مرحلة ما بعد الرقة.. كيف ستفتح السيطرة على المدينة شهية الأطراف المتصارعة لمزيد من التنافس على سوريا؟


مراد الشامي

أثارت معركة الرقة لإخراج تنظيم "الدولة الإسلامية" من المحافظة التي اتخذها عاصمة له في سوريا الكثير من التساؤلات، لا سيما عما ستشهده سوريا بعد الانتهاء من المعركة التي تحشد لها الولايات المتحدة عبر التحالف الدولي.

وفي مقال تحليلي له نشرته وكالة الأناضول، اليوم الخميس، اعتبر الدكتور مراد يشيلطاش المحاضر في قسم العلاقات الدولي بجامعة سقاريا التركية، ومدير أبحاث الأمن في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا"، أن إخراج "تنظيم الدولة" من مدينة الرقة "لن يشكل نهاية للصراع المسلح الذي يدور بين العديد من القوى على الأرض السورية، إنما سوف يشكل مرحلة جديدة، تتميز بالمزيد من الضراوة وتغيير الشكل النمطي للصراع، الذي سيأتي على ما تبقّى من الجغرافية السورية".

وأشار إلى أن "شبح التنظيم الذي خيم على المنطقة طيلة السنوات الثلاث الماضية، قدم خدمات جمّة لتعتيم الصراع الحقيقي بين القوى المختلفة على سوريا. هذا البلد الذي دفعته السياسات اللامسؤولة لنظام بشار الأسد إلى حرب داخلية، شارك فيها فيما بعد القاصي والداني، وتحولت إلى ساحة لحرب تحت السيطرة".

ولفت الكاتب إلى أن مختلف القوى، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة تتطلع إلى لعب دور أساسي في تشكيل مستقبل المنطقة وبسط النفوذ، كما أن التنافس بين مختلف القوى المحلية والإقليمية والدولية التي تتكون بشكل متزامن، تعيش حالة من التداخل الذي لن يفضي إلا إلى تعميق الأزمة في نهاية المطاف، وظهور لعبة محصلتها "لا شيء".

ذريعة التنظيم

وحول استخدام الدول للتنظيم كحجة لتوسيع تدخلها، قال يشيلطاش: "ساهم وجود تنظيم داعش في إطالة الأزمة السورية، وهذا بالضبط ما كانت تريده القوى الدولية لكي يتسنى لها فرصة تحديد مجالات نفوذها السياسية والجغرافية والديمغرافية، وما دخول قوات سوريا الديمقراطية (قسد) - التي تشكل الميليشيات الكردية عمودها الفقري - إلى مدينة الرقة (شمالي سوريا) وطي صفحة داعش فيها بشكل مماثل لما حدث في مدينة الموصل شمالي العراق، إلا بداية لمرحلة جديدة من الفوضى تأخذ فيها الأزمة أوجهًا أكثر تعقيدًا".

وأضاف: "سوف يصعب على سوريا، في مرحلة ما بعد الرقة، الحفاظ على وحدة ترابها الوطني، لاسيما في ظل الدعم السخي الذي تقدمه الولايات المتحدة لقوات قسد، والدعم الروسي – الإيراني لما تبقى من نظام الأسد. إن هذا الوضع سوف يُحدِثُ تحولات مهمة في آليات الصراع والحرب السورية، التي سوف تكون مسألة حياة أو موت بالنسبة للبعض، فيما سوف تكون مسألة نفوذ بالنسبة للبعض الآخر".

وتنبأ الكاتب أن "تتميز المرحلة الجديدة بصراعات أكثر دموية على الأرض، وصعوبة سيطرة العناصر المحلية أو الإقليمية أو الدولية على هذا الصراع، الذي سوف يغدو في الواقع أزمة متفاقمة عمادها السيطرة على أراضي أكثر، عبر تغذية الصراعات العرقية والطائفية على المستويين المحلي والإقليمي".

وتابع: "لا يمكن حصر هذه الصورة المستقبلية المتشائمة حول احتمالات تفاقم الأزمة السورية في هذا السبب وحسب، بل إن قضايا الأمن والإرهاب الناتجة عن حالة الفوضى هذه سوف تجذب جميع العناصر القريبة والبعيدة وجميع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، كما أن التنافس المحلي والدولي سوف يزيد من صعوبة بقاء سوريا بلدًا موحدًا".

وأردف قائلاً: "إن الناظر إلى خريطة توزع النفوذ في سوريا، يدرك حجم التقسيم الجغرافي الذي وصلت إليه جغرافيا البلاد، وهو ما يخلق بطبيعة الحال أرضية غير مستقرة في مرحلة ما بعد الرقة، لاسيما وأن جميع الأطراف لن تتخلى عن المكتسبات التي حققتها على الأرض، فالولايات المتحدة لن تتخلى عن المنطقة التي سيطر عليها مسلحو منظمة بي كا كا الإرهابية بدعم منها، وسوف تعمل على تعزيز دور المنظمة وتوسيع أماكن سيطرتها وخلق عمق اجتماعي وسياسي واقتصادي لها، حفاظًا على مصالحها في سوريا، وكذلك إعادة إنتاج المنظمة بصورة واسم جديد".

مزيد من الصراع

واعتبر يشيلطاش أن هذه المحاولات سوف تثير بطبيعة الحال العناصر الفاعلة الأخرى، بما في ذلك القوى الداعمة لنظام الأسد، والقبائل العربية التي جرى اضطهادها من قبل الميليشيات الكردية، إضافة للقوى الكردية المناهضة لـ "بي كا كا"، وغيرها من الجهات الفاعلة، وسوف تخلق مجالات صراع جديدة وأكثر دموية.

ومن ناحية أخرى - بحسب الكاتب - سوف تواصل روسيا حماية وجودها العسكري وتعزيز دورها في سوريا، ودعم الأسد من أجل عدم التخلي عن المنطقة الجغرافية التي يصطلح على تسميتها بـ "سوريا المفيدة"، وهو ما يعني بطبيعة الحال تعزيزٌ لنفوذ الميليشيات الإيرانية المدعومة من طهران.

وختم يشيلطاش مقاله بالقول: "لا بد أن يسعى النظام لمحاولة خلق عمق له في مدينة الرقة ذات الغالبية العربية، وانتزاعها من سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، بل إن هذه الغاية سوف تتحول إلى هدف استراتيجي لنظام الأسد، وهو ما من شأنه رفع مستوى التوتر في روسيا والولايات المتحدة في سوريا إلى مستويات أعلى مما عليها الآن"، وفق تقديره.

وأضاف: "إن حالة التشظي التي أفرزتها الأزمة السورية على المستويات الجغرافية والاجتماعية والديمغرافية، وطول فترة الأزمة وتأثيرات الصراع، جعلت البلاد منقسمة بشكل فعلي، وهذا الانقسام سوف يطفو على السطح بشكل واضح أكثر عقب طي ملف وجود داعش في البلاد، حيث ستدخل سوريا في دوامة جديدة وحالة صراع تعتمد على ديناميكيات جديدة، ستقود البلاد نحو مزيد من الصراع والتجزئة".




المصدر