انشقّ.. ينشقّ.. انشقاقًا


نجم الدين سمان

قال آرام لصديقه:

– كلّ الحقّ عليك.. يا اصطيف.

ضحك اصطيف:

– وإنت الصادق.. كلّ الحق ع الطليان!.

قصدي.. ما استفدت مِن وَضعَك بنصّ فرنك!. متل شو.. يعني؟!. يعنّي.. لمّا انشقيت عن النظام؛ ما أعلنت انشقاقك؟!.

ابتسم اصطيف:

– اتصل فيني صديقين من فضائيتين، وحدة منهم ثورجيِّة كتير؛ قالوا: جاهزين نعمل معك لقاء؛ ما تنسى.. جِيب هويتَك معك.

– وجِبِتهَا معك؟!.

– ما رِحت.. شو بِدِّي قول للسوريين، وهنِّي تحت القصف: “وهذه.. هي هويّتي“. كلّ كلامي وبطاقتي الشخصية وجواز سفري ما بيجيبوا صاروخ واحد.. مُضَاد للطيران.

هَزَّ آرام رأسه:

– معك حق يا اصطيف. هَي شغلة معنويّة وحرب إعلاميّة، كانت بوقتها ضروريّة.

– ما بلوم اللِّي طلِع على الشاشات.. وخاصةً إذا كان في الجيش وانشقّ.

– طيب.. ليش ما عملتوا تجمُّع؛ ائتلاف للمُنشقين.. مثلًا.

– مِن قِلِّة الدكاكين في بازار المُعارضة؛ كمان.. بِدَّك دِكَّانة للمنشقين؟!.

– قصدي يا اصطيف.. مو الكلّ اجتنبكُم وعاداكم؟!.

– ليش المنشقين كتلة وحدة؛ عندك مثلًا، بعثيين انشقوا عن النظام، شيوعيين وإسلاميين كمان، ناصريين، قوميين سوريين، مُستقلين، ومُخبرين اندسّوا بالمعارضة ليشقوها، وبعضهم رجع لأحضان النظام بعد ما انتهت مهمته!.

– بس.. ليش ما صرت إنت بالمُعارَضة؟!.

ردّ اصطيف:

النظام ما خلّى مُعارَضة بالداخل؛ سجنها أو قتلها أو هَجَّرها!. قصدي.. المُعارَضة الخارجية: بالمجلس الوطني؛ بالائتلاف. فيه أشكال كتيرة للمُعارَضة.. يا آرام، أحسن مُعارَضة إنّك تعارض النظام والمُعارَضة وأمراء الحرب.. مع بعض. هَي معارضة.. تمنها صعب يا اصطيف. تمنها معروف يا آرام؛ النظام.. يخوّنك، المعارضة.. تشكّ بإنَّك مدسوس من النظام، ويكفِّرَك.. أمراء الحرب.

علّق آرام ضاحكًا:

– معناها بدّك فنجان 3 ب 1 منشان تروق!.

وَقّف اصطيف وقال:

عَم تتمسخر.. يا آرام؟!. لا.. والله؛ لأنّه طول ست سنين شفنا كتير وسمعنا كتير. متل شو.. مثلًا؟. لمّا صارت دعوة للعصيان المدني؛ طلع الشيخ العرعور ونصح السوريين: دِقُّوا عَ الطناجر!، ولمَّا حرَّر الجيش الحرّ 70 بالمية من سوريا.. طلعوا إخوة المنهج وحرَّروا المُحرَّر!، سَلّموا الرقة.. لداعش؛ متل ما سلّم المالكي الموصل؛ انسحبوا من كَسَب؛ وما قبضوا تمن انسحابهم من حلب!. في الثورات يا آرام.. بيطلع كتيرين على اكتافها؛ واللِّي بينزلوا.. أكتر من الطالعين.

تنهد آرام:

اللّي محيِّرنِي من ست سنين يا اصطيف؛ إنّو السوريين جرَّبوا كلّ شي ليخلصوا من النظام، ولسَّه النظام بقيان!. قصدك.. جرّبوا النضال السلمي؛ وبعدين النضال المسلّح؟. جرَّبوا شخصيات كتيرة: من برهان غليون.. لرياض سيف؛ ومن العرعور.. لمُعَاذ الخطيب.. للجولاني.

ضحك اصطيف:

– الجولاني.. مُنشَق كمان.

– كيف يعني؟!.

– البغدادي.. انشق عن الظواهري، والجولاني.. انشق عن البغدادي، وآخر هام.. انشق إخوة المنهج في “أحرار الشام” والتحقوا بإخوة المنهج في النصرة، كلّ واحد بلِحيِة محَنَّايِه ومسبحة منَقّاية.. عمل راية ودِكَّانة حرب.

– بس اللّي شكّكوا بالمُنشقين عن النظام؛ قالوا عن النصرة إنها جزء من الثورة.

– ما تذكِّرني يا اصطيف؛ كانت أسوأ جملة قالوها.

– قالها.. تلَت رؤساء للائتلاف، الأول.. نشرها وبعدين محاها من صفحته، وتنين.. ثبتت عليهم: صوت وصورة.

علّق اصطيف:

– وإنت الصادق.. الأول: ماركسي فرانكفوني!، التاني: إسلامي مُعتدل جداً!، التالت: شيوعي عتيق!.

– والرابع؟.

– رئيس حزب يساري ديمقراطي.

– والخامس.. يا آرام؟.

– صاحب وكالة سيارات وفضائيّة ثورجيّة.

– والسادس؟.

– صحفي بعثي ثورجي.. مُنشَق!.

– والسابع؟.

– إبليس قالها.. كمان.

ضحك آرام:

– روق يا اصطيف.. هِيِّي جملة وانقالِت.

– رايق يا آرام.. من وقت ما انشقيت عن حالي.

كيف يعني.. اعرب لي ايّاها لنشوف؟!. لمّا يكون الواحد منّا عايش 50 سنة انقلابات واستبداد؛ مو مشكلة إذا توسَّخ صَبَّاطُه بوحل الفساد، المهم.. تضلّ روحُه نضيفة.

سأله آرام: – ولمّا بتصير الثورات.. يا اصطيف؟!.

أول شي ينشق عن حَالُه.. قبل ما يثور على النظام، ينضِّف حالُه من جُوَّاتُه.. قبل ما يطالِب غِيرُه بالنضافة، بيشوف إذا جُوَّاتُه مُستبدّ صغير متخبِّي.. يمسكو من داناتُه ويرميه بأقرب حاوية زبالة. وإذا ما عمل هيك؟!. يكون عَم يعيد انتاج الاستبداد في ثورته على الاستبداد!.

تنهّد آرام:

زعلان عليك يا اصطيف؛ الكلّ دَبَّر حاله: رواتب ومنظمات دولية وجمعيات إغاثة ولجوء سياسي في أوروبا.. إلّا إنت. معي بطاقة “كِملِك” وبدل ما يكتبوا مواليدي 1959 كتبوه 2009 منشان اقتنع بمقولة: “أنتم المُهاجرون ونحن الأنصار”! كيف عَم تدبِّر أمورَك في عينتاب؟!. مستورة حتى الآن.. أخي عَم يبعتلي إجرة البيت، وصديق مهاجر عتيق.. عَم يبعتلي مصروفي، بَس.. ما تستغرب إذا سمعتني عامِل بَسطِة دِخّان تهريب. دخّان يا اصطيف.. ومهرَّب كمان؟!. إي .. ومن بلدنا، من سورياستان، وفي مِنُّه: حمراء طويلة من عند النظام؛ وحمراء قصيرة.. مُنشقة عن النظام!.


المصدر