“صاعدة” وتُعيد


muhammed bitar

لا صوت يعلو فوق صوت البوتوكس والسيليكون ووضعيات التصوير المثيرة في عالم الدراما والإعلان والأزياء وسواها. يصبح هذا الكلام ضرباً من الوقوف على الأطلال من حيث قابليته للتعميم ووضع المتغيرات بشكل متقابل ومتنافر بين ماضٍ يُنظر له على أنه يحمل شيئاً من المثالية، وحاضر يحاصرهُ الابتذال من جميع الجهات إلى درجة يبدو معها أي فعل جدي هادف شذوذاّ غيرَ مقبول.

لكن هل يكفي هذا التوصيف كي نُهيل التراب على “الدراما السورية” بالتحديد وندفنها مقتنعين بوفاتها ومستسلمين لفكرة أن “إكرام الميت دفنه”؟

لو تحدثنا عن الدراما لجهة إنتاجها من المسلسلات والذي يخضع لتقييم دائم وفق معايير فنية واضحة فربما يكون من المبالغة الحديث عن وفاتها، لكن المعيار هنا ليس النتاج الذي اعتدنا على تسميته بـ” الدراما” وإنما المناخ العام.

دور العالم الأزرق

 قد تؤدي بنا محاولة الفصل بين ما نعني وبين ما يشير له المصطلح إلى متاهة من التحليل اللامنتهي. فإذاً لماذا التعقيد؟ ببساطة عليك أن تفتح أي صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالدراما لتعرف عما نتحدث.

فتيات بأعمار مختلفة منهن من عملن في مجال التمثيل وأصبحن معروفات من خلاله، وأخريات ليس لهن تجارب تذكر بل على العكس أصبحن نجمات دراما بحسب القائمين على تلك الصفحات الذين قرروا أن هذه نجمة!

لو أن المسألة تتوقف عند حدود ظهور “ممثلة” بشكل متكرر وبوضعيات مختلفة لكان الأمر “لعب عيال” لأن صداه لا يتعدى أوهام العالم الأزرق. لكن الواقع يقول أن “النجمة” تستخدم ظهوراً مثيراً عابراً يرضي “جمهور الإعجاب والتعليق” المتعطشين، ليكون ذلك جسرها القصير نحو العمل في مجال الدراما سواء بوضع قدَم أولى على سلّم “المجد”، و في أحيان كثيرة يكون الظهور مرافقاً لتجربة تمثيلية بسيطة لإعطائها دفع “توربو” يختصر عليها المسافات على درب النجومية، أو لتكرار “نجاحها” غير الكافي في تجربة أولى عبر نجاح آخر تحصل فيه على “علامات” ترضي أحلامها او ربما عقود عمل أفضل.

“نجمة صاعدة” أصبح أكثر من وصف لمرحلة تعيشها ممثلة ما، وكاد يتحول إلى كلمة سر تساعد صاحبتها على حرق المراحل. فمع مرور الوقت لم يعد “الصعود” هنا دلالة على يفاعة التجربة التي تسعى صاحبتها لإثبات حضورها بالتدريج بل إنه يعني بشكل فعلي وبدون تنظير “استعراضاً يتنوع فيه أبراز النواحي الجمالية في جسد الممثلة ويتراوح بين حالات أنثوية بريئة وأخرى يظهر فيها التنافس الحقيقي على الإغواء وجذب المعجبين.

نجومية الأجساد

من الطبيعي أن يُقابل طرح المسألة من هذه الزاوية ونقد “الصاعدات” بـ “ابتزاز” متوقع وجاهز، قائم على اتهام من ينتقد حفلة الجنون هذه بأنه يعادي الجمال أو أنه متخلف وغير مواكبة للعصر.

وهنا لا بد من التخصيص كي لا يصطاد أحد بالماء العكر مستغلاً هذه الثغرة، ذلك أن انتقاد “نجومية الأجساد” ليس عاماً وإنما محدداً بفكرة تطفل هذه الفاتنة أو تلك على عالم الدراما والذي لا تنقصه مصائب جديدة تزيد على سوئه سوءاً. فعندما يصبح الجسد سلاحاً وجواز عبور في مجالات عملية قائمة على مواهب معينة كالتمثيل والتعليم وغيرها من المجالات، فإن من الطبيعي عندها أن تصبح الغواية مقاسياً للنجاح، وأن يتراجع الموهوبون “الحقيقيون” إلى الصف الخلفي هذا إذا وَجدوا عملاً من الأساس.

ليس مطلوباً من ممثلات الجيل الحالي أن يكنّ: منى واصف أو سمر سامي أو وفاء موصلي أو يارا صبري، فالموهبة تأتي بالفطرة، كما أنه لا بد من الإقرار بأن لكل عصر معطياته وظروفه المختلفة، وعليه فمن غير المنطقي العودة إلى الوراء. لكن بالمقابل على أنصاف الموهوبات أوعديماتِها إما الكفّ عن تعويض النقص والضعف التمثيلي بخصائص أنثوية تمتلكها أي فتاة وتستطيع توظيفها إن أرادت، أو البحث عن مجال عمل آخر لا يندرج تحت بند “الدراما” ويكون أكثر ملاءمة وتطلباً لعامل الشكل والجمال و”ملحقاته”.

كفاءة

 لنفهم ما يجري بدون رتوش لا بد من النظر بواقعية لدور السوشال ميديا في التسويق الشخص والمؤسساتي وهو ما جعل العديد من الشخصيات التي تحظى بمتابعة على فيسبوك مثلاً تحصل على فرص مهنية خصوصاً ما يتعلق منها بالإعلام أو ما شابه. أي أن الطرف الآخر في المعادلة وهو الشركات والمنتجون مسؤول بدرجة كبيرة عن وضع معايير جديدة -غير معلنة- للكفاءة، وبالتالي دفع الطامحين إلى سلوك طريق الاستعراض بشكل مبالغ به. لكن مراقبة هذه الجهات لحضور وأصداء “موهوب/ ـة” ما على مواقع الإنترنت واعتماده كمقياس تقييمي شيء، واحتمال اعتماد عدد الإعجابات والتعليقات والمشاركات على صورة لأحدهم بديلاً للـ Cv أوالمقابلة الشخصية هو شيء آخر.

هل سمعتُ بأن هناك حالات توظيف بُنيت على صورة فيسبوكية؟ لا لم أسمع لكني عندما أتابع سيل الصور اليومية لفلانة من الوسط الفني والتي تتفاوت فيها كمية المكياج، وتتسابق ثيابها (الخاصة بالسهرة والنوم ..)  وزوايا التصوير فيها على إبراز أنوثتها فإنني لن أتوقف لأسأل هل تلك حركات دلال نسائي أم بحث عن فرص عمل! خصوصاً إذا وصل الأمر إلى ظهور طفلة من جيل “نحنا الدولة ولاك” بين تلك الفنانات لتجد نفسها في سباق محموم يدفعها لاستخدام مستحضرات تجميل لا يزال مبكراً عليها استعمالها.

 




المصدر