “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام” والتي انتهت بسيطرة الهيئة تقريباً على مجمل المفاصل الرئيسة في محافظة إدلب بما في ذلك معبر باب الهوى، والقوة التنفيذية، بينما يلف غموض مستقبل “أحرار الشام” التي تشظى جسمها الرئيس بين منشق ومبايع للهيئة، وسط تساؤلات بشأن الأداء الضعيف والمرتبك الذي شاب موقف الحركة طيلة المواجهة بين الطرفين، ليثور تساؤل في الشارع ليس داخل المحافظة وحسب، بل في عموم البلاد عمن خذل الثاني: الحركة التي لم تقاتل بشكل جدي دفاعاً عن نفسها وعما تمثله في الشارع، أم الشارع الذي لم يساند الحركة إلا بشكل محدود وضعيف للغاية، أم الفصائل الأخرى التي اكتفت بموقف المتفرج، والتي يطرق بابها المثل المعروف: أكلتُ يوم أُكلَ الثور الأبيض.

سيطرة

 تسود محافظة إدلب أجواء من الهدوء الحذر بعد أيام من التوتر، بسبب القتال بين الجانبين والذي انتهى باتفاق على وقف القتال وتسليم المعبر، إلى “جهة مدنية” لإدارته، بعد أن كانت تسيطر عليه “حركة أحرار الشام”، خلال الفترة الماضية، إضافة إلى إطلاق سراح المحتجزين من الطرفين.

وكانت “هيئة تحرير الشام” قد فرضت حصاراً على المعبر مع تركيا، بعد سيطرتها على معظم بلدات الشمال السوري في محافظة إدلب، لتحاصر من بداخله من مقاتلي “حركة أحرار الشام” ومقاتلين آخرين قدِموا من مناطق “درع الفرات” شمالي حلب.

وتعيش إدلب على وقع الترقب وسط إشاعات عن إمكانية تشكيل جسم تنظيمي واحد في المحافظة، مكون من “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام”، الأمر الذي نفته مصادر الأخيرة، مشيرة الى وجود تقارب بينها وبين وكل من “حركة نور الدين الزنكي”، و”فيلق الشام”، بغية تشكيل جسم واحد أقرب إلى “روح الثورة”، في مواجهة التيار الجهادي الغالب عند الطرف الآخر.

ورأى ناشطون، أنّ “هيئة تحرير الشام” ستكون هي الجهة الفعلية المسيطرة على المعبر تحت ستار إدارة مدنية محايدة، محذرين من تدخلٍ دولي محتمل في محافظة إدلب، المدرجة ضمن مناطق “خفض التصعيد” بموجب اتفاق أستانا برعاية تركية- روسية- إيرانية.

من الذي وقّع؟

وفي خضم تطورات الشمال السوري برز بشكل مفاجئ تطور في محيط العاصمة تمثل في الاعلان عن التوصل الى آلية لتطبيق اتفاق “خفض التصعيد” في الغوطة الشرقية جرى التوصل اليه في القاهرة برعاية مصرية.

ويقضي الاتفاق، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها، بوقف الأعمال القتالية ونشر قوات مراقبة، وتسيير أول قافلة إنسانية إلى المنطقة، إضافة إلى إخراج أول دفعة من الجرحى، وقال البيان إن اتفاق الغوطة جاء بعد مفاوضات أجريت في القاهرة مؤخراً بين ممثلين عن وزارة الدفاع الروسية وما وصفه بـ”المعارضة السورية المعتدلة”.

وتأتي هدنة الغوطة الشرقية بعد أسابيع من إعلان هدنة مشابهة في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء جنوبي سوريا، ضمن اتفاق أمريكي-روسي-أردني، من المتوقع انطلاق آلياته قريباً، فيما من المتوقع الإعلان عن هدنة مماثلة في مناطق شمالي حمص، لتبقى إدلب هي المنطقة الأخيرة التي لا يَلوْحُ بشأنها أي اتفاق تنفيذي باعتبارها مدرجة ضمن المناطق الأربعة لخفض التصعيد المنصوص عليها في اتفاق أستانا، والتي شاب وضعها كثير من التعقيد بعد التطورات الأخيرة في المحافظة، وهو ما تذرعت به روسيا لتعلن أن إدلب سوف يتم التعامل معها كما الموصل، في حال أحكمت “هيئة تحرير الشام” سيطرتها عليها.

وعقب إعلان اتفاق القاهرة الخاص بالغوطة، أعلن نظام الأسد وقفاً لإطلاق النار اعتباراً من ظهر السبت الماضي، لكن قوات النظام لم تلتزم كعادتها بوقف النار، وواصلت قصف مناطق مختلفة من الغوطة بالطيران والمدفعية ما أوقع قتلى وجرحى.

