‘نظام الأسد والدِّين: قمعٌ في مكان.. وحِلفٌ في آخر’
26 يوليو، 2017
muhammed bitar
في عام 1973، توجّه حافظ الأسد بخطابٍ للسوريين قُبيل اندلاع ما يُعرف بـ “حرب تشرين”، وقال في افتتاح رسالته: “يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي…”، أظهر هذا الخطاب “احترام” الأسد الأب للحالة الدينية السورية، ولكن الواقع كان مختلفاً تماماً.
عانت سوريا في حكم الأسدين من الاضطهاد الديني عبر قمع رجال الدين والحركات الدينية من جهة، واستخدام هذه المؤسسة لصالحهم من جهةٍ أخرى، فالنظام الذي تغنّى بالخلفاء الراشدين في “حرب تشرين”، هو ذاته الذي استخدم الورقة الدينية للتخلّص ممّن يمتلكون اندفاعة جهادية في عام 2003 عبر زجّهم في حرب العراق، وهو ذاته من أخرج القيادات الدينية والعسكرية المُحتجزة منذ عشرات السنين في سوريا، بعد أن أشبع قلوبها بالحقد في سجن صيدنايا ذلك “المسلخ البشري” الذي اعتبرته منظمة العفو الدولية “أسوأ مكان في العالم”، ليخرج هؤلاء ويعكسوا الحقد الذي تلقّوه على مجريات الثورة السورية، وهو النظام ذاته الذي اضطهد المسيحيين المعارضين له في بداية الاحتجاجات عام 2011 ثم قدّم نفسه أمام الرأي العالمي على أنه “مُدافع عن الأقلّيات”.
تاريخ عائلة الأسد من الأب إلى الابن حافل باللعب على “المعادلة الدينية” التي تقوم على استقطاب الشخصيات المؤثّرة بالمجتمع، والحركات الدينية التي تضم عدداً كبيراً من السوريين ليشاركوا في حربه “الدعائية” ضد الشعب السوري، وإصدار الخُطب والفتاوى التي تهم النظام، واستبعاد كل من عارضه.
الظاهرة
على الرغم من أن حسّون رجل دين عادي كأقرانه في الأنظمة المماثلة، إلّا أن تصرّفاته ومواقفه الموالية للنظام والمؤيّدة لقتل وتهجير السوريين حوّلته إلى ظاهرة في الولاء المطلق، فحسون الذي يتولى منصب مفتي الجمهورية خرج خلال سنوات الثورة بتصريحاتٍ تحوّلت إلى مادة للسخرية بين السوريين، فتارةً دعا من يريد إسقاط بشار الأسد من الحكم “أن يطلب ذلك من الله” قائلاً: “أقسم بالله أن الذي وضع بشار الأسد وحافظ الأسد وشكري القوتلي وجمال عبد الناصر، لست أنا أو أنت، بل هو الله”.
ليس هذا وحسب بل ظهر حسّون في موقف آخر ليبرّر مجزرة حماة بقوله: “إن مدينة حماة كان يراد بها أن تكون عاصمة الخلافة الإسلامية عام 1980، وأرادوها أن تشتعل عام 2011 قبل حمص، لكن أهل حماة صمدوا ودحروا الفتنة”، مدعياً بأن “حافظ الأسد لم يتدخّل بأيّ أمر شرعيّ، وكذلك الأمر بالنسبة لبشار الأسد”، حسب زعمه.
وفضلاً عن تصريحاته الجدلية هذه لا يمكن نسيان دعوته إلى إبادة مدينة حلب، كما أنه لم يجد في موقف آخر ضيراً في أن يتسلّم سوريا رئيس ملحد.
بالمقابل، حاولت المعارضة السورية التصدّي لدعاية النظام الدينية، فأسّست “المجلس الإسلامي السوري” المكوّن من 700 عالم دين ولديه مجلساً منتخباً من عدّة مرجعيات دينية كالمتصوّفين والسلفيين واللامذهبيين.
يقول الشيخ ياسر أبو كشّة رئيس المجلس الشرعي في مدينة حلب التابع للمجلس الإسلامي السوري: “إن حسّون لا يؤثّر إلّا بالفئة مطلقة الولاء للنظام والتي غابت عنها الحقيقة تماماً” مقسّماً جمهور حسّون إلى فئتين.
