حرائق الغابات في مصياف… “حاميها حراميها”


عارف محمود

لم يمضِ شهر تموز هذا العام خفيفًا على مدينة مصياف وأهلها؛ فعلى مدى أسبوع التهمت الحرائق أكثر من 700 دونم، من أحراج وغابات قرى دير شميل، برشين، جبل دير ماما، والقرى الواقعة على طريق مصياف وادي العيون. تحولت مساحات شاسعة من أشجار الصنوبر والسنديان إلى “مفاحم” لتجار الحطب، وإلى أماكن تصلح للاستملاك وبناء البيوت الفخمة لضباط النظام ومستثمريه من التجار. وكعادة السنوات الماضية بقيت الحرائق دون معرفة الفاعل.

في عام 2014 طالت الحرائق أكثر من 400 دونم من غابات محافظة حماة، وفي عام 2015 تعدت مساحة الحرائق 10 آلاف دونم من الحراج، وفي عام 2016 التهمت الحرائق 800 دونم، كل ذلك حدث دون محاسبة أحد من مسؤولي المحافظة أو مديرية الزراعة.

تشكل الغابات أهم المعالم السياحية في مدينة مصياف إلى جانب قلعتها، وتبلغ مساحتها الإجمالية 15 ألف هكتار، تتناقص سنويًا بفعل الحرائق المفتعلة، من دون وجود خطة لإعادة تشجير ما يتم خسارته من أشجار، تعدّ متنفسًا لأهالي المدينة ورئة لمحافظة حماة. يتفق الأهالي ومسؤولو المحافظة على أن الحرائق تحدث بفعل فاعل، وكل منهما يرمي المسؤولية على الآخر، فمن جهة، تحمل تصريحات مسؤولي المحافظة اتهامًا للمجتمع الأهلي بافتعال الحرائق، وذلك بذريعة عدم تعاونه في إخماد الحرائق، وحاجة الناس إلى الأخشاب لعدم توفر مازوت التدفئة شتاء! ويطالب مسؤولو المحافظة المواطنين بمزيد من الوعي، لإدراك قيمة الغابات كونها ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها. ومن جهة أخرى ينفي الأهالي افتعال حرائق تلتهم مساحات من أراضيهم الزراعية المغروسة بالأشجار المثمرة.

يقول المهندس الزراعي بسام من مصياف لـ (جيرون): “لا يمكن لمواطن عادي تحمّل تبعات افتعال حرائق، ما لم يكن محميًا من قبل جهات رسمية أو جهات أقوى من الرسمية، سواء بقوة السلاح أو المال”، ويعتقد بسام أن “افتعال عدة حرائق، في أماكن متباعدة وفي أوقات متقاربة، وتأخر فرق الإطفاء بالوصول يدل على وجود شبكة من الأشخاص ينشطون معًا”. ويضيف: “مديرية أحراج مصياف غير مؤهلة لحماية المساحات الشاسعة من الأشجار، والآليات قليلة وقسم منها خارج الخدمة، ودائمًا تتم الاستعانة بفرق إطفاء حمص وطرطوس”، ويؤكد بسام أن مساعدة أهالي مصياف، بأدواتهم المتواضعة، تساهم بشكل كبير في تقليل الخسائر، ولولا مراقبتهم الدائمة للغابات المحيطة ببيوتهم وأرزاقهم؛ لكانت أصبحت رمادًا منذ سنين.

يكاد أبناء مصياف يجمعون على أن “حاميها حراميها”، على حد وصف أحمد (أحد أبناء قرية برشين) الذي يقول: “من المدهش أن غالبية الحرائق تبدأ بعد منتصف الليل والناس نيام، لتستمر حتى الصباح دون إمكانية تدخل أحد”، ويحمل تلميح أحمد تشكيكًا بمتعاقدي الزراعة كحراس للغابات ومسؤوليتهم عن افتعال الحرائق. ويضيف: “يوجد مئات الأسماء الوهمية لعمال الحراج المؤقتين الذين يتم تعيينهم بالواسطة والمحسوبيات، من دون أن يكون لهم فاعلية على الأرض”. ويشير إلى “مناشدات” عديدة من الأهالي، عقب كل حريق، بفتح طرق حراجية داخل الغابات للوصول إلى الحرائق، ولكنها تذهب دون جدوى.

يبدو أن مسلسل حرائق مصياف انتهى هذا العام. وأصحاب “بزنس” تحويل الغابات إلى أراض تصلح لمجمعات سكنية وبيوت فخمة اكتفوا بمساحة 700 دونم. فقبل عدة أيام أعلنت “الجهات المختصة”، في محافظة حماة، “إلقاء القبض على ثلاثة أشخاص اعترفوا بأنهم وراء عدة حرائق”. وتوعّدت تلك الجهات نواطير الحراج بالمساءلة، إن تكرر حدوث أي حريق!.




المصدر