والواقع أن غموضا كبيراً ما زال يلف اتفاق القاهرة خاصة بشأن ما اذا كان يشمل كل مناطق الغوطة، أم يستثني بعض المناطق كونها ليست جزءاً من الغوطة كما يقول النظام، مثل حي جوبر الدمشقي، أو بحجة وجود “هيئة تحرير الشام” ، فضلاً عن عدم وضوح الأطراف الموقعة عليه.

وقد أقر بهذا الغموض وائل علوان الناطق باسم فيلق الرحمن، أحد الفصيلين الرئيسين العاملين في الغوطة الشرقية، موضحاً أن فيلق الرحمن ليس جزءاً من هذا الاتفاق، ولم يكن له أي ممثلين في محادثات القاهرة التي أثمرت عن هذه الاتفاق. وأضاف علوان أن الاتفاق الجديد يشابه اتفاق المنطقة الجنوبية في غموضه وعدم وضوح آلية تنفيذه، إضافة إلى عدم معرفة جنسية القوات التي ستتولى مهمة الفصل بين قوات المعارضة والنظام.

ولفت علوان إلى أن مناطق جوبر وزملكا وعين ترما يسيطر عليها “فيلق الرحمن” وحده، وليس فيها أي وجود لـ”هيئة تحرير الشام”  مشيراً إلى أن نظام الأسد حين يريد اقتحام منطقة ما، فإنه يضع الذرائع، ويزعم بوجود فصائل متطرفة حتى وإن كانت غير موجودة، وهذا ما يحدث في الهجمة الأخيرة على جوبر، وحدث قبل ذلك في داريا، حيث دمر نظام الأسد المدينة وهجّر أهلها بذريعة محاربة “جبهة النصرة”، علماً أنه لم يكن يوجد أي عنصر من “النصرة” في داريا.

وحول الجهة التي وقعت الاتفاق بالنيابة عن فصائل الغوطة، قال علوان إن فصيله الذي يتقاسم السيطرة تقريباً على الغوطة الشرقية مع “جيش الإسلام” لم يكن طرفاً في هذا الاتفاق، ملمحاً إلى أن “جيش الإسلام” هو من وقع الاتفاق في القاهرة والذي أسهم فيه رئيس تيار “الغد” السوري، والرئيس الأسبق للائتلاف المعارض أحمد الجربا.

من جهته، أعلن محمد علوش رئيس المكتب السياسي في جيش الاسلام موافقة فصيله على الاتفاق الذي قال إنه دخل حيز التطبيق، و”ستكون هناك نقاط للفصل مع النظام، وتؤدي إن شاء الله إلى فك الحصار عن الغوطة وإدخال المواد الإنسانية والمحروقات”، مضيفاً أن “ذلك يعتبر جزءًا من الحل السياسي أو تمهيدًا للحل السياسي وفق القرارات الدولية”.

وقدّم الناطق الرسمي لتيار “الغد” منذر آقبيق في بيان نشر على صفحته في “فيسبوك” بعض التوضيحات بشأن هذا الاتفاق، مشيراً إلى أنه يتضمن وقفاً كاملاً لإطلاق النار من جميع الأطراف، وعدم دخول أية قوات عسكرية تابعة للحكومة السورية أو قوات حليفة له إلى الغوطة الشرقية، وفتح معبر “مخيم الوافدين” من أجل عبور المساعدات الإنسانية، والبضائع التجارية، وتنقل المواطنين بشكل عادي.

كما يقضي الاتفاق- بحسب آقبيق- بنشر عناصر من الشرطة العسكرية الروسية على نقاط رئيسة في مداخل الغوطة بغية مراقبة تطبيق الاتفاق ووقف إطلاق النار.

وتقول مصادر النظام إن الهدنة  الحالية لا تشمل مناطق انتشار “هيئة تحرير الشام”، كما أنها لا تشمل أحياء برزة والقابون وتشرين شرقي العاصمة دمشق.

وتقدر المساحة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة حالياً في الغوطة الشرقية بنحو 120 كلم مربع وذلك بعد أن تقلصت كثيراً في العامين الماضيين .

ويسيطر “جيش الإسلام” على مدينتي دوما وحرستا شمالي شرقي الغوطة الشرقية وصولاً إلى قطاع الأشعري والنشابية وحوش الظواهرة وتل فرزات والشيفونية، في حين يسيطر فيلق الرحمن على مناطق في جنوبي غربي الغوطة الشرقية من بيت نايم إلى جسرين وعربين وعين ترما وزملكا، بينما تنتشر “هيئة تحرير الشام” في مناطق محدودة من الغوطة متداخلة أحياناً مع مناطق سيطرة “فيلق الرحمن”.