ويوضح أبو كشّة لـ “صدى الشام”: “أن حسّون اليوم هو بوق للنظام، لكن هذا البوق موجّه لخلق حالة استدامة الموالاة في صفوف الموالين ومنعهم من أن يصبحوا معارضين” مؤكّداً أن السوريين الذين ينظرون إلى الموقف كصورة غير كاملة فلن يتأثّروا بكلامه.
ويضاف أن النظام لديه أشخاص يخاف أن يهجروه ويتركوه وحيداً سواء رجال دين أو سياسيين أو تجّار أو شخصيات مرموقة، لذلك “فرز لهم حسّون ليخاطبهم وهؤلاء يمثّلون الفئة الأولى المستهدفة من دعاية حسّون”.
أما الفئة الثانية وفقاً لـ “أبو كشّة” فهم جنود النظام الذين كانوا يقاتلون إلى جانبه منذ اندلاع الثورة، لتثبيتهم على مواقفهم ولا سيما أن البعض منهم كان يشعر بأن ما يفعله خطأً؛ من قتل للمدنيين وترويع للآمنين وهجوم على التظاهرات، ما دفعهم للتفكير بالانشقاق من هذا المنطلق، لكن حسّون كان موجوداً لغسل أدمغتهم بفتاوى وشرعنة لما يفعلوه.
وقسّم أبو كشّة السوريين المقيمين في مناطق النظام اليوم إلى ثلاث فئات: الأولى هي من وجدت في مناطقه أماناً لم تجده في مناطق المعارضة، والثانية هي التي تخاف على مصالحها الشخصية ولا يهمها النظام ولا المعارضة، والثالثة هي فئة الموالين بشكلٍ مطلق، وهذه الأخيرة خُصّص لها حسّون.
مخطّط
يرى أبو كشّة أن النظام ضرب البُنية الإسلامية السورية على مدار السنوات السبع وأربعين ماضية، ويوضح أن حافظ الأسد بدأ حربه ضد الدين والمؤسّسات الدينية حتى قبل استلامه رئاسة سوريا، فمنذ أن كان وزيراً للدفاع كان أول ما فعله أنّه فكّك “رابطة علماء الشام المسلمين” عبر تحذيرهم من التجمّعات سواء في أماكن مفتوحة أو مغلقة، والتضييق على مشايخها واعتقالهم إلى أن قام بحلّها وإعادة هيكلتها وفقاً لما يخدم مصالحه وأهواءه.
ويؤكّد أنّه منذ استلام الأسد الأب سدّة الحكم، كان يملك خطّة مدروسة للتخلّص من رجال الدين المناهضين لسياساته من جهة، وكسب بقية رجال الدين عبر منحهم امتيازات اقتصادية ومناصب لتثبيت حكمه.
وحول طرُق نظام بشار الأسد لتنفيذ مخططاته حالياً، يشرح أبو كشّة أنه منذ أن سيطر النظام على التدفقّ المعرفي في المدارس الشرعية اختار مجموعة من رجال الدين البارزين مثل عبد الستار السيد الذي يشغل حالياً منصب وزير الأوقاف، وذلك لتحويل الدين إلى دعاية تصبُّ في صالحه، مؤكّداً أن كل هذه المحاولات لم يكن لها تأثير بالغ عندما اندلعت الثورة السورية، حيث خرجت نسبة كبيرة من طلاب العلوم الدينية ولا سيما في دمشق وحلب ضده.
حرب متعددة الأوجه
عندما كان راتب الموظّف الواحد في سوريا يتراوح بين 15 – 20 ألف ليرة، كان راتب أئمّة المساجد لا يزيد عن 3 آلاف ليرة شهرياً، وهذا المبلغ يتم الحصول عليه من التبرّعات التي كان يجمعها المسجد من المصلّين بعد صلاة الجمعة، رغم أن وزارة الأوقاف التابعة لنظام الأسد كانت من أكثر الوزارات نفوذاً مالياً وتمتلك كثير من الأراضي والأموال.
ويُضاف إلى ذلك فرز مخبرين كانوا يتكدّسون في صلاة الفجر تحديداً، وكانت مهمّتهم تسجيل أسماء السوريين الذين يحضرون في هذا الوقت في المسجد، نتيجة الاشتباه بانتمائهم إلى حركات محظورة مثل حركة الإخوان المسلمين أو غيرها، وفقاً لما ذكره الشيخ ياسر أبو كشّة.
