عن صعوبات التأقلم وبعض عيوب السوريين


ميخائيل سعد

لست بحاجة إلى سرد إيجابيات السوريين في أوطانهم الجديدة، فإنجازاتهم يتحدث عنها الغرب قبل الآخرين، وأولادهم يحصدون الجوائز في المدارس والجامعات، ووسائل الإعلام لا تتردد في الإشارة إلى أصولهم السورية، وإن كان أقلّ مما هو الحال عندما يقوم أحدهم بعمل مشين، أو عمل يخترق فيه القانون، عندها أيضًا تتم الإشارة إلى “جوازات سفرهم” السورية، الموجودة “بالصدفة” في أمكنة الحوادث.

ما دام السوريون قد اختاروا، برغبتهم أو رغمًا عنهم، العيشَ في مجتمعات الغرب؛ فعليهم البحث الدائم عن الوسائل الكفيلة بجعلهم أقل تعاسة، نتيجة غربتهم عن وطنهم، وفي مقدمة ذلك “التأقلم” مع المجتمعات الجديدة في ثقافتها وقيمها وأساليب العمل فيها، وإلا فإنّ النتيجة هي حصد المزيد من الصعوبات.

في الأسبوعين الأخيرين، عشتُ في الغرب، في سويسرا وألمانيا تحديدًا، والتقيت سوريين لاجئين في البلدين، وسمعت قصصًا منهم، وشاهدت أفعالًا وإنجازات رائعة، ولكني شاهدت وسمعت أيضًا أفعالًا أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها تعوق عملية التأقلم المطلوبة، وتسيء إلى صورة السوريين في البلدان التي يحاولون العيش فيها، ودفعوا الكثير للوصول إليها. سأكتفي بعرض مشاهداتي السلبية، ومناقشة بعض جوانبها، أما المديح الذي يدغدغ كبرياء السوري، واعتزازه بنفسه، فسيكون له مكان آخر ومناسبة ثانية.

أحد مَن التقيتهم، وأثار انتباهي لطفه الشديد، وتهذيبه، ومثابرته على العمل، ورفضه تلقي مساعدات مالية من الدولة، كان يعمل في مجال المطاعم. وقد استطاع أن يبرهن على حضور حقيقي في هذا المجال، عندما حوّل سيارةً إلى مطعم متجول بين أحياء المدينة التي يعيش فيها، وخصوصًا في مناطق المعامل، حيث يحتاج العمال إلى طعام جاهز في فترة الظهيرة. وكانت “سندويشة” الفلافل التي يحضرها، أو سيخ الكباب، من أفضل الوجبات السريعة للعمال، سواء من كان منهم نباتيًا، أو ذلك الذي يفضل اللحوم المشوية. بعد أن أبديت إعجابي به وبعمله، اقترح عليّ أن أرافقه في مشواره لشراء خروف من أحد تجار الماشية، لذبحه وسلخ جلده استعدادًا لتحضيره للبيع. سألت الرجل عن القانون إن كان يسمح له بذبح الخروف خارج المسلخ النظامي؛ فقال: لم أحاول الحصول على إذن بذلك، لأنني أعرف أنه ممنوع. قلت له: ولكنك تعرض نفسك للخطر بعدم امتثالك لقوانين البلد الذي تعيش فيه كلاجئ! قال: أنا حذر قدر ما أستطيع، ولكن عملي يتطلب مني “عدم الكذب” على زبائني، فهم يطلبون “لحم حلال”، وأنا ألبي طلبهم من خلال “الذبح الحلال”.

ناقشت السيّد السوري، في أن ذبح الأغنام والأبقار والدجاج، خارج مسالخ نظامية يشرف عليها أطباء، يعرّض صحة الناس للخطر، فقد يكون أحد الخِراف أو العجول مصابًا بمرض؛ فينتقل ذلك المرض إلى الإنسان، فما هي، عندئذ، قيمة أن يكون اللحم حلالًا؟ قال: إننا في ذلك نتكل على الله. ثم تابع قائلًا: إذا لم أفعل أنا ذلك؛ فسيقوم شخص آخر بتوفير “اللحم الحلال” للزبائن.

