غياب لنفوذ الأسد وتملؤه صورأوجلان.. حي بحلب يجسد العلاقة الشائكة بين النظام والأكراد ويكشف مستقبلها

27 تموز (يوليو - جويلية)، 2017
9 minutes

شادي السيد

أوقف مقاتلون يرتدون ملابس عليها شارة النسر الأزرق التي تميز أفراد قوة “الأمن الداخلي الكردية (الأسايش)” سيارة أجرة وهي تهم بدخول حي الشيخ مقصود في مدينة حلب للتحقق من أوراقها وتفتيشها بحثا عن أي سلع مهربة.

وعندما أشاروا للسيارة بالدخول إلى الحي الخاضع لسيطرة الأكراد فإنها كانت داخل المدينة لكنها غادرت فعليا “دولة” رأس النظام في سوريا بشار الأسد.

وداخل الشيخ مقصود ترفرف الأعلام الكردية من على أسطح المنازل وتحل صورة زعيم كردي محل صورة الأسد.

وقال سعاد حسن وهو سياسي كردي بارز إنهم لن يتخلوا عن الحي إلا إذا قتلوا جميعا.

وتتقبل قوات الأسد بشكل عام الحكم الكردي لذلك الجيب وتسمح بالتنقلات منه وإليه وهو ما يظهر استعدادها في الوقت الحالي على الأقل لقبول حركة كردية تتناقض رؤيتها لسوريا بشكل مباشر مع رؤية النظام لكنها ليست عدوتها اللدود.

لكن الخلافات بين من يديرون الشيخ مقصود، الذي يقطنه 40 ألف نسمة، والنظام تشير إلى مشكلات مستقبلية محتملة.

والعلاقة بين الطرفين غير مستقرة وتعقدها شبكة من التحالفات والخصومات الدولية ستكتسب أهمية متزايدة مع انتزاع كل من الطرفين السيطرة على مزيد من الأراضي من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

روجت حكومة الأسد لهزيمة مقاتلي المعارضة في حلب بوصفها أكبر نصر للرئيس في الحرب حتى الآن فهي عودة لـ”سيطرة الدولة” على مدينة كانت يوما أكبر مدن البلاد.

لكن الأسد لم يتحرك لاستعادة السيطرة على الشيخ مقصود الذي يقع على تلة محاطة بمناطق يسيطر عليها النظام.

وليس هناك وجود عسكري حول الحي عدا نقطة تفتيش لقوات النظام على الطريق المؤدي إليه ويتنقل الكثير من العمال والطلبة من داخل الحي إلى مناطق سيطرة النظام في المدينة يوميا.

وبرغم ذلك شكى قادة في قوات “الأسايش” لوكالة “رويترز” من أن “نقاط التفتيش التابعة لقوات الأسد تمنع دخول السلع والخدمات إلى داخل الحي”.

أيديولوجية يسارية

في غرفة داخل مقر أكاديمية “المجتمع الديمقراطي” في حلب يحضر 15 رجلا وامرأة محاضرة عن الفكر اليساري ونظام الحكم الفيدرالي الذي تتبناه ميليشيا وحدات “حماية الشعب” الكردية.

وقفت امرأة تتحدث وأومأ المحاضران باستحسان قبل أن يصححا مفهومها عن مبدأ أساسي.

طغت على الغرفة صورة بحجم حائط بالكامل لعبد الله أوجلان مؤسس حزب “العمال الكردستاني” المصنف إرهابيا والرمز السياسي لميليشيا “حماية الشعب” والحزب الكردي السوري الرئيسي وهو حزب “الاتحاد الديمقراطي”.

وتحمل الكتابات على الجدران في حي الشيخ مقصود عدة إشارات لحزب “العمال الكردستاني” وأيضا إلى “آبو”. والملصقات المعلقة في الشوارع وتحمل صور القتلى، التي لا تقتصر على من قتلوا من صفوف ميليشيا وحدات “حماية الشعب” في سوريا بل أيضا بعض من قتلوا وهم يحاربون في صفوف حزب “العمال الكردستاني” في تركيا.

هذه الصلات بحزب “العمال الكردستاني” تقلق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي كان من بين أسباب قراره بالتدخل في سوريا منع قيام دويلة كردية على حدود بلاده.

كما عقدت تلك الصلات أيضا من علاقة ميليشيا وحدات “حماية الشعب” بالولايات المتحدة التي تدعمها بوصفها في صدارة الحملة ضد “تنظيم الدولة” في سوريا لكنها في ذات الوقت تصنف حزب” العمال الكردستاني” منظمة إرهابية.

وتخلى الأكراد عن فكرة الاستقلال عن سوريا ويريدون دولة لا مركزية تنتخب فيها المجتمعات المختلفة مجالس محلية يقودها الرجال والنساء على حد سواء بحيث تكون كل المجموعات العرقية والدينية ممثلة فيها.

ويقول منتقدون إن هياكل الحكم التي أسسوها وفقا لذلك المفهوم في شمال سوريا أقل ديمقراطية مما تبدو عليه ويهيمن عليها مسؤولون يدينون بالولاء لحزب “العمال الكردستاني”.

لكن تظل رؤيتهم مناقضة لمفهوم حكم الأسد الذي يتسم بالمركزية وتؤكد الجذور العربية للبلاد.

