فقاعات ترامب التحذيرية


نزار السهلي

تصر الإدارة الأميركية كل مرة على التذكير، عبر تحذيراتها وبياناتها الرسمية المتناقضة حول الأوضاع في سورية، بأنها حاضرة بقوة على الأرض، وغائبة بتناوب الرئيس ترامب وأركان إدارته بتجاهل جرائم النظام، مع أن الإدارة الحالية تحمل التقصير الفظيع والمدمر الذي سلكته إدارة أوباما حيال جرائم نظام الأسد. يطل ترامب بالتفاتة جديدة متعهدًا بمنع الأسد من شن هجمات كيماوية جديدة، وبمعاقبته إنْ فعل.

تحمل تحذيرات ترامب الجديدة، بخصوص جرائم الأسد ونظامه، محاولة لاستكمال خطوات الإدارة الأميركية بشكل ظاهري نحو الأسد، من خلال فقاعات التحذير والإنذار، وبما يذكر ببعض بيانات الشجب والاستنكار “العربي” على سلوك الاحتلال الإسرائيلي، بالمضمون وحده. الأسد يفهم رسائل الإدارة الأميركية، ويعي مع مرور الوقت لعبةَ تجفيف الدم السوري الذي ما زال ينزف، تنشدّ الأنظار إلى ترامب إن جاء على ذكر سورية أو الأسد، وذكّر العالم بأنه اتخذ قرار قصف مطار الشعيرات، متهكمًا على خط أوباما الأحمر المرسوم على الرمال.

يتناسى ترامب، بل يتجاهل عن قصد المجازر اليومية الأخرى التي من شأنها أن تقطع “جدل وحيرة” الأميركي، وتُلعثم المجتمع الدولي حول مسؤولية النظام عن ارتكاب الفظاعات، وعن سياسة الإرهاب واستباحة الدم السوري منذ ستة أعوام، لكن الدم السوري الذي عبر حدود سورية، بعد أن فاض على كل مساحتها، ما زال ينتظر سكون وضجيج الموت، غير ملتفت لصحوة ضمير دولي؛ لأنه لم يبق من سبيل سوى المضي قدمًا أمام عدو جبار، لا حدود لظلمه وظلامه، لقد لُدغ الشعب السوري عشرات المرات من جحر التصريحات الأميركية، ولم يُعوّل عليها يومًا، حتى لو راهنت عقلية سياسية معارضة على موقف الإدارة الأميركية، على الرغم من أن تلك المواقف ألحق أضرارًا وخيمة بالثورة السورية، على مدى السنوات الست الماضية.

كان واضحًا -منذ البداية- أن واشنطن تحاول تبرير الأجواء ما أمكن، للطاغية في دمشق، للحيلولة دون تلبية أي مطلب من مطالب الشعب السوري، ولهذا عملت سرًا وعلانية على إفشال عدة مشاريع وقرارات تدعم حقيقة حرية الشعب السوري؛ فكان التنسيق مع أعداء الشعب السوري، موسكو وتل أبيب وطهران، في لعبة المساومات الطويلة التي كلفت مئات آلاف الضحايا.

تُبيّن التحذيرات الأميركية للأسد -ظاهريًا- أنها تهدف إلى تقييد جرائم النظام، لكنها منذ أن بلغت مداها بقصف الشعيرات؛ زادت وتيرة الإجرام والمجازر اليومية في درعا والغوطة وحماة وغيرها، حتى بدت التحذيرات وكأنها نوع من التقاسم بين موسكو وواشنطن، أقل ما يُقال فيه إنه من النوع البخس والرديء جدًا.

على أي حال، إن تحذير ترامب يفضح بشكل مستمر حالة العجز والهشاشة الدولية نحو جرائم الأسد، وحالة التواطؤ المفضوحة التي تجعل مجردَ إضافة تصريح آخر بشأن جرائم الأسد، من دون اتخاذ خطوات عملية تجد طريقًا للتنفيذ، جعجعةً مستمرة عن السلاح الكيماوي، لا عن ضحاياه، وإدانة لاستخدام الأسلحة المحرمة، لا إدانة للمذابح المستمرة، فيما لسان حال السوريين يقول إن التهديدات الدولية للنظام والقرارات المجهضة في مجلس الأمن جعلت يد النظام طليقة، وجعلته أكثر تغوّلًا مع تساهل المجتمع الدولي مع جرائمه، فلا يسعنا سوى القول: على ترامب أن يدعنا نفلت من جعجعة ونفاق تصريحاته، وأن نُقلع نهائيًا عن مسار الإمساك بخديعة الثواب والعقاب، مع أن الشعب السوري أطلق عنان حناجره منذ زمن بإسقاط الأسد ومحاسبته عن جرائمه قبل خديعة وتخبط ترامب.




المصدر