on
مواعيد “وهمية” لقنصلية النظام في اسطنبول.. والحقيقية مُباعة
muhammed bitar
عمل نظام الأسد طوال سنوات الثورة على استثمار معاناة اللاجئيين السوريين في دول العالم للحصول على أوراق ثبوتية، من خلال حرمان معارضيه منها، وفرض إجراءات بالغة التعقيد، ورفع أسعار معاملاتها عدة أضعاف، حتى بات الحصول على جواز السفر السوري يضاهي سعر نظيره الأميركي رغم محدودية البلاد التي يسمح لحامله بدخولها دون تأشيرة.
ورغم هذه التكاليف الباهظة ابتدعت قنصلية نظام الأسد في اسطنبول مؤخراً طرقاً جديدة وصفها السوريون بأنها باتت “أكثر تحضراً للحصول على الرشوى”، وذلك من خلال إقرار النظام الإلكتروني لحجز الموعد، وهي بحسب ما أعلنت القنصلية جاء “لمساعدة المواطنين السوريين وتجنباً للزحام والفوضى واستغلال السماسرة”.
ويقوم النظام الجديد الذي أقرته القنصلية على حجز موعد من موقعها الالكتروني لإحدى المعاملات التالية (منح وتجديد جواز سفر، منح تذاكر مرور، تصديق الوكالات، منح وإلغاء وكالات، واقعات الأحوال المدنية)، ويتم فتح الحجزلأسبوع واحد بداية من منتصف ليل الأحد لهذه المعاملات على أن لا يتجاوز المتاح للمواطن أكثر من معاملة واحدة في القنصلية خلال الأسبوع.
ورغم رقي هذه الطريقة شكلياً إلا أنها تختلف واقعياً في التطبيق، حيث يشكو معظم المراجعين عدم قدرتهم على حجز أي موعد عبر هذه الطريقة رغم تكرار المحاولات لتكون النتيجة دائماً (الرجاء الانتظار قليلاً يرجى المحاولة لاحقاً).
تجارب
يتحدث وائل الرشيد وهو سوري يقيم في مدينة مرسين لـ “صدى الشام” عن نتائج محاولاته المتكررة لمدة أربعة أشهر لحجز موعد بهدف الحصول على جواز سفر جديد “كنت أنتظر ليلة الأحد وأبدأ محاولاتي التي تستمر أحياناً حتى الصباح على أمل الحصول على موعد لكن النتيجة كانت واحدة”، ويضيف الرشيد “توقعت أن يكون سبب فشلي هو الضغط الكبيرعلى الموقع من الآخرين لكن بعد هذه المدة الطويلة أيقنت أنّ هذا الدور شكلي واضطريت لشراء دور من سمسار بمبلغ 200 دولار”.
تجربة مماثلة عاشها أحمد، وتطرق إلى الفساد المستشري في هذه القنصلية والذي لمسه بعد قضائه أسبوعاً كاملاً في اسطنبول، قاطعاً مئات الكيلومترات في محاولة لاستخراج وكالة عامة لأحد أقربائه في سوريا، ويؤكد أحمد أنّ الموقع لم يعطه أي نتائج رغم إدخال البيانات بشكل صحيح لعشرات المرات، مضيفاً:”عند لجوئي إلى السماسرة فهمت معنى ذلك؛ جميع أدوار المعاملات بيعت قبل أن يتم فتح الموقع ولكل معاملة سعر خاص”.
وأضاف أن “إجراء وكالة عامة من خلال أي مكتب يكلف بحدود 250 دولار (132 ألف ليرة سورية)، حيث يباع الدور مقابل 100 دولار وخلال أسبوع تحصل عليه، بينما رسوم القنصلية هي 150 دولاراً تدفع عند التقدم للمعاملة بعد الحصول على الدور”.
سماسرة
تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي يومياً العديد من الإعلانات التي تقدم خدمات تيّسر أمور السوريين في قنصلية إسطنبول، ومنها مواعيد جاهزة تؤهلهم لقضاء معاملاتهم.
