انتفاضة الشمال درس للمعارضة السورية


هشام أسكيف

في خضم التهويل الإعلامي المشترك لقوى الظلام “هيئة تحرير الشام”، وقوى أمن النظام ذات اللحى أو بدونها، عن نجاح الأخيرة بالسيطرة على إدلب والريف الغربي لحلب، أي بمعنى آخر الشمال السوري؛ هناك ترويج إعلامي متعمد من كل الأطراف المستفيدة والمتحالفة ضمنيًا ضد أحلام الشعب السوري بإنشاء دولة سورية تحترم مواطنيها. هذه المعطيات التي برزت في خضم المعمعة المتملثة بحالة الرفض الشعبي الذي حصل وغيّر الكثير من المعادلات لـ (الهيئة) ولأعوانها من أمن النظام؛ هذا الرفض لم يكن مقتصرًا على حالة معزولة بل حالة يمكن البناء عليها وتعزيزها وإرساء قواعد التحليل المنطقي بناء على حركتها العفوية.

ما حدث في المعرة وسراقب والأتارب وغيرها من الحواضر، بما تحمله هذه الحواضر من رمزية في احتضان النازحين والثوار، استطاع أن يفرمل مشروع الظلام الذي كان يريد أن يأخذ دور (داعش) ليطغى على الساحة، بعد أن اقترب الجميع من تصفية مشروع (داعش)، وبهذا سيتفرغ الجميع لحلّ المعضلة السورية، وهو ما يؤرق النظام وروسيا وإيران؛ وبالتالي يجب أن تظهر معطيات جديدة، تجدد الصراع لتأجيل وتحويل المسألة السورية، من قضية شعب طامح للتغيير وتحقيق أحلامه المشروعة، إلى قضية إرهاب ومكافحته. كانت قوى الظلام الاستخباراتية تخطط، فما الذي جرى؟ ما جرى على الأرض هو تجربة شعبية ثورية بامتياز.

في سراقب، قبل أيام من المعمعة، حدثت أول تجربة ناجحة جدًا لانتخابات شعبية حقيقية، برهنت أن الشعب السوري الثائر قادر على صناعة نموذجه في إدارة الدولة والانتقال السلس للسلطة؛ فكان على قوى الظلام الحد من هذه التجربة، لأنها ذات مدلولات خطيرة بالنسبة لأهدافها واستراتيجتها التخريبية، وما حدث في سراقب وتلاه من رفع علم الاستقلال والتهليل لهذا الحدث من الحواضن الشعبية والثورية؛ أعطى مدلولًا آخر في الزمان والمكان، فقد استطاع السوريون أخيرًا أن يقولوا للعالم هذا ما نريده، وهذا هدفنا، ونحن قادرون على تحويل الأقوال إلى أفعال مثمرة على الأرض مرفقة برمز الثورة ورمز الدولة السورية.

حدثت المعمعة وبدأ المشهد بالتوتر وترافق مع ضخ إعلامي شرس عن نجاح النصرة/ القاعدة، بالسيطرة على إدلب وريفها وامتدادها إلى الريف الغربي لحلب، وهذا الضخ الإعلامي تلاقى مع مخاوف الثورة من مصير أسود للحاضرة الأكبر المتبقية للثورة. على أرض الواقع -عمليًّا- لم يتغير المشهد كثيرًا، إلا بمعطيات اقتصادية “معبر باب الهوى”، وسيطرة هنا وهناك، وبخاصة في محيط المعبر الذي يعد أكبر خسارة للثورة. ولكن هل كان المعبر للثورة؟ ونحن لا نكشف سرًّا هنا عن أموال الأتاوات التي كان تفرض للنصرة، في حارم وسلقين و و و، على الراغبين باجتياز الحدود إلى تركيا، بلغت 50 دولارًا للشخص.

الذي حدث هو انهيار (حركة أحرار الشام) أمامَ (النصرة)، وهذا كان له مدلول نفسي ولا سيّما أن المتغيرات التي اعتمدتها قيادة الأحرار شاركت في تظهير مشروع الدولة وطغيانه على مشروع الإمارة التي يسعى إليها “أبو محمد الأسد” وأعوانه. كل هذه الظروف المحيطة جعلت من توقيت المعمعة أكثر حتمية.

وإذا أخذنا ردات الفعل التي حصلت إبّان “غزوة ذات المعابر”؛ وجدنا أن الشعب أقوى بكثير جدًا من سوادهم، إذ هبّت سراقب بقضها وقضيضها، وسارعت الأتارب بعنفوانها وردت المعرة بشبابها وشيابها بغضبة شعبية، أعطت الصورة الحقيقية للشعب السوري، وبينت أن هؤلاء الغرباء، بفكرهم وممارستهم وإجرامهم، لا مستقبل لهم على الأرض ولا مقام لهم بين ظهراني الشعب السوري. إذن على كل القوى العسكرية الآن -والآن فورًا- بلا تلكأ، عليهم فهمُ ووعي هذه الحركة الشعبية والبناء عليها، لأنها الحاضنة الشعبية الأكبر لمشروع الثورة السورية. كلُّ تأخيرٍ، عن بناء قوة عسكرية ترمي الرايات وترفع فقط علم الاستقلال، هو إجرام بحق الشعب الذي رسم الطريق، وعلى العاقل أن يتعلم؛ فـ “الشعب هو المعلم”.




المصدر