ملاحظات ونقاط خلافية

في غضون ذلك، أجرى وفد من فصائل المعارضة في الجنوب السوري لقاءات في العاصمة الأردنية عمان بهدف الاطلاع على تفاصيل اتفاق “تخفيض التوتر” الخاص بالمنطقة الجنوبية، وسلّم الوفد غرفة العمليات الدولية المشتركة “موك” ملاحظات فصائل الجنوب على هذا الاتفاق، وذلك في وقتٍ وصلت مجموعات من أفراد الشرطة العسكرية الروسية إلى محافظة درعا للمساهمة في تطبيق الاتفاق، والذي برزت اعتراضات إسرائيلية عليه أخيراً، بسبب عدم تضمّنه نصاً صريحاً بشأن إبعاد ايران ومليشياتها من الجنوب السوري.

وكانت مصادر مقربة من وفد المعارضة في عمّان، قد ذكرت أن “وفداً من فصائل المعارضة سلّم خلال المشاورات في عمّان، والتي شارك فيها المبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني، ملاحظاته ومطالبه بشأن الاتفاق في الجنوب، وأبرزها الحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي السورية، وتثبيت وقف إطلاق النار مع قوات النظام بشكل دائم وعلى مراحل، واستصدار قرار من مجلس الأمن يدعم إعلان جنيف واتفاق الجنوب، وسحب مليشيات إيران من كامل الجنوب السوري، واعتراف النظام بسلطة المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها، إضافة إلى مواصلة تقديم الدعم لفصائل الجبهة الجنوبية، وإدخال المساعدات الإنسانية للجنوب السوري، وضرورة إبرام اتفاق مماثل يشمل الغوطة الشرقية في ريف دمشق.

وراجت تسريبات صحافية بأن “السيطرة على معبر نصيب هو أبرز النقاط المختلَف عليها في مفاوضات عمّان، حيث يسعى النظام إلى رفع علمه على المعبر، بينما تصر المعارضة أن يبقى تحت سيطرتها”.

وبحسب مصادر محلية، فإن الاتفاق ينص على نشر شرطة عسكرية روسية على حدود مناطق المعارضة لمنعهم من التحرك وتهديد النظام، حيث من المقرر أن تنتشر هذه الشرطة من حدود الجولان غرباً عبر مدينة أزرع حتى مدينة السويداء، فضلاً عن نقاط التماس.

وكانت مصادر مختلفة قد ذكرت أن “المليشيات التي تدعمها إيران أعادت انتشارها في الجنوب السوري، وذلك تطبيقاً للاتفاق الثلاثي في الجنوب، بينما ما تزال قوات النظام تنتشر في مواقعها في محافظتي القنيطرة ودرعا”.

معارك عرسال

في غضون ذلك، بدأت ميليشيا حزب الله معركة واسعة في منطقة عرسال والتي تُؤوي الآلاف من اللاجئين السوريين، وذلك بحجة طرد الفصائل المسلحة الموجودة في المنطقة، بالتنسيق مع قوات نظام الأسد، وبمساندة من الجيش اللبناني.

وبعد ثلاثة أيام من المعارك، تكبدت خلالها ميليشيا الحزب خسائر كبيرة في الأرواح، أعلنت سرايا “أهل الشام” عن وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات تمهيداً للخروج إلى المناطق المحررة في الشمال السوري.

وقال المتحدث باسم السرايا عمر الشيخ إن المفاوضات تتم عبر وسطاء، رافضاً الإفصاح عن الجهة المعنية بالتفاوض حول معركة عرسال، مكتفياً بالتأكيد أن الخطوة الأولى من المفاوضات تجسدت في وقف إطلاق النار.

وذكرت وسائل إعلام لبنانية أن جميع عناصر سرايا “أهل الشام” انسحبوا من جرود عرسال وتوجهوا إلى المناطق القريبة من مخيمات وادي حميد والملاهي للتنسيق مع قيادة “حزب الله”.

وتضم جرود عرسال مقاتلين من سرايا أهل الشام (جيش حر) و”هيئة تحرير الشام”، وتنظيم الدولة، وتركزت الاشتباكات على المحاور التي يرابط فيها عناصر من السرايا والهيئة فقط.

ويرى مراقبون أن حزب الله يعتبر عرسال- التي تقع في لبنان وتمتد ضواحيها إلى داخل سوريا- تشكّل مصدر قلق له حيث يعيق اللاجئون السوريون جهوده الرامية إلى إحداث تغيير ديمغرافي في المناطق التي يسيطر عليها من الساحل السوري إلى الحدود اللبنانية، وجعل هذه المنطقة حزام أمان للحزب على الحدود السورية.

وتستضيف عرسال اليوم حوالي 50000 لاجئ سوري، يعيش بعضهم في ضواحيها، حيث يقاتل “حزب الله” الفصائل.




المصدر