كان من الواضح أن الرجل يريد أن يربح أكثر، من خلال العزف على قناعات الناس، أو من خلال استغلال مشاعرهم الدينية؛ لأنني على علم بأن بعض الرجال في كندا استطاعوا الحصول على موافقة نظامية على إنشاء مسلخ يحقق الشروط الصحية والذبح الحلال، ولو حاول هذا الرجل الحصول على موافقة حكومية، لربما استطاع تأسيس مسلخ نظامي، ولكن الأمر يتطلب مالًا كثيرًا ووقتًا طويلًا، وهذا ما لا ينسجم مع إمكانات “صاحبنا”، ورغبته في الربح السريع.

هناك من اللاجئين مَن يحلو له القول إن الغرب يصعّب على المسلمين التأقلم، ولكن الأمر ليس هكذا. أنا لا أنفي أنّ في بعض الممارسات الغربية عنصريةً ضد المسلمين، ولكن ليس في هذا المجال، كل ما في الأمر أن القوانين -هنا- هي في خدمة الناس ومصالحهم، وأن الناس هم من اقترحوها، قبل وجود المسلمين وبعد حضورهم؛ لأن رسم صورة الصليب على عنق الذبيحة قبل ذبحها، أو تكرار البسملة، للحصول على لحم حلال، لا يجعله لحمًا خاليًا من الأمراض التي قد تكون مميتة أحيانًا. أقول ما قلته، لأنني رافقت الرجل إلى المزرعة، ورأيت الخروف قبل ذبحه، وأثناء عملية الذبح، وشاهدت بأم عيني كمية الوسخ والقذارة في مكان ذبح وسلخ الخروف وتقطيعه.

في مكان آخر، سمعت من أناسٍ -أحسبهم صادقين- أنّ لاجئًا سوريًا في ألمانيا حاول أن يجبر ابنته المراهقة على وضع الحجاب، ولكنها كانت ترفض في كل مرة. وعندما صفعها من أجل وضعه؛ اتصلت بالشرطة التي اتخذت بحقه الإجراءات المعمول بها في حالات شبيهة، سواء كان الأب مسلمًا أو لم يكن. فالقانون يعاقب من يعتدي على ابنه أو ابنته أو زوجته مهما كان دينه، وكل كلام عن عنصرية الغرب ضد المسلمين، في هذا المجال، لا معنى لها، وهي ليست أكثر من محاولة لإثارة شفقة الآخرين علينا، أو لتبرير ممارساتنا الخاطئة والعيش في “غيتو” مغلق حتمًا. وفي هذا المجال أكثرتُ من الأسئلة للسوريين الذين التقيتهم في ألمانيا، عن طرق توزيعهم وإسكانهم، وهل هم في أحياء واحدة؛ فكان تعليق أحد السوريين: إن ألمانيا استفادت من تجربة فرنسا، فجعلت اللاجئين السوريين يعيشون بين الألمان، مما يعني عدم قدرتهم على إنشاء “غيتوات” على الطريقة الفرنسية، ويسهل اندماجهم في المجتمع الجديد، وتعلم لغته بسهولة.

أخيرًا، لا بد لي من القول إن بعض السوريين يلعبون دورًا سلبيًا في علاقة السوريين المختلفين عنهم في الدين أو العادات أو الثقافة مع حكومات المقاطعات؛ فيشيعون أن كل مسلم هو داعشي، ويستهجنون أن يمنح الألمان هؤلاء الإقامة قبلهم، لاعتقادهم أنهم أقرب إلى الغرب من المسلمين، أو أنهم أولى بنعم الغرب من أولئك، لأن مدة إقامة هؤلاء “الدواعش” أطول من مدة إقامتهم. إن سذاجة هؤلاء تشبه سذاجة من يريد أكل “اللحم الحلال”، مهما كانت شروط الحصول عليه، المهمّ البسملة قبل الذبح.

إن الغرب -حسب معرفتي بكندا- ليس مهتمًا باسمك، سواء كان يحمل دلالات مسيحية أو إسلامية أو بوذية أو يهودية، إنه مهتم بأن لا يخالف اللاجئ قوانين بلده، وهذا يعني بالنسبة إليه أنّ هذا الوافد الجديد يتأقلم مع قوانينه وثقافته، أما علاقته مع ربه فهو حرّ بها!




المصدر