وتتفاوت الأسعار وفق هذه الإعلانات بحسب مبدأ العرض والطلب، فأسعار الحصول على دور لجواز السفر ارتفع من 100 ليرة تركية إلى 200 -300 دولار حالياً، أما المعاملات الأخرى في السفارة فيختلف سعر الدور بها بحسب عدد الراغبين، وغالباً ما تباع بين 100 ليرة إلى 100 دولار للدور الواحد.
ومن خلال البحث عن كيفية حصول السماسرة على دور القنصلية ومن المسؤول عن منعه عن المواطنين المحتاجين توجهنا إلى أحد المكاتب الواقعة في إسطنبول حيث يعمل معظم هؤلاء بصفة مكاتب قانونية، ولدى سؤالنا عن سبب عدم تمكن الناس من الحصول على دور أوضح الشاب محمود، والذي اشترط عدم ذكر اسمه الكامل أنّ “المكتب يعمل مع وسيط يعمل من خارج القنصلية يدعى مرهف، يقوم بحجز الأدوار عبر موظفي السفارة قبل وقت معين ومن ثم يمنح هؤلاء الدور”، مؤكداً أنّ “المكتب يتقاضى جزءاً من هذه الأتعاب بينما يذهب معظم المبلغ للوسيط والموظفين”.
وحول مسؤولية السماسرة في حجز الأدوار مسبقاً وعدم تدخل القنصلية في ذلك أجاب محمود “المكتب مثله مثل أي مواطن يحاول الحصول على الدور عند فتحه، لكن لم ينجح أحد خلال الفترات الماضية في الحصول على دور جواز سفر مثلاً”، والسبب وفق رأيه واضح “جميع الأدوار محجوزة حتى قبل فتحها”.
أما عن المعاملات الأخرى فيوضح محمود أنّ أدوارها كانت متوفرة سابقاً لكنها أدرجت خلال الأسابيع الماضية ضمن نطاق البيع من قبل “شبكة مافيات القنصلية” والتي أكد أنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمسؤولين عنها كونها تباع من الداخل، وفق قوله.
وتساءل محمود: “إذا كان الدور يفتح لمدة أسبوع فكيف تقوم المكاتب بحجزها لما بعد ذلك؟ مثلاً دور الجواز أستطيع منحك إياه حالياً بعد شهر من الآن، السبب واضح؛ الفساد هو من الداخل”.
تكاليف باهظة
لم تستطع مؤسسات المعارضة خلال السنوات الماضية الحصول على اعتراف جواز سفر الائتلاف السوري الذي أصدرته ما اضطر آلاف اللاجئيين السوريين للاعتماد على قنصليات وسفارات نظام الأسد لتسيير أمورهم.
هذا الأمر دفع خارجية النظام لابتزاز المواطنين ومنعهم من تجديد جوازاتهم وفرض إصدار جوازات جديدة عند انتهائها، وذلك لإجبارهم على دفع مبالغ مادية كبيرة وصلت إلى 800 دولار.
ويرى المحامي فائز المصري في تصريحه لـ “صدى الشام” أنّ هذه الأسعار باتت خيالية، فعند إجراء مقارنة بسيطة مع التكاليف التي تفرضها دول أخرى لاستصدار جواز جديد يتبين أن جواز السفر السوري يعتبر حالياً الأغلى بين دول العالم.
ويضيف المصري: “تخيل أنّ رسوم جواز السفر الأمريكي هي 130 دولاراً فقط، ويتيح لك الدخول إلى معظم دول العالم، بينما تصل تكاليف جواز سفر النظام السوري مع الدور إلى 1000 دولار أي عشرة أضعاف تقريباً”.
ويرى المحامي أنّ “النظام يبتز المعارضين من خلال هذه الرسوم ليس فقط من أجل الحصول على جوازات سفر بل في سائر المعاملات الأخرى، والسبب هو التشفي وسرقة أموال هؤلاء البسطاء”.
المصدر