وسبق أن أشار وزير خارجية النظام  وليد المعلم إلى إمكانية التوصل إلى ما وصفها بـ”موائمة” مع الأكراد وأشار الأسد إلى أنه يقبل حملهم للسلاح في الوقت الراهن.

لكن الأسد تعهد أيضا بـ”استعادة” السيطرة على كل شبر من البلاد ووصف الكيانات الكردية الحاكمة بأنها مؤقتة.

اقتتال

ومن الأسباب الواضحة لتسامح الأسد مع ميليشيا وحدات “حماية الشعب” عداء الوحدات لجماعات المعارضة التي تسعى للإطاحة به.

وكانت جبهة الأكراد ضد المعارضة ساعدت الأسد عندما استعادت قواته شرق حلب العام الماضي. كما حرم قتال الأكراد ضد “تنظيم الدولة” الجهاديين من موارد كان من الممكن أن يستخدموها ضد نظام الأسد.

واستفاد النظام أيضا من قلق تركيا من الصلات بين “الوحدات” وحزب “العمال الكردستاني”. ويتركز تدخل تركيا في سوريا على احتواء النفوذ الكردي.

وسمح الأكراد باستمرار جيوب تحت سيطرة االنظام قرب الحسكة والقامشلي وهما مدينتان يسيطرون عليهما في شمال شرق سوريا لكنهم اشتبكوا أيضا مع قوات النظام هناك.

وزارت “رويترز” الشيخ مقصود برفقة مسؤول من حكومة الأسد ورافقتها شاحنة تحمل عناصر من ميليشيا “الأسايش”.

وانتقد محمد علي وهو قائد ميليشيا “الأسايش” في الشيخ مقصود، نظام الأسد وقال إنها كثيرا ما منعت المرور من الشيخ مقصود إلى مناطق أخرى ومنعت دخول إمدادات إنسانية.

وقال إن سلوك النظام خاطئ ويجعل الشيخ مقصود تبدو وكأنها منطقة عسكرية وليست مدنية.

نقاط تفتيش

قال علي إن هناك مدرستين فقط ولا توجد أي مدارس ثانوية في الشيخ مقصود. ويحتاج الصبية والبالغون الذين يعملون في مناطق أخرى من حلب إلى الانتقال لمناطق النظام.

وأوضح أن “نقطة التفتيش تفتح فقط من الثامنة صباحا وحتى الخامسة مساء في الصيف وحتى الثالثة مساء في الشتاء”. ولاحظت “رويترز” عبور بعض السيارات في وقت متأخر عن هذا.

وتأتي كل الإمدادات من الخارج ومنها الغذاء والدواء والوقود المخصص لمولدات الكهرباء والمطلوب أيضا لتشغيل المضخات التي ترفع المياه من الآبار.

وقال بائعون إن المنتجات في أسواق الشيخ مقصود تشترى جميعها كل يوم من سوق للفواكه والخضروات بوسط حلب لكنها تخضع لرسوم قدرها 50 ليرة (0.10 دولار) للكيلو عند نقطة التفتيش.

وتبعد منطقة الشيخ مقصود نحو 17 كيلومترا عن عفرين أقرب منطقة يديرها الأكراد. ويستطيع المدنيون المرور دون صعوبات كبيرة لكن يتعذر ذلك على المقاتلين الأكراد. ويخاطر الشباب بالخضوع للتجنيد الإجباري عند نقاط التفتيش التابعة للنظام.

وقال علي إن نقاط التفتيش رفضت في بعض الأحيان دخول شحنات إلى الشيخ مقصود دون إنذار مسبق ودون إبداء أسباب مشيرا إلى شحنة ديزل لم تحصل على إذن بالدخول مؤخرا.

وأضاف أن نقاط التفتيش منعت أيضا الشاحنات الثقيلة ومعدات البناء مثل الجرافات المطلوبة لرفع الأنقاض في المناطق المتضررة من الدخول.

اعتمادية

في الجناح الرئيسي بالمستوصف الوحيد في الشيخ مقصود الذي كان مدرسة في السابق يرقد جندي بلا حراك ورجل مسن على سريرين معدنيين.

ولا يقدر المستشفى على إجراء جراحات تحت التخدير ويوفر في الغالب فقط إسعافات أولية قبل نقل المرضى إلى مستشفيات خاصة في القطاع الخاضع للنظام في حلب.

ويظهر الاعتماد الواضح على الصلات بمناطق النظام في مناطق كردية أخرى من سوريا إذ تقع حدودها الأخرى مع تركيا والعراق.

ولا يوجد في الشيخ مقصود أثر للعلاقات بين ميليشيا “حماية الشعب” والولايات المتحدة لكن ، وفقاً لـ”رويترز” كان هناك مركبة روسية مدرعة تسير ببطء في أحد الطرق.

وموسكو أكبر حليفة للأسد في الحرب ويعتقد الأكراد أن وجود قوات روسية في منطقة عفرين الكردية ساعد أيضا في تفادي هجمات تركية محتملة هناك.

ومع ذلك يقول زعماء أكراد في الشيخ مقصود إنهم لا يرون سببا لقبول سلطة النظام إلا إذا رغب الأكراد في ذلك.

 

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]