ومن الخطوات الممنهجة التي قام بها النظام في سعيه لإفساد الدين في سوريا، بحسب أبو كشّة، محاولة التلاعب بالمناهج التي قام بتغييرها في عام 2008، وطال هذا التغيير المناهج الدراسية الدينية بمشاركة جمعية تنظيم الأسرة التابعة للنظام، لكن خطباء الشام تصدّوا لهذا التغيير، وقاموا بالاطلاع على المناهج وتعديلها لتكون مطابقة لتعاليم الدين الإسلامي.
بعد ذلك حاول النظام عبر الجمعية ذاتها -التي تُديرها أسماء الأسد- إجراء تغييرات على قانون الأحوال الشخصية فيما يخص الزواج والطلاق والإرث، بعد إزالة المواد المُستقاة من الشريعة لإسلامية، ولكنهم صُدموا بموجة غضب من قبل علماء دمشق المسلمين.
“حزب البعث” والإسلام
يُمكن اعتبار المنهج الفكري الخاص بـ “حزب البعث العربي الاشتراكي” الحاكم في سوريا متناقضاً تماماً مع أي ميولٍ دينية، حيث شرّع النظام المُنتمي لهذا الحزب في سوريا بالقضاء على أي حراك ديني مُنذ ما عُرف بـ “أحداث حماة” في ثمانينيات القرن الماضي.
يقول الخبير المتخصّص بالشؤون الاجتماعية المُقيم شمالي سوريا أحمد حفّار قال لـ “صدى الشام”: “إن نظام الأسد الحالي كان بإمكانه أن يفعل أكثر بكثير مما فعله في البنية الدينية ورجال الدين في سوريا لكنّه تحرّك بهذا الملف وفقاً لما يخدم مصالحه وحسب”.
وأضاف حفّار أنه على الرغم من فشل النظام في تغيير قانون الأحوال الشخصية سابقاً، إلّا أنه لو علم أن ذلك سيخدمه بتحقيق مزيد من المكاسب وتشديد القبضة على السوريين لفعل ذلك منذ زمنٍ طويل، لكنه أدرك عدم وجود أي مكاسب من هذه الخطوة، لأن هدفه ليس إصلاح الدين بقدر ما ينطوي هدفه على تفكيك أي بُنية قد تؤثّر على قبضته الأمنية.
ومن الناحية الفكرية، أوضح حفّار أن أفكار الحزب وُلدت من الشيوعية التي تعادي أي انتماء ديني سواء إسلامي أو مسيحي، وكان لها دور في القضاء على دور الكنيسة في روسيا، فأخذ البعث الدور ذاته في سوريا، ولكن بالمساجد.
الحركات الدينية
لم يتوقّف الدعم الذي تلقّاه النظام على رجال الدين، بل وصل إلى الحركات التي ساندت النظام وروّجت لرسائله لسنوات.
وثمّة في سوريا عدّة حركات دينية، بعضها محظور وأخرى كان النظام يسهّل عملها، فلا يُمكن لأي سوري أن يعلن عن انتمائه إلى التيار السلفي، ولا أن يعبّر عن ولائه لجماعة الإخوان المسلمين.
ووفقاً لـ “حفّار” فإن النظام عمد إلى شيطنة هذه الحركات في المناهج الدراسية وعبر وسائل الإعلام وحتّى عبر وسائل الترفيه، لتقديم هذه الجماعات على أنها ” مجموعة من ذبّاحين وقاطعي رؤوس وأشرار”، علماً أن مُعتنقي هذه الأفكار يحظون باحترام وترخيص لجماعاتهم في دولٍ مجاورة كالأردن ودول في الخليج العربي، وتعتبرهم جزءاً لا ينفصل من مكوّناتها المجتمعية القائمة على احترام كل الأفكار”، لافتاً إلى أن شيطنة أي فئة وحظرها على أساس أفكارها يُعتبر من أكثر النقاط التي كرّست لحالة الانقسام في المجتمع السوري الذي نعيشه اليوم.
ومن ضمن الجماعات الدينية التي تعمل اليوم تحت أعين المخابرات السورية بكل أريحية، هناك حركة “القبيسيات” التي تتكوّن من مجموعة نساء، ولا يُعرف حتّى الآن الأفكار التي تعتنقها هذه الجماعة بسبب تكتّمها الشديد على نشاطاتها، لكنها انطلقت من دمشق وامتدت إلى عدّة دول في العالم، وهي اليوم ناشطة بشكل كبير في مناطق النظام، ويُضاف إليها الحركة الصوفية التي رفضت الخروج في مظاهرات ضد النظام، كما رفضت كل ما يعارض الأسد بحجّة “حقن الدماء”.
[sociallocker] [/sociallocker]