النظام السوري بين الاحتلال والاستبداد


نزار السهلي

تبدو بواعث التجاذب، بين سلوك النظام السوري والاحتلال الإسرائيلي، “قوية”، وحجم التناقض معدومًا، إذا ما أُخضع لقياسات عدة تنطلق من وظائف السياسي إلى العسكري والأمني، التي قادت إلى نتائج مؤداها أن الطرفين -رأس الطاغية والمحتل- أصيلان، يرتبطان برزمة من توصيفات مهمة تتبلور في تحقيق الهزيمة للسوري والفلسطيني والعربي. ستة أعوام أكثر من كافية لحسم هذا التجاذب، ونفي إرث الشعارات والأيديولوجيا التي ظل مختبئًا خلفها الأسد الأب، في حين أريد من الأسد الابن أن يبقى صورة لسلعة المحتل في إطار الإجرام المتعاظم والشعار المهترئ.

دور النظام في هذا المجال، كان متميزًا في التأثير على عموم المجتمع والجغرافيا السورية، ورفده بوحشية تعاظمت وتضخمت بتبني سلوك الغزاة والمحتلين بنكهة فريدة من طاغية بوزن الأسد، وفّر على كل من سبقه عناءَ مهمة تحطيم مقدرات السوريين، وزرع موانع التحول الديمقراطي الذي يقود إلى التحرر من الاحتلال والاستبداد؛ وهو ما يُفسّر الأساس الكامن في حالة الهستيريا الإجرامية للنظام، وحالة الهرولة المروعة للحفاظ عليها، وطلت بدورها من أكمام الطائفية العنصرية، ومن سلعة “الإرهاب” الذي بلغه سلوك الأسد في الصورة المنجذب إليها الإسرائيلي، تحقيقًا وتأكيدًا على منطق التجاذب والتجاوب “لضرورة” وجود الأسد ليس ترفًا تأباه المرحلة ويستهجنه منطق التاريخ، بل ليأتلف الإدراك المتزايد بوجوب طرح الأسباب التي صنعت فجوات كبرى، بين كل ما سبق قيام الثورة السورية، وبعدها، عربيًا وإقليميًا ودوليًا.

عدم اعتبار الثورة السورية مخرجًا حيويًا لمشاريع التحرر الوطني العربي، ومخرجًا مهمًا لأزماتها؛ شكل نقطة التدهور التي بلغتها مسيرة تراجع الثورات العربية، واشتداد هستيريا الثورات المضادة يؤكد قطعًا تلك الأهمية المترتبة على محاولات إجهاض ثورة السوريين. الإحساس والوعي بأهمية الثورة السورية وبتضحياتها وآلامها، يبقى الضامن للعودة إلى نقطة هادئة من التفكير ومهمة وموضوعية؛ للبدء بعيدًا عن صخب الشعارات المهترئة عن مدى التداخل التاريخي والارتباط العضوي، بين ضرورات إزاحة الطغيان، كمقدمة لمواجهة الاحتلال، وبين الخروج من الماضي بتجربة ودروس الأخطاء والمعيقات التي تُعاني منها حركات تحرر وطني من الاحتلال، إذا أرادت أن تستمر في الحياة، وأن تكون لها رسالة واحدة غير متجزئة في رفض الظلم والاحتلال والطغيان.

من دون حسم الصراع على إزاحة طاغية الشام ستبقى كل محاولات التحرر من الاحتلال مستقبلًا تتعرض للإجهاض والحصار وستكون تكاليفها باهظة، بالاستناد إلى فاتورة النظام على المجتمع السوري التي يأخذها المحتل “باروميتر” لممارساته لعقود قادمة، وأوصله إلى خلق التماهي بينه وبين الطاغية، وعلى غرار ما هو قائم من تصعيد في القدس والأراضي المحتلة، وانعدام التفاعل والتعاضد والمؤازرة للسوريين، فقد كرس سلوك الأسد والتمسك بأهمية وظيفته غيابَ التأثير والتفاعل مع كل القضايا، وإحداث تغييرات بنيوية في القوى السياسية والاجتماعية والحزبية، بشكل بائس ومفجع.

على كل، أي إطلالة سريعة على المشهد السوري ستشير إلى حجم الفاجعة والمأزق الذي تغطس فيه قوى وحركات وأحزاب تشرذمت واضمحلت قوتها في الشارع، فلم تجد سوى التزلف المستمر للطغاة والعسكر، تخسر أكثر فأكثر حين تعتبر فاشيةَ الأسد في “مخيال مريديها” بمثابة “بوصلة” لتحرير المقدسات، وبقاءَه إلى اليوم “معجزة” نضالية، يفتخر بها أيضًا الإسرائيلي والروسي والإيراني والأميركي والغربي، خيال بائس وصخب مهترئ في مواجهة الاحتلال، ومن دون عودة إلى التناقض الرئيس مع الطاغية والمستبد، ستبقى الفواجع تُدمّر فكرة المقاومة بالأعمال الخسيسة التي جلبت الويلات والعار لمستقبل حركات التحرر الوطني وكساد سلعتها.




المصدر